بيروت - غيث حمّور
اخترقت الدراما السورية في العقد الأخير الكثير من التابوهات المحرمة، فالثالوث المحرم "الدين، الجنس، السياسة" أصبح أحد المكونات الأساسية لبعض الأعمال الدرامية التي وسمت بالجريئة، واستقطبت هذه الأعمال نسب مشاهدة عالية ليس في
سورية فقط، بل على امتداد الوطن العربي.
وعلى الرغم من أن صفة المحرم ما زالت ملتصقة بالثالوث، لكنها لم تعد محرمة على أرض الواقع، فبعض الأعمال الدرامية منذ العام 2006 وحتى العام 2014، اخترقت هذه التابوهات بشكل كبير وواضح، ويمكن أن نذكر من هذه الأعمال ضمن السياق، ثلاثية الكاتبة يم مشهدي: وشاء الهوى 2006 (إخراج زهير قنوع)، يوم ممطر آخر 2008 وتخت شرقي 2010 (إخراج رشا شربتجي)، وثنائية الكاتب فادي قوشقجي: ليس سراباً 2008 (إخراج المثنى الصبح)، وأرواح عارية 2012 (إخراج الليث حجو)، وثلاثية السيناريست سامر رضوان (الولادة من الخاصرة) 2010-2013 للمخرجين رشا شربتجي وسيف سبيعي وقبلها في 2010 لعنة الطين لنفس الكاتب (إخراج أحمد ابراهيم أحمد)، وفي الموسم القادم 2014 قلم حمرة للكاتبة يم مشهدي (إخراج حاتم علي).
إن ما يقدمه بعض كتاب الدراما على الساحة السورية أمثال سامر رضوان ويم مشهدي وفادي فوشقجي، يندرج تحت بند الجرأة لدى معظم النقاد والمتابعين، وينطلق من الواقع المعاش، وملتصق كحبكة درامية بنبض الشارع، ويعتبره البعض فتحاً جديداً على مستوى الدراما في سورية والوطن العربي، فمناقشته للمشاكل الاجتماعية ولاسيما الجنسية والدينية منها، غالباً ما يأتي من رؤية معمقة بعيدة عن السطحية، ويقدم طروحات خاصة وجديدة تعالج بطريقة متزنة ومتأنية، ولكن يغفل الكثيرون عن رؤية ما وراء النص، فالطروحات النهضوية ذات البعد التحرري هي أهم ما يميز إنتاجات هؤلاء الكتاب، إضافة إلى السعي الدائم لتجاوز العادات والقيم البالية التي تحكمها قوانين المجتمع المتخلفة والرجعية، فضلاً عن حالة التعمق الكبيرة في المشاكل الاجتماعية وأزمات المجتمع المزمنة المفروضة علينا في الوقت الحالي، فالأمر يتعدى مفهوم الجرأة التي يتكلم عنها البعض، إلى مفهوم الواقع المعاش وطريقة عكسه على شكل قالب درامي محترم، ومقبول من قبل مختلف الأطياف والجهات بمختلف أعراقها وأديانها وإثنياتها وثقافاتها، وهو الأمر الذي كرس في بعض الأعمال في العقد الماضي، وإن كانت هذه الأعمال قليلة نسبياً، رغم أن جمع هذه الأسماء في خانة واحدة قد يراه البعض مجحفاً بحق أحدهما على حساب آخر، ولكن ما يقدموه من نصوص للدراما السورية ضمن سياق مشابه ولكن برؤى مختلفة يحتم استخدام هذا الجمع، والذي لا ينتقص مما يقدموه، لاسيما وأن الجمهور أصبح يصف هؤلاء الكتاب بالأفضل على مستوى الدراما الاجتماعية، والأمر يتعدى الجلسات العائلية إلى التعليقات على الإنترنت والمجاهرة بمشاهدة أعمالهم والاتفاق معهم في بعض الأفكار والطروحات وهو ما يعني أن ما يقدماه بدأ يأخذ طريقه إلى الجمهور ويؤدي المهمة التي كتب من أجلها.
أحد أهم التابوهات التي تخترقها هذه النصوص هو الجنس بمختلف أنواعه (العلاقات خارج إطار المؤسسة الزوجية، الخيانة الزوجية، ممارسة الدعارة، الشذوذ الجنسي، وغيرها)، وهذه الاختراقات أثارت حفيظة الكثير من النقاد والمشاهدين، ووصفها البعض بأنها تستفز مشاعر المشاهد، وتخدش حياءه، وذهب البعض الآخر لاعتبارها مسيئة إلى المعتقدات الدينية والأثنية، ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن ما يقدم مستمد من الواقع، وهو ليس إلا غيض من فيض، فالمجتمع السوري والعربي مليء بمثل هذه الحالات ولا تشكل هذه الحالات قلة قليلة، بل هي أحد مكونات المجتمع ومنتشرة بشكل واضح ومعلن وكبير، وبعيداً عن تقييم هذه الحالات والحكم على صحتها من عدمه، فتسليط الضوء عليها من قبل الدراما أمر جيد في المرتبة الأولى لأنه يدفع الكثيرين للتفكير فيما يقومون به، ويدفعهم للتصالح مع الذات ورؤية الأمر بشكل أوضح وأشمل، خاصة الجيل الشاب الذي يعاني في مجتمعاتنا من حالة الكبت على مختلف الأصعدة، وربما تكون هذه الأعمال المقدمة خطوة للمساهمة في تقويم دور الشباب ودفعهم للأفضل.
ما يقدم من نصوص على مستوى التابوهات الثلاثة في الدراما السورية لا يتعدى كونه خطوة أولى في طريق تقويم المجتمع ووضعه على المسار الصحيح، فالخطوات الأخرى طويلة وشاقة، تبدأ بالشكل الدرامي الذي يظهر به العمل فنياً وتقنياً وتمثيلياً، وتستمر في متابعة المسيرة التي بدأها هؤلاء الكتاب عبر نصوصهما منذ العام 2006، ولا تنتهي أبداً، فإحدى مهام الدراما هي التثقيف والدعوة للتفكير وإعادة الحسابات، وهي من المهام الأساسية التي بدأت تأخذ دورها بشكل فاعل في المجتمع.
إن الخوض في هذه المحرمات بشكل مستمر يكون في مصلحة المشاهد والمجتمع، ولكن يجب الإشارة إلى أن بعض التجارب ولاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت تتشابه بشكل كبير، وفقدت تفردها، وظهرت كمحاولة للإثارة فقط، وهذا ما يجب أن ينتبه إليه كتاب الدراما وخصوصاً الأسماء التي ذكرناها، فالخوض في غمار الثالوث المحرم يجب أن لا يتحول إلى مجرد عامل جذب للمشاهد، الذي أصبح واعياً لهذه القضية ويبحث عن المفيد، والأقرب للواقع، ويكبسة زر يمكن أن يحول قناته عن أي عمل.