دمشق – جورج الشامي
دمشق – جورج الشامي
انتهى المخرج السّوري محمد عبد العزيز قبل أيّام من تصوير فيلمه الجديد "الرّابعة بتوقيت الفردوس"، ليكون رصيده السّينمائي حتى الآن خمسة أفلام، وهي "نصف ملغ نيكوتين" الحائز على جائزة أفضل فيلم في مهرجان إيطاليا للفيلم المتوسطي، و"دمشق مع حبي"
الحائز على الجائزة الثانية في مهرجان أنابوليس الدولي في تونس وكذلك "المهاجران"، بالإضافة إلى فيلم غنائي طويل بعنوان "ليلى".
ورغم أن تفاصيل الفيلم الجديد لم تضّح بعد، ولكن أكثر ما أثار الاستهجان والتساؤلات، حتى قبل عرض الفيلم، صورة نشرت من كواليس الفيلم على الصفحة الرسمية على "فيس بوك" تحتوي أربع فتيات يحملن لافتات كتب عليها "من أجل الإنسان السوري بيكفي".
الاستهجان على الصورة جاء في الشكل والطريقة التي قدّمت به، وما قدّمته من فكرة وطرح، ففي الفيلم "أو على الأقل الصورة المنشورة منه" تحمل كل فتاة "مرتدية الأبيض" لافتة، وتدعو لموقف إنساني، في استنساخ صارخ لتجربة أربع فتيات سوريات لبسن فساتين بيضاء ونزلن إلى سوق الحمدية في دمشق، وحملن لافتات تحمل المعنى ذاته "لأجل الإنسان السوري، وقف العمليات العسكرية كلها"، ولكن الفرق الوحيد هنا هو أن الفتيات السوريات الأربع "لبنى زاعور وكندة زاعور وريما دالي ورؤى جعفر" في الواقع اعتقلن لدى الأمن، وتعرضت لاضطهاد، فكري ونفسي، وبقين في أبقية المخابرات السورية لفترات طويلة.
إطلاق لفظ استنساخ على المشهد قد يبدو للبعض غير مقبول أو مبالغ فيه، فمن الممكن أن تكون القضية محاكة سينمائية لواقع ما، ولكنه في واقع الأمر يعبر تماماً عن الحالة، فالفيلم السينمائي تنتجه مؤسسة السينما الحكومية، التابعة للنظام السوري، وهو نفسه "أي النظام" من اعتقل الفتيات الأربعة على القيام بالفعل ذاته الذي صوّره في فيلم ينتجه، في استغلال صارخ لوقفات المعارضة السلمية، التي كان يواجهها بالرصاص والاعتقال، وأحياناً أخرى بالقتل والتنكيل.
فلو كان المشهد موجوداً في فيلم تنتجه المعارضة في محاكاة لواقع حدث، فذلك أمر عادي، ولكن أن يقوم النظام السوري عبر مؤسسة السينما، باستغلال واستنساخ هذه الوقفة، يعد شكلاً من أشكال النفاق، ويبيّن حجم الرياء المستشري في مؤسساته، مهما كانت طريقة توظيف هذا المشهد، وحتى إن كان فيه إدانة ما لفرع أمني، أو مؤسسة مخابراتية، ففاقد الشيء لا يعطيه، وأن تقوم مؤسسة سينمائية حكومية "تشبيحية" تسوق للنظام السوري في كل مناسبة وحدث، وتنتج سابقاً أفلام تمجد النظام، الآن، فيلم فيه مشهد ما مستنسخ من تجارب المجتمع المدني الذي حاربها النظام نفسه، هو أمر مثير للسخرية، والاستغراب والتندر.
ولكن الأمر في الوقت ذاته ليس مفاجئاً أو غير متوقعاً، من مؤسسة تخدم مصالح حكومة دمشق، حيث اعتادت مختلف المؤسسات والجهات الثقافية الحكومية، بداية من التلفزيون السوري ووزارة الإعلام مروراً بمديرية المسارح ووزارة الثقافة، وليس انتهاءً بمؤسسة السينما، باستغلال أي حدث لخدمة مصالح الطغمة الحاكمة، وبتشويه الحقائق، وقلب المفاهيم لخدمة النظام ورئسه.