القاهرة - محمد الدوي
عقدَّت الجامعة الأميركية في القاهرة، الأربعاء، مؤتمرًا صحافيًا لباحثي الجامعة الذين كشفوا النقاب عن بحث يهدف إلى الوصول إلى عقاقير كيميائية شخصية موجهة، توصف حسب حالة الشخص المصاب، والتي من شأنها تقليل الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي،
حيث يؤمن فريق العمل أن التقنية الجديدة تحمل الأمل لعلاج السرطان حيث أن العقاقير الموجهة لمرضى السرطان يتم وصفها حسب حالة الشخص المصاب، وذلك يعطي العلاج المزيد من الفاعلية.
ومن جانبها تقول رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة الدكتورة ليسا أندرسون "إن الجامعة الأميركية في القاهرة ملتزمة التزاماً عميقاً لدعم الاكتشاف العلمي الذي لديه تأثير حقيقي، وكبير على مجتمعنا في مصر، والمجتمع الدولي بأسره على حد سواء.
وتضيف "نرى العلماء في مختبراتنا وهم يعالجون بعض المشاكل الملحة بشكل مباشر مثل تشخيص مرض الالتهاب الكبدي الوبائي سي وتطوير مصادر الطاقة النظيفة واكتشاف الانزيمات الموجودة في أعماق البحر الأحمر. واليوم يقوم فريق بحثي بقيادة الدكتور تامر شعيب بخلق علاج فعال وموجه لأحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم وهو السرطان. نحن واثقون أن بحثه سيساهم في الكفاح العالمي ضد هذا المرض."
جدير بالذكر أن العلاج بالعقاقير الكيمائية التي تُعطى غالباً كجزء من علاج مرض السرطان لكبح جماح المرض والقضاء على الورم السرطاني أو لمنع الورم السرطاني من التضخم بالإضافة إلى توفير بعض الراحة للمريض، يكون في معظم الأحيان مصحوباً ببعض الأعراض الجانبية المدمرة بالإضافة إلى تكلفته العالية، وتكون جرعات الكيميائي واحدة ومحددة سلفاً لكل مرضى السرطان، وذلك على الرغم من اختلاف نوعية المرض من شخص إلى آخر، ويكون معيار الجرعة تبعاً لنوعية السرطان. ويدخل في الحسبان دائماً عند إعطاء جرعة العلاج الكيمائي حجم الجسم ووظائف الكلى، ومع ذلك يتم إغفال جزئية أخرى لا تقل أهمية ألا وهي كيفية تفاعل العقار الكيمائي مع مرضى بعينهم وخاصة فيما يتعلق بخلايا الجسم الصحيحة منها والمريضة. ولهذا فإن المعالجة بالعقاقير الجديدة الموجهة التي تُعطى بحسب حالة المريض قد تكون هي البديل الناجح، فالطريقة الجديدة قد تزيد من فاعلية الدواء وتعمل على تقليل الأعراض الجانبية وتخفض من تكلفة العلاج.
كما يقول الأستاذ المساعد ورئيس الفريق البحثي ورئيس قسم الكيمياء في الجامعة الدكتور تامر شعيب والذي يعكف حالياً على إجراء أبحاث تهدف إلى تصنيع عقاقير موجهة لعلاج مرضى السرطان تتسم بمزيد من الفاعلية وتكون الجرعة مركبة تبعاً لحالة كل مريض على حدة: "يتلقى 65 بالمائة من مرضى السرطان العلاج الكيمائي، ويتلقى 40 بالمائة منهم الجرعة الخاطئة لأن العقاقير تكون مركبة على أساس واحد لكل مرضى السرطان، ولا تكون مركبة بصورة معينة تبعاً لحالة كل مريض. وبالرغم أن نمط العلاج الكيمائي الحالي يراعي حجم الجسم ووظائف الكلى الخاصة بالمريض، إلا أنه غير مأخوذ في الحسبان كيفية تفاعل كل مريض على حدة مع العقار الكيمائي الموصوف وذلك لأنه ببساطة غير موجه وغير موصوف على حسب حالة المريض الذي يتلقى العلاج. ونستطيع القول في النهاية أن نتيجة العلاج بالعقاقير الكيمائية الحالية غير مضمونة، والآثار الجانبية لا يمكن التكهن بها، وهناك اختلاف كبير في استجابة المرضى للعلاج."
