القاهرة - محمد أحمد
سيناء، حيث تختلط رائحة العرق بالدماء، عرق آلأف من المصريين حفروا قناة السويس، وبنوا أضخم ممر مائي في العالم، ورائحة دماء الجنود الذين ضحوا بأرواحهم من أجل ترابها.
خرج الأتوبيس قاصدًا أرض الأنبياء، أو أرض الفيروز سيناء، وبعد بضع ساعات بداخله، بدأت مياه قناة السويس التي بدت متلأءلة في ضوء شمس الضحى، تلوح لنا، انتظرنا في الأتوبيس فقد كانت سفينة ضخمة تعبر من القافلة الجنوبية قادمة من البحر الأحمر متجهة إلى البحر المتوسط، ومن المعدية رقم 6 عبرنا إلى الجانب الشرقى إلى قناة السويس.
وما أن وضع الأتوبيس عجلاته، حتى تراءت لنا أشجار الزيتون التي ترمز للسلام، وتعتبر إحدى أهم الأشجار المشهورة بداخل سيناء، سار الأتوبيس في طريقه المرسوم له، فعلى يمينه توجد أشجار الزيتون، وعلى شماله توجد الصحراء التي يكسو رمالها اللون الأصفر، ثم بعد دقائق معدودة، بدأت رمال الصحراء تأكل أشجار الزيتون، وبدت الصحراء تكشر عن أنيابها.
دخل الأتوبيس في مدق صحراوي صنعته عربات الجيش، ومن ثم بدأ مشروع قناة السويس الجديدة، مجموعة من الآلآت تركها سائقيها من قسوة الحر وشدة العطش، ثم بضع خيام بالية متسخة لا تستطيع أن تقى من حر الشمس، وبدا من بعيد عدد من الأكواخ المبنية من البوص وجريد النخل، ومع تعمق الأتوبيس إلى الداخل، بدأت تتوالى بعض الآلآت المتناثرة التي بدت بلونها الأصفر وكأنها جزء من الصحراء فلا تستطيع أن تفرق بينها وبين رمال الصحراء.
وتحت هذه الشمس الحارقة بدا العمال وهم يخترقون عمق الصحراء ويضربون بمعاولهم في هذه الرمال ليعيدوا تاريخ أمجاد بناء السد العالى، وملحمة حفر قناة السويس الأولى، لم تؤثر الشمس الحارقة ولا نقص المياه ولا كم العرق الذي يتصبب من جبينهم فى عزيمة هؤلاء الرجال الذين أقسموا أن يعيدوا أمجاد المصريين.
هكتارات من الرمال، وأطنان من الصخر الطفلى، وجبال تحتاج إلى عمل شاق ومضني من أجل شق القناة المذكورة.
والمشروع الجديد يبدا بحفر قناة موازية إلى قناة السويس من الكم 60 الى الكم 90 بطول 35 كم بالإضافة الى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كم ليصبح الطول الإجمالي إلى المشروع 72 كم من الكم 50 إلى الكم 122، يهدف المشروع إلى تلافى مشكلات القناة الحالية من توقف قافلة الشمال إلى مدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، كما يسمح باستيعاب القناة إلى السفن العملاقة بغاطس 65 قدم، وزيادة دخلها بنسبة 259% بتكلفة تصل إلى 4 مليار دولار بالإضافة إلى تكلفة تقدر بنحو 4.2 مليار دولار لإقامة 7 أنفاق أرضية من أجل نقل السيارات والسكك الحديدية إلى سيناء.
و يتزامن إنشائهما مع إنشاء القناة الجديدة، لتصل التكلفة الإجمالية إلى المشروعين إلى 8.2 مليار دولار. على أن تكون عمليات الحفر من خلال الهيئة الهندسية إلى القوات المسلحة، والتي تستعين بـ 53 شركة وطنية مدنية تعمل تحت إشرافها.
ويتضمن المشروع أيضا إنشاء 7 أنفاق أسفل قناة السويس تتضمن 3 أنفاق في بورسعيد منهم نفقين إلى السيارات ونفق سكة حديد و4 أنفاق بالإسماعيلية منهم نفقين للسيارات ونفق سكة حديد ونفق مرافق بتكلفة تصل الى 4.2 مليار دولار.
