الدوحة - مصر اليوم
أصعب الأهداف التي يمكن إصابتها هي "الأهداف المتحركة"؛ لأنها تتطلب أن يغير الرامي وضعيته باستمرار، إضافة إلى ضرورة التوقع بأي اتجاه يتجه الهدف، وتقريبًا هذا هو ما يحدث مع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014 إلى اليوم.
وفي تشرين الثاني عام 2014، اتخذت "أوبك" قرارها بأن تبقي على سقف إنتاجها كما هو عند 30 مليون برميل يوميًا، وهو ما كان معناه في ذلك الوقت أن "أوبك" ستحافظ على حصتها السوقية، وستترك الأسعار لكي تهبط؛ وهذا ما حدث بالفعل، وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، خرج وزراء "أوبك" ليؤكدون أن توازن السوق سيحدث في النصف الأول من عام 2015؛ إذ أن إنتاج النفط الصخري حينها كان يحتاج إلى 100 دولار للبرميل كي يستمر، ولكن النصف الأول من عام 2015 انتهى من دون أن تتوازن السوق، والأسباب وراء ذلك كثيرة، منها أن "أوبك" لم تكن تعرف شيئا عن آلية إنتاج النفط الصخري.
واستمرت شركات النفط الصخري في الإنتاج لسنة كاملة؛ لأنها كانت قد حفرت المئات من الآبار غير المكتملة في فترة صعود الأسعار، وكان كل ما عليها هو تشغيلها، إضافة إلى أن الكثير من الشركات باعت نفطها لعام 2015 مسبقًا بالأسعار العالية لعام 2014 فيما يعرف بـ"التحوط"، وتأخر توازن السوق، لينتهي عام 2015 من دون أن يحصل أي شيء في السوق.
وخرج وزراء "أوبك" بتصريحات في أواخر عام 2015 يؤكدون فيها مجددًا أن السوق ستتوازن في النصف الأول من عام 2016؛ لأن منصات الحفر في الولايات المتحدة ستتراجع إلى نصف ما كانت عليه في عام 2014، وهو ما حدث بالفعل، لكن السوق لم تتوازن، وكان السبب في ذلك هو أن شركات النفط الصخري حولت حفاراتها إلى المكامن السهلة، أو ما تعرف في الصناعة باسم "النقاط الحلوة"، واستمرت في الإنتاج مع الاستمرار في التحوط مجدداً.
ومما زاد قناعة دول "أوبك" بسرعة تعافي السوق هو أن الشركات النفطية خفضت استثماراتها بشكل ضخم في عام 2016، ومع هذا انتهى النصف الأول من عام 2016 من دون أن تتوازن السوق، فيما قالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي: إن "اكتشافات النفط العالمية تراجعت إلى مستوى قياسي منخفض في 2016، في الوقت الذي تقلص فيه الشركات الإنفاق وأعداد مشاريع النفط التقليدية التي جرت الموافقة عليها إلى أدنى مستوى في أكثر من 70 عامًا"، محذرة من أن "الاتجاهين قد يستمران هذا العام".
وذكرت الوكالة، أن "اكتشافات النفط هبطت إلى 2.4 مليار برميل في 2016، مقارنة مع المتوسط البالغ تسعة مليارات برميل سنويًا على مدى الـ15 عاما الماضية"، وتابعت أن "حجم الموارد التقليدية التي جرت الموافقة على تطويرها في العام الماضي هبط 30 %عن العام السابق، إلى 4.7 مليار برميل، مع انخفاض عدد المشاريع التي تلقت قرارًا استثماريًا نهائًيا إلى أدنى مستوى منذ الأربعينات".
وبسبب حالة عدم التوازن التي طالت أكثر مما يتوقعه الجميع، دخلت أوبك مع روسيا و10 دول من خارج أوبك في كانون الأول من عام 2016 في اتفاق لتخفيض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميًا، هو أول اتفاق من نوعه بين دول "أوبك" والمنتجين المستقلين من خارجها منذ عام 2001.
وكانت دول منظمة "أوبك" قد توصلت في اجتماعها يوم 30 تشرسن الثاني الماضي، إلى اتفاق يقضي بخفض حجم إنتاجها من النفط بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، اعتبارا من مطلع عام 2017 لمدة ستة أشهر، بينما اتفقت مع الدول من خارج المنظمة على أن يبلغ حجم التخفيض الإجمالي لإنتاجها من النفط، 558 ألف برميل يوميًا، 300 ألف برميل منها حصة روسيا.
وصرح وزراء "أوبك" منذ مطلع عام 2017 مجددًا بأن السوق النفطية ستتوازن بنهاية النصف الأول من العام الحالي، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ولهذا أكد وزراء "أوبك" مجددًا الأسبوع الماضي بأنهم عازمون على تمديد الاتفاق لمدة ستة أشهر (على الأقل) حتى يسمحوا للسوق النفطية بالتوازن في أواخر العام الحالي.
