محمد بن سلمان وعبد الفتاح السيسي

حظيت زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، باهتمام بالغ في مصر على المستويات كافة، إذ تتطلع مصر لمزيد من التعاون وفتح الآفاق الاقتصادية مع السعودية خلال الأعوام المقبلة، ورصد خبراء مصريون عدة مكاسب حققتها القاهرة من وراء الزيارة في مجال التعاونات المشتركة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

وبحث ولي عهد المملكة العربية السعودية، مع الرئيس السيسي أوجه التعاون الثنائي، وخصوصًا الاقتصادية والاستثمارية منها، لاسيما في منطقة البحر الأحمر وخصوصًا في مجال الاستثمار السياحي، وأكد الرئيس المصري له مواصلة العمل المشترك من أجل التصدي للتدخلات الإقليمية ومحاولات بث الفرقة والتقسيم بين دول المنطقة، والتوحد كجبهة واحدة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تتعرض لها المنطقة العربية، وعلى رأسها الإرهاب والدول الداعمة له، وفق بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية، مشددًا في هذا الإطار على ما يشكله أمن دول الخليج من جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وعدم السماح بالمساس به والتصدي بفعالية لما تتعرض له من تهديدات. 

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد وصل إلى القاهرة، مساء الإثنين، في زيارة رسمية تستغرق 3 أيام يجري خلالها مشاورات مع الرئيس السيسي وكبار المسؤولين المصريين، وتم توقيع 4 اتفاقيات بين البلدين خلال زيارة ولي العهد إلى القاهرة، حيث تم التوقيع على اتفاق تعاون في مجال حماية البيئة والحد من التلوث، ووقع عن الجانب المصري الدكتور خالد فهمي وزير البيئة، وعن الجانب السعودي نظيره المهندس عبدالرحمن عبدالمحسن الفاضلي.

وتم التوقيع على اتفاق معدل لإنشاء صندوق مصري سعودي للاستثمار بين صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي في مصر، وقعه عن الجانب المصري وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي الدكتورة سحر نصر، وعن الجانب السعودي الدكتور عصام بن سعد بن سعيد وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، كما وقعت على مذكرة تفاهم بين صندوق الاستثمارات العامة في المملكة ووزارة الاستثمار بشأن تفعيل الصندوق المصري - السعودي للاستثمار، واتفاقية برنامج تنفيذي للتعاون المشترك لتشجيع الاستثمار بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر والهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية.

ويقول سيف العماري، الخبير السياحي لمجلة "بيزنس" عن الزيارة، إن السعودية من الدول الصديقة التي لها مواقف عظيمة مع مصر كما أنه يوجد علاقات وطيدة تربط البلدين في المجالات الاستثمارية والاقتصادية والسياحية، وأي اتفاق بين البلدين لابد أن يكون فيه منفعة متبادلة للبلدين، مشددًا على إعجابه بزيارة محمد بن سلمان للأزهر الشريف والكاتدرائية، مشيرًا إلى أنها تعكس مبادرة طيبة من جانب السعودية تدل على احترامها للأديان السماوية وإصرارها على نبذ العنف والتطرف ومحاربة الإرهاب.

من جانبه، أوضح الدكتور إبراهيم نوار، الخبير الاقتصادي، أن السعودية هي أكبر مستثمر عربي في مصر، إذ يبلغ حجم استثماراتها نحو 7.2 مليار دولار، بالإضافة إلى أن قيمة التبادل التجاري بين الدولتين يقدر بنحو 3 مليارات دولار، مضيفًا أن المملكة ستطرح 5% من شركة "أرامكو" العملاقة للبترول للاكتتاب، والعائد سيحول للصندوق السيادي وتصبح صاحبة أكبر صندوق سيادي في العالم، علمًا بأن هذا الصندوق سيوجه لإدارة الثروات داخل المملكة والاستثمار خارجها، ومصر ستحصل على جزء كبير من هذه الاستثمارات، متابعًا أن المتوقع من زيارة ولي العهد السعودي توقيع مزيد من الاتفاقيات وزيادة التبادل التجاري والاستثمارات في مصر.

فيما ذكر الدكتور أشرف صحصاح، رئيس اتحاد مصر للغرف السياحية والخبير السياحي، أن الحكومة السعودية وشعبها والحكومة المصرية وشعبها وجهان لعملة واحدة سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا أو سياحيًا، كاشفًا أن المشاريع السياحية التي تتم على أرض مصر حاليًا، نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر "جبل الجلالة" الذي سوف يقام عليه جامعة الملك عبدالله، وأيضًا المنتجعات السياحية التى تقوم بها السعودية على أرض مصر كفيلة لاستقرار الأمن والأمان في المنطقة العربية، وواضح أنه بعد افتتاح حقل ظهر سيكون هناك تعاونًا كبيرًا بي البلدين.
وأبرز صحصاح، أن هناك عدة مجالات للتعاون والاستثمار بين القاهرة والرياض منها مشاريع الطاقة والزراعة الصحراوية الذي نجحت فيه السعودية وكذلك مجالات الصناعة، مضيفًا أن كل المجالات مقترحة ومفتوحة لزيادة المشاريع المشتركة بين الدولتين.

