القاهرة - محمد التوني
أكد عضو المجلس الرئاسي الاستشاري لكبار العلماء، رائد زراعة الكلى في مصر والعالم، الدكتور محمد غنيم، أن هناك مستشفيات كبرى تتم داخلها عمليات بيع الأعضاء في الوقت الذي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها لقوة نفوذ الأشخاص، مرددًا "بتم على ودنه و٢٤ قيراطًا".
وطالب غنيم، في حوار خاص لصحيفة "المصري اليوم"، باعتبار الموت الإكلينيكي "موتًا رسميًا"، حتى يمكن الاستفادة من الأعضاء قبل تلفها، محذرًا من استمرار تراجع الخدمات الصحية في مصر، قائلًا: "إن هذا يمثل خطورة على حياة المواطنين، وإن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى تدني التعليم الطبي والتدريب للخريجين، وتبعية المؤسسات العلاجية إلى هيئات متعددة وضعف الإمكانات".
ووصف غنيم، قانون الجامعات الحالي بأنه فاسد ومفسد، ويجب نسفه فورًا حفاظًا على مستقبل الطلاب ومهنة الطب، مؤكدًا أن الصحة العامة للمصريين أقل من المتوسط بسبب تدني دخولهم والازدحام الشديد في السكن والشارع.
ولا ينسى غنيم، الذي يحسب له تأسيس مركز الكلى في المنصورة- الذي اكتسب ثقة عالمية جراء نتائجه الناجحة، الفضل للشعب الهولندي الذي كان سببًا في دعم المستشفى بجميع الأجهزة والتصميمات في بداية الثمانينيات، حيث أكد أن المركز أصبح يعاني حاليًا من ندرة الإمكانات المادية بعد ارتفاع الأسعار، وناشد الدولة زيادة دعمها حفاظًا على الصرح العملاق الذي يقدم خدماته الصحية بالمجان، وأن القائمين على المركز يرفضون عمل إعلانات للتبرعات.
وبشأن تقييم المنظومة الصحية في مصر، قال غنيم: "لست راضيًا عن المنظومة الصحية فهي متدنية بسبب تراجع الأسس التي يمكن أن تشكل خدمة صحية جيدة وتتمثل أولًا في العناصر البشرية من أطباء وهيئة تمريض وفنيين، فهناك حالة عامة من التراجع في مستوى ومهارات مزاولي الخدمة الطبية، ويعود ذلك إلى تدني التعليم الطبي وتباين مستوى الخريجين من جامعات حكومية أو خاصة، وكذلك عدم وجود اختبارات وتراجع في مستوى التدريب بعد التخرج، سواء في فترة عام الامتياز أو مرحلة أداء نيابات التخصص.
وأضاف غنيم أنه من الحلول المطروحة إجراء امتحان موحد لخريجي كليات الطب وإعادة ترتيبهم توطئة لتوزيعهم على المراكز الطبية المختلفة، ثانيًا المؤسسات التي تقدم الخدمة العلاجية تتبع هيئات متعددة لها إدارات مختلفة ومفاهيم متباينة، فهناك مستشفيات وزارة الصحة والجامعة والقوات المسلحة والشرطة والتأمين الصحي، فضلًا عن المستشفيات التابعة للنقابات مثل الزراعيين والمعلمين والبترول والكهرباء.. إلخ، الأمر الذي لا يسمح بالتخطيط الجيد وتوحيد مستويات الخدمة المقدمة للمواطن، ثالثًا الإنفاق على الصحة ما زال محدودًا ما يؤثر في الأخير على مستوى الخدمة المقدمة، وقد نص دستور 2014 على تخصيص 3% من الناتج الإجمالي القومي للصحة، الأمر الذي ننتظر أن يأخذ حيز التنفيذ وأخيرًا عدم تفرغ العاملين في تقديم الخدمة الطبية، وخصوصًا الأطباء البشريين.
