القاهرة - مصر اليوم
الفنانون نوعان، أحدهما مُبادر يسعى للتجديد باعتباره السبيل الوحيد للبقاء، أما الآخر فيرتكن على تكرار نجاحات سابقة خوفًا من المغامرة، وهذا النوع تحديدًا يمثّل الشريحة الأكبر من نجوم الأغنية العربية خلال العقدين الماضيين، فالواقع يقول إن كل قفزات التجريب والتجديد في الأغنية العربية الحديثة وُلدت على أيدي عدد ضئيل جدًا من النجوم، وربما بعض المبدعين الصاعدين، أما البقية فهم يمثلون القافلة التي تسير وراء الموضة .
هذه المقدمة كان لابد منها قبل الحديث عن ألبوم أصالة الجديد "في قربك" والذي سعت فيه أصالة للتجديد على استحياء وفي وقت متأخر جدًا من مشوارها الفني، ولكن المدهش أن هذا التجديد جاء وكأنه محاكاة للون وبصمة سميرة سعيد التي تبنت مبكرًا جدًا التعبير عن المرأة "المستقلة" في أغنياتها.
تلمس ذلك بوضوح من خلال ثلاث أغنيات في الألبوم هي "نكتة بايخة" التي كتبها عبد الحميد الحباك ، ولحنها إيهاب عبد الواحد ووزعها فهد، وكذلك أغنية "حالة كركبة" التي كتبها إسلام مصطفي، ولحنتها أميرة عامر وتوزيع الشقيقان أدهم وإلهامي دهيمه، بالإضافة إلى أغنية "حاجة متخصكش" التي كتبها ناصر الجيل ولحنها ووزعها آدم حسين.
ثلاث أغنيات اقترب فيهن أداء أصالة من أسلوب سميرة سعيد لدرجة أفقدت المستمع الاحساس ببصمتها كمطربة لها أسلوبها الخاص في الغناء، لا مانع أن تُعجب أصالة بهذه الأفكار وتغنيها وسط تيار الأصوات النسائية "المتمردة" على سطوة الرجل، ولكن لماذا لم تُضف صبغتها الفنية عليها ؟
الإجابة على هذا السؤال ستقودنا للحديث بالأساس عن مشروع أصالة الغنائي، والذي طُمست ملامحه مع مرور السنوات تحت وطأة التطور الموسيقي، أصالة التي قدمت نفسها منذ ربع قرن تقريبًا كصوت شرقي سيحيي الأغنية الطربية مرت بمنعطفات عديدة غيرت هذا المشروع حتى أصبحت مجرد رقم مهم في سوق الأغنية، تارة تغني بالخليجية، وتارة أخرى تغني باللهجة المصرية، ثم تتجه لتقديم البرامج قبل أن تقتحم عالم موسيقى الأندرجراوند مع فرقة وسط البلد، والأن تقدم دويتو شعبي مع مصطفى حجاج، صحيح أن هذا التنوع ساعدها على البقاء ولكنه عكس حالة تشتت فني واضحة، فهل تحتاج أصالة فعلا أن تغني مع مطرب شعبي صاعد بقوة لتخاطب جمهوره ؟ هل هي تحتاج بالأساس أن تتجه لجمهور الأغنية الشعبية ؟
نعود للحديث عن ألبوم "في قربك" والذي يتصدر عنوانه أغنية تنتمي لموسيقى "التروبيكال هاوس" في توزيع فهد، وان بدت الأغنية نسخة طبق الأصل من أغنية "قبل أي حد" التي غنتها إليسا في إعلان إحدى شركات الاتصالات .
كلمات محمد سرحان لم تخرج عن الإطار التقليدي لأغاني الغزل والهيام من حبيبة الى حبيبها، ولم يستخدم أي صورة شعرية جديدة أو حتى "إيفيه" مختلف، بل إن فكرة الحب في القرب والبعد التي تكررت في جملة "في قربك بحبك وفي بعدك بحبك" استُهلكت غنائيًا على مدار نصف قرن بداية من أم كلثوم عندما غنت " أهواك في قربك وفي بعدك وأشتاق لوصلك وأرضى جفاك"، مؤسف أن تجود قريحة شاعر في عام 2019 بجملة مستهلكة كهذه وسط مجتمع يطرح يوميًا عشرات التوصيفات والمصطلحات في العلاقات الاجتماعية والعاطفية !
انقل إلى أغنية "مبقاش سر" والتي أراها واحدة من أفضل أغنيات الألبوم ، الشاعر أمير طعيمة يقدم هذه المرة صورة شعرية واضحة في خطاب مفتوح بين شخص وقلبه الذي أتعبه من اختياراته المحبطة، وكم كان طعيمة موفقًا في تعبيره " دايما يشرب قهوته سادة .. و يرجع يشكى الطعم المر"، أما لحن أحمد زعيم فنقل حالة الكلمات بسلاسة وتوحد تام ، ورسخ فهد تلك الحالة بحرفية شديدة عندما اعتمد في توزيعه على التنقل بين قالبي "السوفت روك" كقالب رئيسي مُطعم بموسيقى " الدبستراب" .
قد يهمك ايضاً :