القاهرة- إسلام عبد الحميد
دخل نحو ٥٠٠ عامل من أصحاب المعاشات بشركة الحديد والصلب المصرية، التابعة إلى الشركة القابضة للصناعات المعدنية، إحدى شركات قطاع الأعمال العام، في اعتصام للمطالبة بصرف مستحقاتهم المتأخرة منذ عام 2013. وقال أحد المعتصمين رفض ذكر اسمه، إن متوسط مستحقات العامل الواحد يصل لـ150 ألف جنيه، لم يتم صرفها منذ عام 2013 لأكثر من 3000 عامل على المعاش، ما يجعل إجمالي المستحقات المتأخرة 224 مليون جنيه، حتى أغسطس/آب من العام الجاري.
وأكد أن العمال سيستمرون في الاعتصام حتى الحصول على مستحقاتهم كاملة، مناشداً الدكتور أشرف الشرقاوي وزير قطاع الأعمال العام، التدخل السريع لإنهاء الأزمة، لأن غالبية المعتصمين من كبار السن فوق الستين عاماً، ومعظمهم مرضى بالضغط والسكر، وقد يتعرّضون لأزمات صحية نتيجة الاعتصام والإضراب عن الطعام، فيحدث ما لا تحمد عقباه، وتندم الحكومة على عدم تدخلها من البداية.
وكانت فكرة إنشاء شركة للحديد والصلب تراود عدد من الاقتصاديين المصريين بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان عام 1932 وحتى عام 1954 حينما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرسومًا في 14 يونيو/حزيران 1954 بإنشاء أول مجمع متكامل لإنتاج الحديد والصلب في العالم العربي برأس مال قدره 1. 2 مليون جنيه، وتم عمل اكتتاب شعبي بقيمة جنيهين للسهم الواحد، يضاف إليها 50 مليمًا كمصاريف إصدار، وفى 23 يوليو/تموز 1955 تم وضع حجر الأساس للمشروع على مساحة 2500 فدان شاملة المصانع والمدينة السكنية للعمال، والمسجد الملحق بها، وقامت شركة ديماج الألمانية الشرقية بإنشاء المصانع والأفران، وتقديم الخبرات الفنية اللازمة.
ورغم المساحة الهائلة للشركة التي تقدر بـ 50 ضعف شركة عز الدخيلة، فإنها لا تنتج سوى 400 ألف طن حديد سنويًا، في حين ينتج مصنع الدخيلة 5. 9 مليون طن سنويًا، بعد أن كانت الشركة قد بدأت إنتاجها بـ210 آلاف طن وصلت إلى 1. 5 مليون طن في السبعينات، وحيث كانت الشركة تنتج الصلب المشكل على هيئة ألواح وقضبان السكك الحديدية، والزوايا والكمرات والستائر الحديدية، وأنابيب البترول وغيرها من احتياجات الصناعات المختلفة، ولكن حال الشركة اليوم أصبح يرثى له خاصة بعد الثورة، وهو ما أكده المهندس أحمد عويس، عضو مجلس إدارة الشركة الذي أكد أن المعدات الموجودة في الشركة أصبحت متهالكة، حيث لم يتم تطويرها منذ السبعينات، بالإضافة إلى مشكلة نقص توريدات الكوك، حيث تعاني شركة الكوك المصرية نفسها من مشكلات مما أدى إلى انخفاض إنتاجيتها .
.
"نفسية العمال صفر"
10 آلاف عامل، هم حجم القوى العاملة في الشركة الوطنية للحديد والصلب، وجميعهم يعانون الأمريّن بعد أن ساءت أحوال شركتهم، حيث ينتظرون بفارغ الصبر خطط التطوير التي لم تنفذ منذ سنوات، يحلمون بيوم تدور فيه الأفران تدفئ بلهيبها الأحمر حياتهم التي أصبحت باردة، رواتبهم لا تكفى لمواجهة أعباء الحياة، وسوء حال الشركة حال دون حصولهم على أرباح أو مكافآت، حتى مكافأة نهاية الخدمة أصبحت في علم الغيب، لذلك آمال الجميع معلقة بالتطوير الذي يمثل الأمل الأخير لهم لإنقاذهم وأسرهم من التشرد والجوع.
ويقول عضو اللجنة النقابية بشركة الحديد والصلب، محمد عبد المنصف، أن "نفسية العاملين بالشركة صفر" بسبب سوء أحوال الشركة وعدم وجود عمل للكثير منهم بسبب توقف الأفران الثلاثة، وأضاف نعانى مشكلة انعدام الصيانة للآلات والمعدات منذ عشرات السنين، وبعد الثورة زادت المشكلات بسبب نقص توريدات فحم الكوك الذي تعمل به الأفران، ما أدى إلى توقفها عن العمل، ويطالب عبد المنصف الرئيس السيسى بالتدخل شخصيا لإنقاذ قلعة الصناعات الثقيلة وتخفيض أسعار الوقود مثل الغاز أسوة بما حدث مع مصانع الحديد الخاصة.