يوضح شعيب: "اختلاف استجابة مرضى السرطان- كلٌ حسب حالته- تعتمد في المقام الأول على كيفية تفاعل العقار الكيمائي مع خلايا السرطان والخلايا السليمة في جسم المريض. وتعمل العقاقير الكيمائية على استهداف خلايا السرطان في الجسم واستهداف الحمض النووي داخل النواة الخاصة بتلك الخلايا. وهذا هو الغرض الدوائي المستهدف بالتحديد."
و يضيف " لكن لأسباب عديدة قد لا يحقق العلاج الكيمائي الغرض المرجو منه وتكون تكلفته عالية وتصاحبه الكثير من الأعراض الجانبية. يقول شعيب: "لا تستهدف معظم العقاقير الكيمائية الموجودة الخلايا المصابة تحديداً، فأين تذهب بالضبط؟ وما مدى سرعة استهدافها للخلايا المصابة؟ يعمل البحث الذي نقوم به على تفصيل وتركيب الجرعة الكيمائية بحسب احتياج المريض وحسب الحالة الصحية له وصولاً إلى تحديد عما إذا كانت هناك عوامل خطر جينية تساعدنا في فهم آلية عمل الدواء في الجسم وكيفية تفاعله مع الجزء المصاب. وإذا تمكنا من تحديد تلك العوامل مسبقاً، يمكننا حينئذ التكهن بالنتائج ومعالجة المريض على نحو أفضل وذلك لأن نصيحة الطبيب للمريض في هذه الحالة تكون في الصميم، ونستهدف من وراء ذلك التخفيف من الآثار الجانبية المصاحبة للعلاج الكيمائي. ويمكننا أيضاً باستخدام ذلك الأسلوب العلاجي الجديد التقليل من التكلفة العالية للعلاج بالعقاقير الكيمائية لأن مزيد من المرضى في هذه الحالة لن يأخذوا إلا الجرعة المناسبة الموصوفة لهم."
بدأ العلاج بالعقاقير الموجهة المقننة حسب حالة المريض في احتلال مكانة مهمة في مجال الرعاية الصحية في مختلف أرجاء العالم، وبدأ الخبراء في وصفها على أنها "المستقبل في مجال الرعاية الصحية". والعقاقير الموجهة المقننة لا تقتصر على علاج السرطان فحسب، بل يمتد البحث ليشمل أثر هذه العقاقير في علاج بعض الأمراض المزمنة الأخرى مثل مرض السكر، والزهايمر، وأمراض القلب.
وهذا الاتجاه يعتمد في الأساس على اختبار كيفية عمل الخلايا الجينية والجزئية في جسم الشخص المصاب، بالإضافة إلى اختبار البنية الجزئية للمرض ذاته، وذلك من أجل تكوين صورة كاملة تتعلق بالمخاطر المحتملة من جراء تطبيق بروتوكول علاجي بعينه وتحديد العلاج المناسب الذي يتماشى مع كيفية عمل جسم المريض، مع الأخذ في الحسبان التاريخ المرضي لعائلة المريض، واختلاف العوامل الوراثية بالإضافة إلى اختلاف العوامل البيئية من مريض لآخر. والاتجاه الحالي لتصنيع وتركيب عقاقير موجهة تكون مناسبة لحالة كل مريض بعينه يساعد بالتأكيد في إحداث طفرة في عالم العقاقير الطبية وظهور أنواع جديدة منها وتكون الجرعة الموصوفة منها مقننة بحسب حالة المريض، ويساعد أيضاً في تحديد الأشخاص المعرضين للإصابة بمرض معين قبل ظهور أعراض المرض ذاته.
وللترويج للعقاقير الموجهة لعلاج السرطان، يعتبر شعيب أحد أعضاء فريق العمل الذي استكشف كيفية تفاعل العقار الكيمائي، الشائع استخدامه، مع جسم المريض.
