ضوء الهواتف الذكية مضر بالصحة

حَوّلَ الضوء الاصطناعي كيفية معيشة الجنس البشري خلال الـ100 عام الماضية أو نحو ذلك، وبين عام 1950 وعام 2000 ارتفع معدل الضوء في المملكة المتحدة إلى أربعة أضعاف، حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يعملون فترات ليلية، من المستحيل بالنسبة لهم تجنب وهج الليل باستخدام الضوء دون مصابيح الشوارع وأضواء السيارات وأجهزة التلفزيون والكمبيوتر والهواتف الذكية.

ولكن هناك قلق متزايد بشأن التعرض للضوء المستمر، عندما يحين الظلام توجد أضرار على صحتنا من خلال تعطيل إيقاع الساعة البيولوجية للجسم ودمجه مع الضوء، فالضوء الاصطناعي يؤثر على إنتاج الميلاتونين، وهو هرمون يفرزه الجسم من الغدة الصنوبرية في الدماغ، وهو يثير مشاعر النعاس عند دخول الظلام، وتبلغ تلك المستويات ذروتها بحلول الساعة الثانية صباحًا.

خلال النهار يحفز التعرض للشمس مسار العصب من شبكية العين المنطقة الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من العين، إلى منطقة في الدماغ تسمى منطقة ما تحت المهاد، وهي مركز التحكم في الساعة البيولوجية للجسم.

تساعد الإشارات الواردة الهرمونات في السيطرة على درجة حرارة الجسم وغيرها من المهام التي تلعب دورًا في جعلنا نشهر بالنعاس أو الاستيقاظ، ومجرد تلقي الإشارة من العين أن اليوم قد انتهى، يتوقف افراز الميلاتونين من الغدة الصنوبرية، عندما تغرب الشمس ويحل الظلام، فإنه يخاطب الغدة الصنوبرية بدأ الإفراج عن الهرمون مرة أخرى.

أثار النعاس تلعب دورًا حاسمًا في ضبط ضغط الدم ومستويات السكر، حيث أوضح الرئيس السابق لأبحاث النوم في جامعة لوبورو، البروفيسور "جيم هورن"، أن "الضوء الساطع عند النوم يقمع إنتاج المياتونين، لذلك من المحتمل تأخر النوم والساعة البيولوجية للجسم، ولكن بعض الناس أكثر حساسية له من الآخرين".

تكرار ذلك يزيد من خطر الإصابة بالأزمات القلبية بنسبة تصل إلى 50% والسكتات الدماغية بنسبة 15%.

يسبب تأخر النوم زيادة الوزن، فقد اكتشف العلماء في جامعة نورث ويسترن في شيكاغو أن التعرض لضوء أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية ليلًا قد يتسبب في زيادة الوزن، كما أن شحن الهاتف بالقرب من السرير يمكن أن يكون له تأثير، كما أن التعرض لمثل هذا الضوء يرفع مستويات الجوع التي قد تستمر لعدة ساعات حتى لو تناولت الوجبة في المساء.

قد يكون أحد الأسباب أن أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف النقالة تميل إلى اللون الأزرق، والذي يعمل على استيقاظ الدماغ، وعلى الرغم أننا عادة نرى الضوء أبيض ولكنه مكون من سبعة ألوان، البنفسجي والنيلي والأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر.

الأشعة التي تنتجها المصابيح العادية تحتوي على ضوء أزرق ولكن أقل تركيزًا من الموجد في الأجهزة الحديثة، ووجدت الدراسة أن التعرض للضوء الأزرق الصادر من الهواتف الذكية لمدة ثلاث ساعات يحفز الشهية بحلول المساء، ربما عن طريق خداع الساعة البيولوجية للجسم وتجديد مخازن الطاقة والغذاء، وذلك لأن الميلاتونين يساعد أيضًا في خفض مستويات هرمون جزيلين، وهو الهرمون الذي يزيد الشهية، في حين يحفز اللبتين، الهرمون المقلل للرغبة الشديدة في الطعام.