ويطور المشروع الموانئ ومنها ميناء شرق بورسعيد الذي يقع على المدخل الشمالي الشرقي إلى التفريعة الشرقية إلى قناة السويس مما يعد موقعًا فريدًا لتلاقي القارات الثلاث ولحركة التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وسوف يتم تنفيذه على ثلاث مراحل، وتنضمن المرحلة الأولى إنشاء عدد 8 محطة متنوعة بطول أرصفة تبلغ 8 كم، أما المرحلة الثانية تتضمن إنشاء عدد 15 محطة متنوعة بطول أرصفة تبلغ 16 كم، أما المرحلة الثالثة انشاء عدد 21 محطة متنوعة بطول أرصفة تبلغ 25 كم.
ومن أهم الموانئ التي يشملها التطوير ميناء غرب بورسعيد
الذي يقع على المدخل الشمالي إلى قناة السويس و يعتبر أحد أهم الموانئ المصرية نظرًا إلى موقعه المتميز على مدخل أكبر ممر ملاحي في العالم.
تبلغ المساحة الكلية إلى الميناء 2.9 كم، والمساحة المائية تبلغ 1.7 كم والمساحة الأرضية تبلغ 1.2 كم، ويحتاج لزيادة عمقه من 15 متر إلى 18 متر لاستيعاب السفن العملاقة.
ويحتوى الميناء على 37 رصيف، وسيتم زيادتها لاستيعاب السفن وتطوير الميناء من أجل أن تكون ميناء عالمية.
ويأتي ميناء السخنة على أولوية التطويرات التي شملت عدد كبير من الموانىء وهو يقع على المدخل الجنوبي إلى قناة السويس على البحر الأحمر مما يجعله يملك ميزة إستراتيجية للتعامل مع البضائع العابرة خلال أكثر الممرات المائية التجارية ازدحامًا وحيوية في العالم.
يبعد الميناء 120 كم من القاهرة، ويتم الوصول إليه بسهولة بواسطة الطريق البري سريع أو خطوط السكك الحديدية.
بالإضافة إلى العمل على تعميق ميناء العريش الذى يبلغ الآن عمق بعض أرصفته 8و9 أمتار ليكون بعمق 15 و18 متر، وذلك ليسمح له بزيادة استيعاب السفن الكبيرة.
بينما يقع ميناء الأدبية على الشاطئ الغربي إلى خليج السويس وعلى مسافة حوالي 17 كيلومتر من مدينة السويس.
و يتبع الميناء الهيئة العامة إلى موانئ البحر الأحمر، ويتكون من تسعة أرصفة تبلغ أطوالها حوالى 1840 متر وغاطس يتراوح بين 27 الى 42 قدم، بمساحة مائية تبلغ 158 كيلومتر ، ومساحة أرضية تبلغ 0.8 كيلومتر.
وتصل الطاقة القصوى التصميمية إلى الميناء 6.75 مليون طن سنويا تتضمن (بضائع عامة 2 مليون طن ، صب جاف 2 مليون طن -،غلال 2 مليون طن ،زيوت 750 ألف طن).
وتنفذ الهيئة ميناء السخنة الجوي وهو يعتبر مشروع لإقامة مطار في محافظة السويس علي مساحة 10 كيلو متر في صحراء العين السخنة كمطار دولي تحت إشراف وزارة الطيران المدني بقيمة تمويلية تصل إلي 500 مليون جنيه مصري كمرحلة أولي، وذلك بهدف مضاعفة وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية في مجال السياحة، حيث يخدم المشروع 35 قرية سياحية وفندقًا تستوعب 5 آلاف غرفة و20 ألف فيلا وشاليه باستثمارات تتعدى 5 مليارات جنيه مصري بخلاف الإستثمارات الصناعية بالمنطقة.
بالإضافة إلى عدد من المشروعات الخدمية واللوجستية، ومناطق سياحية في سيناء وعلى الجانب الشرقي إلى قناة السويس.
ويقول سائق سيارة قلاب كبيرة ، من مدينة المنصورة، عبد الحكيم محمد، إنه جاء إلى العمل في حفر قناة السويس مع مقاول يدعى محمود سهمود، وأن سعر العربية يكون بالمتر، وهو مبلغ محدد سلفًا بسعر 2 جنيه إلى متر الرمل.
ويضيف عبد الحكيم محمدأنه يقوم بالعمل وردية واحدة من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الساعة العاشرة مساًء، وأنه توجد أكثر من 120 سيارة قلاب في منطقة الحفر هذه، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة حددت لهم مكان يسمى " المقلب " يأمل عبد الحكيم أن يكون مشروع قناة السويس مشروعًا عملاقًا، يحقق إلى مصر الخير.