ويبين شعيب: "استطعنا ولأول مرة تحديد آلية عمل العقار داخل جسم المريض والتي كانت غير معروفة من قبل وكانت تعوق فاعلية دواء Oxaliplatin، وهو أحد العقاقير المعروفة المتداولة في مختلف دول العالم، عن معالجة الجزء المصاب من جسم المريض. وقد وجدنا أن العقار الذي يستخدمه ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم يتفاعل مع أحد الجزيئات الذي يُسمى الكارنوزين، وهو موجود بصورة طبيعية في جميع خلايا جسم الإنسان، ولكن يتواجد بصورة أكثر كثافة في خلايا العضلات وخلايا الجمجمة. وهذا التفاعل يقلل من فاعلية الدواء عن طريق منع وصوله إلى قلب خلية السرطان التي يوجد بها الحمض النووي."
لا يقلل هذا التفاعل من فاعلية Oxaliplatin فحسب، بل يسبب أيضاً الكثير من الأعراض الجانبية بسبب منع الكارنوزين العقار من الوصول إلى خلية السرطان بالجسم، ومن ثم يصل العقار إلى جزء آخر من الجسم ويؤثر عليه بالسلب.
ويقول شعيب: "عندما يكون العقار عائقاً عن الوصول إلى الخلية السرطانية بالجسم، تدخل كمية أقل من العقار إلى الخلية السرطانية، وتكون فاعلية العقار ضعيفة في تلك الحالة، بالإضافة إلى ظهور المزيد من الأعراض الجانبية لأن جزيئات الجسم الأخرى التي يصل إليها العقار ليست هي المقصودة بالعلاج. ونهدف إلى إزاحة ذلك العائق المتمثل في الكارنوزين، أو التغيير بعض الشيء في جزئيات الدواء بحيث لا يمكن للكارنوزين التعرف عليه. وبعبارة أخرى نعمل على التحايل على الكارنوزين وخداعه بحيث نعوقه عن منع الدواء من الوصول إلى قلب الخلية المصابة بالسرطان، والحفاظ في نفس الوقت على شكل الآلية التي يتم بها العلاج بحيث يصل العقار إلى الجينات الوراثية في الخلية بصورة مباشرة. وهذا في حد ذاته أمر صعب، فنحن نريد أن نغير بعض الشيء في خصائص العقار، ونريد في نفس الوقت أن يكون هذا التغيير طفيفاً ليتمكن العقار من الوصول إلى الخلية المصابة بالتحديد وعلاجها. وهذا بالتأكيد يقودنا إلى الوصول إلى إدخال التعديلات الملائمة للوصول إلى تصنيع العقار المناسب."
وقد نشرت مجلة "Metallomics"، التي تصدر عن الجمعية الملكية للكيمياء، على غلاف عددها الصادر في نوفمبر 2013 كافة النتائج التي توصل إليها فريق البحث. وقد كتب البحث اثنان من طلاب الدراسات العليا الذين تتلمذوا على يد شعيب، وقد تخصص أحدهم في علم الكيمياء والآخر في الأحياء، وقد أُجريَ بالبحث بالتعاون مع فريق من جامعة "Loughborough" في المملكة المتحدة.
إن تحديد كيفية تفاعل العقار مع العوامل الأخرى في الجسم البشري كان بالنسبة لشعيب وفريق البحث المصاحب له جزءً صغيراً من الجدل السائد حول العلاج الموجه المقنن لعلاج حالة شخص بعينه. فعندما يتغلغل العقار داخل نواة الخلية السرطانية، فإنه توجد عدة طرق يستطيع العقار بها الوصول إلى الحمض النووي للخلية، وهذا من شأنه إحداث استجابات مختلفة. ويوضح شعيب: "عندما يصل عقار "Oxaliplatin" إلى الحمض النووي للخلية، تختلف النتائج من شخص لآخر ولا يمكن حساب النتائج بصورة أكيدة. فالدواء لا يلتصق بالخلية ويبقى هناك إلى ما لا نهاية، فهو يلتصق بعض الوقت ثم يذهب، وتتكرر هذه العملية على مدى فترة زمنية معينة. فمعدل ابتعاد الدواء عن الحمض النووي للخلية، والذي يٌعرف أيضاً بأنه قدرة الحمض النووي على الإصلاح الذاتي، يختلف من مريض لآخر."