وتابع غنيم، أنه تمت دراسة مستفيضة لإعادة تنظيم المنظومة الصحية في مصر، أعدها عددًا من كبار الأطباء وممثل لنقابة الأطباء و"التمريض"، لكن المهم أن يبدأ أصحاب القرار في التنفيذ، وبشأن الحالة الصحية العامة للمصريين، أشارإلى أن الحالة الصحية للسواد الأعظم من المصريين أقل من المتوسط، ومستوى الصحة في أي بلد يعتمد في الأساس على الناتج الإجمالي، وبالتالي على دخول الأفراد، فكلما ارتفع دخل الفرد انعكس ذلك على صحته بالإيجاب بشكل عام، حيث يستطيع تناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة والحصول على مسكن صحي، كما أن التعليم والثقافة العامة توضحان لصاحبها كيفية رعاية نفسه وأسرته ووقايتهم من الأمراض المعدية.
أما الحالة العامة في مصر فلفت غنيم، إلى أنها خلاف ذلك، فالدخل المحدود يجبر صاحبه على شراء العناصر الغذائية الرخيصة مثل السكريات والنشويات، ولا يُمكنه من تناول العناصر الغذائية المهمة والمفيدة مثل البروتينات والألبان والفواكه، كما أن هناك التلوث البيئي نتيجة للمساكن المتلاصقة والمزدحمة وتراكم المخلفات في الشوارع، بالإضافة إلى استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة بكثرة، وهي مواد كيماوية لها أضرارها المؤكدة، كما تتأثر الصحة النفسية للمصريين نتيجة للازدحام الخانق في وسائل المواصلات والتلوث السمعي في الشارع، فضلًا عن انعدام الرقابة على الوجبات السريعة المتوافرة في كل زاوية، حيث يتم إعدادها من مواد منتهية الصلاحية وأسوأ أنواع اللحوم، كما أنها تحتوي على جزء كبير من الزيوت والشحوم الضارة، هذه العوامل مجتمعة تؤثر بالسلب على صحة المصريين.
وفيما يتعلق بإمكانية أن تصبح زيادة التعداد عاملًا إيجابيًا وليس سلبيًا، أوضح غنيم، أنه "في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها اقتصاد البلاد أرى أن الانفجار السكاني يمثل حجرًا في طريق التقدم فهو عبء على عوائد التنمية حاليًا، مثال لذلك فإن كان نتيجة الناتج القومي 5% في عام ما وفي نفس العام كان معدل الزيادة السكانية 2% لذلك، تكون الزيادة الحقيقية في الناتج 3% فقط، ولا بد من أن تسعى الدولة بكل جهد للسيطرة على زيادة التعداد السكاني حتى لا تعرقل التنمية، وأقترح إنشاء هيئة أو وزارة خاصة بهذا الأمر، بحيث تأخذ على عاتقها مهمة تحجيم الزيادة السكانية، وهناك أدوات يمكن أن تستخدمها، ولنا تجارب سابقة لهذا الموضوع مثل التوعية والتثقيف واعتماد طفلين كحد أقصى لدعم الدولة ومساعدتهما، وما يزيد على ذلك لا يُدعم، وبالطبع فإن الإعلام يمكن أن يقوم بدور كبير في هذا الإطار، وانظر إلى كثير من دول العالم التي فرضت قيودًا صارمة للحد من زيادة السكان لديها مثل الصين، والهند التي ألزمت الرجال بالتعقيم عن طريق ربط الحبل المنوي وهو أمر غير ممكن لدينا لأنه يتناقض مع ثقافتنا، وإيران التي وضعت شروطًا قاسية منها الحرمان من أي ميزات تقدمها الدولة لأي طفل بعد الثاني، وأنا شخصيًا أقترح رفع الدعم عن أكثر من طفلين حتى يمكن الحد من تلك المعضلة التي تواجهنا بشراسة".