ويؤكد أحد العمال، محمد حافظ، أن موقعهم لم يتم العمل به وما زالت عمليات نصب الخيام ووضع الآلآت لم تأتي بعد ،ويجلس العامل مع بعض أصدقائه، والذين رفضوا الحديث متعللين بأن القوات المسلحة منعتهم من ذلك.
ويردد مواطن مصري سيناوى من قبيلة الدواغرة ،نصار أبو عوف، ، كلمة سيناء أكثر من مرة، يقولها ووجهه يبتسم ،ويوضح أن المسؤولين لم يهتموا بأهالى سيناء في الوادي ،وأعرب عن أمله في أن يحقق المشروع عملية ربط الوادى بسيناء.
ويوضح أحد أبناء قبيلة البياضية، الشيخ محمد سليم عمير ،أن رجال وشباب من أبناء قبيلته حضروا ليعملوا في المشروع، وأن الكثير من القبائل الأخرى أيضًا جاءوا لبعملوا به فى ظل توقف السياحة والأجواء الأمنية الغير مستقرة في سيناء.
ويضيف الشيخ محمد عمير، أن المشروع هو محاولة جادة من وجهة نظره إلى عملية ربط الوادي بسيناء وأنه محاولة للدمج بين قبائل سيناء وبين أخوتهم في وادى مصر.
ويعيب الشيخ عمير، على الكثير من المصريين الذين يعتبرون السيناوي أقل منهم في الوطنية، أو يعتبروه مواطن من الدرجة الثانية، وقال إن تهميش سيناء ليس في مصلحة أحد ، ويختم بقوله " عشان تُبني مصر لازم كل واحد فيها ياخد حقه ".
ويذكر سائق حفار في الموقع ، من سوهاج ، عمر جمال خليفة، أن المشروع بالنسبة له لقمة عيش، لأنه يأمل أن يكون هناك مشروع قومي يُخرج البلاد من أزمتها،وأن الصعيد كله سيشارك في عملية الحفر، وأنه فخور بعمله في حفر قناة السويس الجديدة كما حفر أجداده القناة القديمة.
ويكمل عمر جمال، أن طبيعة الأرض في هذه المنطقة سهلة الحفر وليست صعبة، فهي أرض رملية ليس بها إلا طبقات رقيقة من صخور الحجر الطفلي والتي لا تتجاوز 2 متر.
ويؤكد رئيس الهيئة الهندسية في القوات المسلحة ،اللواء كامل وزيري ، أن المشروع سيتم إنجازه خلال سنة على الأكثر، ولكن تنمية محور قناة السويس تحتاج سنوات، وأكد أن دخل القناة سيتضاعف مرتين ونصف ليصبح حوالي 11 مليار دولار سنويًا.
وأضاف الوزير، أن قدرة القناة الجديدة ستكون كبيرة من حيث إستيعابها إلى السفن الكبيرة وذات الغاطس الذي يصل إلى أكثر من 30 متر، كما أنه سوف يتحقق التكامل من حيث إنشاء منطقة خدمية لوجستية لخدمة السفن سواء في الإسماعيلية أو في بورسعيد، وأوضح أنه سيتم إنشاء عدد 7 أنفاق تحت القناة، 5 لعبور السيارات و2 لعبور القطارات، من أجل تحقيق التكامل مع شبه جزيرة سيناء واستغلالها الإستغلال الأمثل .
ويكمل الوزير، أن الهيئة الهندسية استعانت بـ 42 شركة مقاولات مصرية، من أجل الاسراع في عملية الحفر، فهناك شركات سيكون نصيبها كيلو واحد من الحفر، وأخرى سيكون نصيبها نصف كيلو واحد، وقد قامت الهيئة الهندسية بتوفير الطاقة الكهربائية والسولار والبنزين.
وكشف عن أسماء أشهر الشركات التي تشارك فى الحفر وهي "مختار ابراهيم" ،وأوضح أن شركة "المقاولين العرب" لم تشترك في الحفر موضحًا أن جميع الشركات تعمل تحت رقابة الهيئة الهندسية إلى القوات المسلحة.
وأوضح مصدر عسكري برتبة ضابط رفض ذكر إسمه لدواعى نظام القوات المسلحة،أن حفر الأرض الترابية، يكلف الدولة 4 مليار دولار، فيما يكلف الحفر على الماء 12 مليار دولار.
وأوضح أن طول القناة سيبلغ 35 كيلومتر، تمتد إلى 72 كيلو متر بعمل تفريعات في البحيرات المرة، وأن جزيرة البلاح، ستكون عبارة عن جزيرة خدمية وليست سياحية كما يشاع، وأوضح أنها ستكون في خدمة السفن المارة في قناة السويس.