وليس وزراء "أوبك" وحدهم هم الذين يرغبون في تمديد الاتفاق، بل حتى المنتجون الروس هم أكثر حرصًا الآن على تمديد الاتفاق حتى أواخر العام على أقل تقدير، فيما توقع السبت، وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أن يتم تمديد اتفاقية خفض إنتاج النفط بين الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" وخارجها حتى نهاية عام 2017، أو حتى إلى ما بعد ذلك؛ لأن السوق ستعود للتوازن بنهاية العام الحالي أو مطلع العام المقبل.
وقال نوفاك للصحافيين في موسكو: "أعتقد أننا سننظر فيما لا يقل عن نصف العام وربما أكثر".لافتًا إلى أن روسيا تعتزم الإبقاء على مستوى خفض إنتاج النفط عند معدل 300 ألف برميل يوميًا في مايو/أيار ويونيو/حزيران، مقارنة بأكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث أضاف بقوله: "بحلول نهاية نيسان، وصلنا إلى سقف 300 ألف، وسنحافظ على هذا المستوى في مايو ويونيو".
من جهته، صرح رئيس شركة "روسنفت"، أكبر شركة نفط في روسيا، إيغور سيتشين، السبت، بأن شركته تدعم كافة أعمال وزارة الطاقة الروسية في المفاوضات مع اللاعبين في سوق النفط حول اتفاق خفض الإنتاج، وتابع : "تتمسك وزارة الطاقة بهذه الرؤية، وتتفاوض مع اللاعبين في السوق، ونحن ندعم كافة أعمال وزارة الطاقة"، كما أضاف: "الأهم أن تكون هناك آلية لحماية مصالحنا".
وتسري مخاوف الآن في السوق من أن تمديد الاتفاق لمدة ستة أشهر أخرى حتى آخر العام لن يجدي نفعًا؛ لأن "أوبك" وحلفاءها من خارجها قد يتمكنون من تخفيض المخزونات التجارية التي وصلت إلى 270 مليون برميل يوميًا فوق متوسط السنوات الخمس في الدول المتقدمة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن المعضلة تكمن في أي تحسن الأسعار يساهم حالياً في رفع إنتاج النفط الصخري.
وتوقعت "أوبك" في تقريرها الشهري يوم الخميس الماضي، أن يزيد إنتاج النفط الصخري هذا العام بنحو 600 ألف برميل يوميًا، في حين سيزيد الإنتاج من كل الدول خارج "أوبك" بنحو 950 ألف برميل يوميًا.وسيكون التحدي الأكبر لـ"أوبك" العام المقبل؛ إذ إن تمديد الاتفاق ورفع الأسعار سيعيدان إنتاج كثير من المنتجين بشكل كبير، بما فيهم شركات النفط الدولية، التي أعلنت غالبيتها - إن لم تكن كلها - نتائج مالية قوية في الربع الأول من هذا العام.
ويخالف بعض المحللين، من أمثال الدكتور سداد الحسيني، الاعتقاد السائد بوجود طفرة في العام المقبل، قائلاً إن أسعار النفط مرشحة للصعود بشكل أكبر؛ لأن الطلب سيزيد على النفط بأكثر من مليون برميل يوميًا، وستحتاج الشركات الدولية إلى وقت أطول حتى تستثمر، كما أن جزء من الزيادة ستذهب لتعويض معدلات الهبوط التقليدي في الحقول القائمة التي تقدر بنحو 5 ملايين برميل يوميًا.
ويشير المحلل والخبير في شؤون "أوبك"، عبد الصمد العوضي: إن "أوبك" وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه، حيث أضاف : "كانت السوق من الممكن أن تتوازن لولا أن (أوبك) زادت إنتاجها بشكل كبير منذ عام 2014 حتى الآن"، لافتًا إلى أنه: "وفي الربع الأخير من العام الماضي، كان الكل يتسابق من أجل الوصول إلى معدلات إنتاج تاريخية، حيث أنتجت السعودية 10.7 مليون برميل، وهو رقم غير مسبوق، كما فعلت العراق الشيء نفسه، وعاد النفط الإيراني إلى الإنتاج عند مستويات ما قبل الحظر النفطي عليه".
ويرى العوضي، الذي سبق له تمثيل الكويت في "أوبك" لمدة تزيد عن عشرين عامًا، أن كل هذه الزيادات وجدت طريقها إلى المخزونات في الربع الأول من 2017؛ ولهذا تأخر التوازن، حيث يقول: "للأسف نلقي باللوم على الدول خارج (أوبك) فيما يتعلق باختلال ميزان السوق، ولكن (أوبك) نفسها ساهمت في هذا".