استطاع شعيب وفريقه البحثي للمرة الأولى من تعيين بعض الطرق السريعة والمختارة الخاصة بتحديد كيفية وصول عقار Oxaliplatin إلى الحمض النووي للخلية السرطانية، وقد ورد ذلك في البحث الذي أصدرته مجلة Metallomics عام 2011 والذي تصدر غلاف المجلة في هذا الوقت. ويهدف فريق البحث الذي يرأسه شعيب إلى فهم الكيفية التي يصل بها العقار إلى الخلية المصابة وسبب هذه الكيفية، وماهية الطريقة المثلى لوصول العقار والتي تضمن أفضل انتفاع بالخصائص العلاجية للعقار.
ويقول شعيب: "إذا نجحنا في الوصول إلى هذه المعلومات بالتحديد، نستطيع بذلك ابتكار نوعية أفضل من العقاقير أو إدخال بعض التعديلات على تركيبات العقاقير المتداولة حالياً لجعلها أكثر فاعلية في معالجة المرض."
ويذكر شعيب: "ما زالت تلك العملية في مهدها، لكن الهدف الأساسي من تلك العملية هو محاولة اكتشاف كيفية اختلاف استجابة المرضى لعقار معين وتحديد نوعية المرضى التي تستجيب بصورة أفضل للعقار ومعرفة سبب استجابتهم بصورة أفضل من مرضى آخرين. وذلك يساعدنا بالتأكيد في تصنيع أدوية أخرى تكفل لهؤلاء المرضى الآخرين الحصول على نفس النتائج."
يعمل شعيب حالياً على بحث كيفية تفاعل عقار Oxaliplatin مع الكارنوزين، وخاصة المضاعفات التي تحدث عندما يعوق الكارنوزين امتصاص العقار. ويوضح شعيب: "عندما يعوق الكارنوزين امتصاص العقار، تحدث بعض المضاعفات وفي هذه الحالة إما أن تُمتص تلك المجموعات في الجسم أو تتكسر إلى أجزاء صغيرة. وفي المعمل نقوم بتكسير تلك المجموعات وتحديد أصغر الأجزاء لتقليد الآلية التي تحدث في الجسم بالضبط."
كما يعمل شعيب أيضاً في بحث آخر يتعلق بتحديد جزئيات أخرى قد تتفاعل مع عقار Oxaliplatin وتعوق امتصاصه وتمنعه من الوصول إلى الحامض النووي الخاص بالخلية السرطانية. وقد يؤدي هذا البحث إلى نتائج أفضل فيما يتعلق بتصنيع العقار بالإضافة إلى علاج مرضى السرطان على نحو أفضل. ويؤدي تطبيق هذه النتائج حال التوصل إليها إلى تخفيض التكلفة الكلية لبروتوكول العلاج لأن المريض في هذه الحالة- أي حال استخدام نوعية من العقاقير الموجهة - يحتاج إلى جرعات أقل ليستكمل علاجه.
ويختتم شعيب: "يجب على الطبيب الذي يلجأ إليه مريض السرطان لعلاجه أن يبحث أولاً عما إذا كان جسم هذا المريض يحمل الكثير من تلك الجزيئات أم لا؛ وإذا اكتشف الطبيب أن هناك الكثير من تلك الجزيئات في خلايا مريض ما، عليه في هذه الحالة اللجوء إلى استخدام عقار آخر يلائم حالة هذا المريض بالذات ليكون العلاج أكثر فاعلية."
يأمل شعيب أن تحقق العقاقير الموجهة الجديدة التي تُصنع لتلائم حالة بعينها الكثير من الفاعلية في علاج مرضى السرطان. وأكد شعيب: "المشوار ما زال طويلاً أمامنا، إلا أن التقدم الذي نحرزه يعتبر مبشراً للغاية. فالاتجاه الجديد الخاص باستخدام العقاقير الموجهة بحيث تكون ملائمة لحالة مريض بعينه تعتبر من الطرق الواعدة في العلاج والتي من شأنها تغيير كافة المفاهيم السائدة بخصوص علاج بعض الأمراض المزمنة مثل السرطان وإحداث ثورة هائلة في طريقة علاج هذه الأمراض.