من ناحية أخرى، أشار مساعد وزير الدفاع، اللواء نبيل سلامة، إلى أن منتجع الفرسان يمتد على مساحة 38 فدانًا في مدينة الإسماعيلية غرب قناة السويس، ويعد مشروعًا سياحيًا متكاملًا، وفقًا لبيان الرئاسة، مضيفًا أن المنتج يتوفر به ملحق تجاري وتسويقي ومراسي سياحية عالمية، بالإضافة إلى نادٍ اجتماعي ثقافي رياضي على مساحة 40 فدانًا، ومركز تجاري على مساحة 5 أفدنة.

وقام الرئيس السيسي وولي العهد بجولة بحرية في المجرى الملاحي لقناة السويس، بمشاركة عدد من القطع البحرية المتنوعة، وتفقدا مدينة الإسماعيلية الجديدة، التي تقام على مساحة 2157 فدانًا بطول 11.3 كيلومتر، وتقع في الشاطئ الشرقي لقناة السويس في المنطقة المواجهة لمدينة الإسماعيلية، وتتضمن المرحلة الأولى من المدينة توفير 35 ألف وحدة سكنية متنوعة، في حين توفر المرحلة الثانية 57 ألف وحدة سكنية.

على سياق متصل، استقبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، مساء الإثنين، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في مكتبه بمقر مشيحة الأزهر الشريف في الدراسة، حيث رحب به في بلده الثاني مصر وفي رحاب الأزهر الشريف، معربًا عن تقدير الأزهر والشعب المصري للمملكة ملكًا وحكومة وشعبًا على الدور الذي تقوم به في خدمة الإسلام والمسلمين ونصرة قضايا الأمة.

 وأكد الإمام الأكبر، عظم المكانة التي تحظى بها المملكة العربية السعودية في قلوب المسلمين جميعًا، مشيدًا بعلاقات الأخوة التي تجمع بين الشعبين المصري والسعودي، وكذلك قوة العلاقة التي تجمع بين الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية. 

من جانبه، أعرب ولي العهد السعودي عن تقدير السعودية للأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء، مؤكدًا اعتزازه الشخصي بالأزهر الشريف، وبشخص الإمام الطيب ومتابعته لجهود الأزهر باستمرار باعتباره من أهم منارات وركائز الفكر الإسلامي، منوهًا بالدور المهم الذي يقوم به الأزهر في مواجهة كل ما يحيق بالعالم العربي والإسلامي من مخاطر، معبرًا عن تقدير المملكة للدور الذي يقوم به فضيلة الإمام في نشر ثقافة الوسطية والتعايش والسلام ومكافحة الفكر المتطرف.

ولفت ولي العهد السعودي إلى تطلع المملكة لتعميق علاقات التعاون والتواصل مع الأزهر الشريف قلعة الوسطية والسلام، مشيرًا في هذا السياق إلى قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بإنشاء "مجمع الملك سلمان بن عبدالعزيز للحديث النبوي الشريف"، معربًا عن حرصه على مشاركة الأزهر كمرجعية علمية في هذا المجمع، بالإضافة إلى الاستفادة من خبراته وجهوده في مكافحة الفكر المتطرف ونشر ثقافة التعايش والسلام، وتوحيد الجهود لنشر تعاليم الإسلام السمحة بعيدًا عن الغلو والتطرف أو الإفراط والتفريط.
 وعلى السياق ذاته، وصف خبراء سياسيون جولات ولي العهد السعودي وزيارته إلى الأزهر الشريف والكاتدرائية المرقسية ودار الأوبرا المصرية، بأنها تؤكد اهتمامه بالأبعاد الدينية والثقافية في ظل انتهاجه سياسة تقوم على الانفتاح والتحديث، مؤكدين أن محمد بن سلمان يتفهم طبيعة التكوين المصري ويقدم نموذجًا للتعايش مع الأديان، فضلًا عن إدراكه لدور مصر الريادي في المنطقة.

وصرح السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس ومحمد بن سلمان استمعا في بداية الزيارة إلى الأوبرا إلى شرح من الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، قدمت خلاله نبذة تاريخية عن دار الأوبرا ودورها الهام في الحياة الثقافية المصرية، كما شاهدا عرضًا خاصًا لمسرحية "سلم نفسك" من بطولة مجموعة من الشباب الهواة الدارسين بمركز تنمية الإبداع، وهو العرض الذي تم اختياره من قبل العديد من النقاد كأحسن عرض مسرحي خلال عام 2017، وتسلط أحداث المسرحية الضوء على عدد من القضايا ذات الصلة بالواقع الذى يعيشه المجتمع المعاصر خلال الفترة الأخيرة.

والتقى ولي العهد السعودي مع البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، في مقره بالكاتدرائية المرقسية في القاهرة، فيما وصفتها وسائل إعلام رسمية بأنها أول زيارة من نوعها لمسؤول من المملكة، ويأتي ذلك اللقاء بعد مرور عامين على لقاء البابا بالملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، أثناء زيارته للقاهرة.