وأضاف هورن أن "هناك كمية صغيرة من الضوء الأزرق لا تؤثر على النوم أو الصحة، ولكن الدماغ هو الأكثر حساسية للضوء الأزرق من أي لون آخر، وهو يميل للتأثير على السعة البيولوجية للجسم أكثر من أي لون".

ومن غير المحتمل أن يسبب استخدام الأجهزة  في وقت متأخر من الليل أي أضرار، ولكن التعرض المتكرر يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان، حيث يتضمن تقرير صدر مؤخرًا من المجلة الأوروبية للوقاية من السرطان تحليل العلماء لـ16 دراسة على التعرض للضوء ليلًا.

وأضاف باحثون من جامعة صينية أن التعرض للضوء المتكرر تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي لدى النساء بنسبة 17%، ولكن فقط الضوء الاصطناعي العالي مثل الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر المحمول له هذا التأثر، أما الإضاءة المحيطة مثل مصباح السرير لا تظهر زيادة كبيرة في المخاطر.

وفقا لدراسة حيوانية، فإن الضوء يجعل الأطفال أكثر قلقا، وهناك دراسة أخرى في مجلة علم وظائف الأعضاء والسلوك وجدت أن فئران الأطفال المعرضين للضوء تظهر عليهم علامات الإجهاد والقلق في النوم، والذي يرفع مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.

دراسة أخرى، نشرت الشهر الماضي، تلفت إلى أن الأطفال أكثر عرضة لقمع هرمون الميلانونين في الضوء أكثر من البالغين، ووجد العلماء في جامعة كيشو في اليابان أن 465 من الكبار الذين يتعرضون للضوء ليلًا لفترات طويلة ينقص عندهم إنتاج هرمون الميلاتونين بينما كانت نسبة الأطفال 88%.

وأثبتت أن التعرض لضوء الهواتف الذكية يسبب الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، فالضوء الاصطناعي خاصة لدى كبار السن وهم أكثر عرضة لتطور مرض السكري إذا جلسوا تحت الأضواء الساطعة لمدة تزيد عن أربع ساعات قبل الذهاب إلى الفراش.

وبدأ العلماء اليابانيون بتطبيق ذلك على 513 شخص في سن السبعين، ووجدوا أن كلما كانت المصابيح أكثر إشراقًا انخفض مستوى الميلاتونين، وعند فحص معدلات السكري من النوع الثاني وجدوا أن أولئك الذين يتعرضون للضوء الساطع في المساء أكثر عرضة بنسبة 50% لتطور هذا المرض، وقد يكو هذا لأن الساعة البيولوجية لها قدرة في السيطرة على مستويات السكر في الدم.

حل واحد قد يخفف ذلك وهو التحول للمصابيح الحمراء، حيث أكد البروفيسور هورن أن "الساعة البيولوجية للجسم ليست حساسة جدًا للضوء الأحمر، حتى لو كنت ترغب في تجنب الآثار الضارة للضوء ليلًا، فهذا يعد خيار".

تلك الأضواء قد تسبب لك الكآبة، فالمقصود من النوم ليلا هو الراحة لأكتساب طاقة، ولكن التعرض للضوء له تأثير عكسي على الصحة النفسية وكذلك الجسدية، وجدت الدراسات التي أجريت مؤخرا في جامعة ولاية أوهايو أن إناث الفئران المتعرضات للضوء ينخفض مزاجهن ويشعرن بالاكتئاب.

يسبب التعرض للضوء النعاس في النهار، خاصة الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، حيث يخلف الشعور بالنعاس في اليوم التالي، حتى لو حصلت على قسط جيد من النوم.

هذا الاستنتاج من دراسة أجريت مؤخرًا في جامعة تسوكوبا في اليابان، حيث تعرض تسعة رجال للضوء الأزرق قبل النوم بساعتين، وعلى الرغم من نومهم لفترات طويلة، إلا أن الباحثون وجدوا ارتفاع مستويات النعاس عندهم في النهار نتيجة التعرض للضوء الأزرق، بالإضافة إلى بطئ عملية الأيض، مما يدل على أن التعرض للضوء ليلًا يعطل قدرة الجسم لبدء مهامه في الصباح، ويمكن ربط هذا بخفض مستويات الميلاتونين في الليل.