دبي ـ علاء عبدالغني
سيظل الفتى المعاق عبد الله التاجر نموذجًا لبطلٍ قهر واقعه، وتلاءم مع ظروفه، وخلق منها جسرًا يعبر منه إلى منصّات التتويج المحلي والعالمي في السباحة محققًا المركز الأول ضمن بطولاتٍ محليةٍ وعالميةٍ عدّة، وذلك بعد زمنٍ قياسيٍّ من تعلّمه لهذه الرياضة، متأثرًا بمشاهدة
أبطال السباحة عبر شاشة التلفاز، ما دفعه إلى التجديف نحو هدفه بدايةً من حوضٍ مائيٍّ متواضعٍ في منزل أسرته، ليتطور الأمر سريعًا خلال أيامٍ قليلةٍ بالالتحاق بنادي الثقة للمعاقين، حيث تعلّم فيه قواعد السباحة بصورةٍ أشمل، استطاع بفضلها أن يتوج بطلاً في بعض المحافل الرياضية داخل الدولة وخارجها.
ولم يكن عبد الله في طفولته مختلفًا عن أقرانه في أيّ شيء، ما دفع بوالدته إلى تسجيله في الروضة أسوةً بسائر الأطفال في عمره، لكن بعد مضي عامٍ واحدٍ فقط، أدركت أن ولدها يعاني من تأخرٍ في النطق، فتوجهت به إلى مركز دبي للرعاية الخاصة للتحقق من الأمر، فأثبتت نتائج الفحص والاختبار أن طفلها يعاني من إعاقةٍ ذهنية.
وحَصَد عبد الله مراكز وبطولات متقدمة على الصعيدين المحلي والعالمي، أبرزها مشاركاته في بطولة الألعاب الإقليمية السابعة للأولمبياد الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي أقيمت في العاصمة أبوظبي، وحقق فوزًا يضاف إلى رصيد الذهبيات لديه، رغم حالة الشرود الذهني التي يعاني منها في بداية كل سباق، إذ كان يتأخر عن موعد القفز أثناء السباقات، نتيجة انشغاله بمشاهدة الجماهير، لكن ذلك لم يُثنه عن تحقيق الفوز في معظم مشاركاته، فقد شارك في بطولة الصين، وحصل على المركز الأول في جميع المستويات، وكان يخشى الخسارة، إذ نافس في سباق 50 مترًا، ما أهله لخوض سباق المستوى الأعلى 100 متر، لذلك حرصت والدته على السفر والحضور شخصيًا لمساندته، وقالت له: "لا ترتبك.. انظر إلى الفوز أمامك"، فكان يتمتم بصوتٍ خافتٍ: "ميدالية.. ميدالية.. ميدالية"، وعند بدء السباق سبقه منافسه في القفز، لكنه حقق النصر بالمركز الأول، محرزاً الفوز الذي أهداه إلى دولته الإمارات ولوالدته.
إن انتصار عبد الله التاجر على إعاقته الذهنية، وفوزه بالميداليات الذهبية التي يخبئها تحت وسادته لشدة تعلقه بها، يثبت أن وراء كل رجلٍ عظيمٍ امرأةً عظيمةً، ووراء الطفل البطل عبد الله أمه التي آمنت به، فرفض أن يعود من أي سباق يخوضه إلا ومعه ميداليةٌ ذهبيةٌ يهديها إليها.
وجديرٌ بالذكر أن العمى هو عمى البصيرة لا البصر، كذلك الإعاقة ليست مشكلةً ذهنيةً أو جسدية، بل هي عجز الروح عن الصعود على سلالم المثابرة، وقعودها خلف قضبان الأفق المحدود والاستسلام للواقع من دون أدنى محاولةٍ لتغييره.