ويقول أحد العاملين بالشركة، "بلال سيد" إن حال العمال جميعا أصبح يرثى له، فمنذ سنوات والعمل بالشركة شبه متوقف بعد أن توقفت الأفران الثلاثة، ولم يعد يعمل سوى فرن واحد فقط، وأشار إلى أن المشكلة الكبرى التي يواجهها عمال الشركة هي مكافأة نهاية الخدمة التي تقدّر بشهر ونصف الشهر عن كل عام، ونعول عليها جميعًا لإعانتنا على أعباء الحياة بعد المعاش، بخاصة أن مبلغ المعاش لا يكفى شيئا، ولكن صرف هذه المكافأة يتأخر لمدة تصل إلى عامين، حيث لا توجد مبالغ كافية في صندوق الزمالة لصرف المكافأة، فيتم صرف نصفها فقط بعد عام من الخروج على المعاش والنصف الآخر يصرف بعد عام آخر، فهل يجوز أن أخدم الشركة 36 عاماً ولا أحصل على مستحقاتي إلا بعد عامين وبالتقسيط؟
يصف المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية بحلوان، والقيادي العمالي السابق بشركة الحديد والصلب، كمال عباس، مجمع الحديد والصلب بحلوان، بـ"المشروع الحلم"، أو الذي كان كذلك، لما يشكله مع مشاريع أخرى مثل مجمع الألومنيوم في نجع حمادي، من مشاريع قادرة على بناء دولة صناعية حديثة، ويضيف "عباس": "حتى السبعينيات كان المصنع الوحيد بالشرق الأوسط، حتى تعرض لما تعرض له من تدمير ممنهج، في عهد مبارك، حيث واجه إهمالًا كبيرًا في الإدارة، وعدم ضخ استثمارات جديدة، وكذلك الامتناع عن التطوير، والتوقف تمامًا عن التدريب.
وأكد أحد العمال في الفرن، عدلى فهيم، إن العمل في الفرن على مدار 8 ساعات يومياً، تبدأ من الساعة السابعة صباحاً، وتكون هناك ورديات، قائلاً "إحنا بنشتغل هنا قدام النار ودرجة حرارة صعبة جداً، لكن إحنا فى نفس الوقت بنحب شغلنا" ويؤكد عدلي أن عدم توفير الفحم يعطّل حركة الإنتاج ويساعد على توقف العمل لساعات طويلة، وهي أزمة منذ فترة طويلة، لم يتم حلها بصورة نهائية حتى الآن، فالمصنع يحتاج إلى تطوير وتوفير للفحم.
أهم المنتجات
وتتمثل أهم منتجات المصنع في 50 منتجًا أساسيًا من الصلب ومثلها منتجات ثانوية، المواتير والمحولات والتروس العملاقة بكافة أنواعها، وألواح بناء وتشييد السفن، إنتاج الصلب المشكل بأنواعه. بالإضافة إلى الكمرات والستائر الحديدية للمنشآت العملاقة، والكباري المعدنية، قضبان السكك الحديدية، وقطع غيار المصانع العملاقة، أنابيب ومستودعات البترول. أعمدة الكهرباء. كما يُنتج السماد الفسفوري والذي هو أحد أهم مكونات صناعة الأسمنت، والأكسجين الطبي وبعض الغازات والأسمدة الأخرى. بالإضافة لإمداد القوات المسلحة بالمعدات اللازمة وكانت أحد أذرعتها أثناء حربي الاستنزاف وأكتوبر المجيدة.
وكشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن انهيار شركة الحديد والصلب المصرية، حيث بلغت الخسائر المرحلة للشركة نحو 3.112 مليار جنيه بخلاف خسائر العام والبالغة نحو 558.760 مليون جنيه بإجمالي قدره نحو 3.671 مليار جنيه، تم تخفيضها بنحو 575.512 مليون جنيه خلال العام المالي الحالي، لتصبح نحو 3.095 مليار جنيه، بنسبة 316.79 % من رأس المال المصدر والمدفوع للشركة والبالغ نحو 977 مليون جنيه، مما يتعين معه دعوة الجمعية العامة غير العادية للنظر فى حل الشركة أو استمرارها تطبيقاً لنص المادة رقم 38 من القانون رقم 203 لسنة 1991 قانون قطاع الأعمال .
وقال مدير العلاقات العامة في مجمع الحديد والصلب بحلوان، جمال سليمان، "لسنا أقل من الهند التي ضخت في هيئة الصلب الهندية 10 مليار دولار مع بداية الألفية الثانية لتحتل المرتبة الثانية في إنتاج الصلب، تحتاج الشركة أيضًا إلى 100 مليون دولار بشكل عاجل وفوري لشراء مستلزمات الإنتاج الضرورية ومنها فحم الكوك" وبحسب جمال سليمان، فإن "الشركة تحتاج بشكل عاجل إلى 250 مليون دولار لإخراجها من حالتها الحرجة وإنعاشها وفقًا لدراسة الدكتور مختار خطاب، التي أعدها بناء على التكليف الذي صدر من رئيس الجمهورية، لوزيري الاستثمار والتخطيط لحل مشكلة الحديد والصلب المصرية، والتي أعدها بشأن المبالغ المالية التي تحتاجها الشركة لإعادة التأهيل والتطوير كمرحلة أولى".