"إيثاكا" اليونانية جزيرة نقية هادئة تعيش فيها بسلام ضمن طبيعتها الخلابة

لقد وقعت في حب جزيرة "إيثاكا"  قبل 48 عامًا من زيارتها. في السنة الأخيرة من دراستي الإعدادية التي حاولت أن تدمر حياتي، اجبرت على دراسة اللغتين اللاتينية واليونانية وحتى يومنا هذا استطيع قراءة كل حروف الجر. أمر مقلق جدا أنه حتى يومنا هذا لا يزال يمكنني أن أقرأ كل حروف الجر . لقد كرهت تلك الدروس - ولكن كان هناك عزاء واحد لي. بدأت قراءة الأساطير اليونانية المترجمة ، وفي عمر ال  13 قرأت "الأوديسة" التي لا تزال واحدة من أعظم القصص التي تجمع كل شيء عن أكلة اللوتس و تحول البحارة إلى الخنازير والمغامرة والسعي، والتأكيدا على الحياة - وهذا كله ينتهي في إيثاكا حيث يعود أوديسيوس في النهاية الى منزله.

 لقد احببت الجزء الذي قتل فيه جميع "الخاطبين"، الذين كانوا يحاولون الزواج من زوجته بينيلوب. كما أن الجزء الرائع الذي لا يمكن أن يُنسى هو عندما حمل مجداف الى التلال "تلك الأرض التي لا تعرف شيئا عن البحر" وكانت هذه نهاية رمزية من أسفاره ، نهاية المغامرة حيث عثر علي السلام.

 على مدى عقود، كانت إيثاكا تهمس لي بنفس الرسالة ، حتى اسمها شعري ووثيق بكلمة "أسطورية". كنت أريد دائما أن أذهب إلى هناك، وهذا الصيف فعلتها أخيرا، على الرغم من أنني كنت قلقا من أن اصيب  بخيبة أمل. لقد دمر معظم ما في الجزيرة من مبانٍ في الزلزال الذي وقع عام 1953 .

 غادرت مطار جاتويك بواسطة طائرة نفاثة مباشرة إلى "كيفالونيا" المجاورة. وواحدة من مزايا جزر البحر الأيوني، وهي أنها تبعد عن لندن أقل من ثلاث ساعات سفر. لقد استغرقت 40 دقيقة بالسيارة لكي اصل الى مدينة "سامي" التي تتمير بالهدوء وفيها مطاعم ومحلات سياحية تقليدية تطل على البحر. من هناك ركبت معدِّية "قاربا" لمدة 20 دقيقة.
 
وتبعد إيثاكا  18 ميلا من الشاطئ، وعلى الرغم من أن الاوديسة قدمتها على ان فيها كهفا وربيعا وانقاض القلعة الا أنني لم اجد شيئا منها.لا توجد أي شواطئ  لائقة. إذا كنت ستأتي إلى هنا، ستأتي الى الجزيرة نفسها. وكان انطباعي الأول أنها أكثر جمالا من أي مكان  ذهبت اليه. في اليونان تمطر كثيرا في فصل الشتاء، مما يجعل ارضها خصبة وخضرة بقية العام، وفيها أشجار التي لا يمكن أن تنمو في أي مكان آخر.
 الجزيرة نظيفة، لا يوجد فيها أي علامة على الأهوال الثلاثة التي ابتليت بها اليونان: القمامة والمنازل التي شيد نصفها والكتابة على الجدران. انها جزيرة نقية وفيها سلام ونوع من الديمومة. لقد شعرت نفس شعور اوديسيوس عندما قال " لقد وصلت، هل هذه حقا إيثاكا؟.

 لقد مكثت في  العاصمة "فاثي" التي أعيد بناؤها بالكامل بعد عام 1953 ولديها نوع من  الانسجام والانتظام لا تشاهده في العديد من الجزر الاخرى، فجميع المباني شاحبة بلون أصفر ووردي. بالاضافة الى ذلك ، تقع على خليج داخل خليج ذات مياه لونها ازرق يطلق عليها اليونانيون "غلازيوس".كل شيء منخفض تشعر وكأنك قريب من البحر.لا توجد حركة مرور تقريبا ، وخلال النهار الحياة هادئة وعندما يحل الليل تزدحم المطاعم والمقاهي.
 لقد اخترت فندقا مكلفا جدا. اليونان لا تزال مناسبة في ميزانيتها لكثير من المسافرين ولكن من أجل هذه الملحمة كنت قد قررت دفع القارب. يقع فندق " بيرانتزادا" فوق الخليج وله  إطلالة جميلة. يعود تاريخ الفندق الى القرن التاسع عشر وسلالمه ضيقة متعرجة بين الشرفات  وحمام سباحة صغير. الموظفون داخلة يتعاملون بود ولطف والغرف جذابة، والإفطار رائع .

 أفضل شيء يمكن أن تفعله في إيثاكا هو المشي أو التنزه، وفي صباح اليوم الأول جلست على شاطئ "جاداكي" على الجانب الآخر من المدينة. ممر ضيق اسفله منزل خاص جدا تستأجره مادونا ، ويبدأ الممر في الارتفاع وترى غابات رائعة وأشجار الصنوبر والسرو – ولها رائحة قوية في المكان. على الجانب الآخر من التل يوجد شاطئ آخر جميل ، خلعت ملابسي وسبحت مع بضع من قوارب الصيد الأزيز القديمة وعلى بعد مسافة لا ترى تلال كيفالونيا في الأفق.

 في فترة ما بعد الظهر قمت بزيارة قرية مهجورة تدعي "انوجي"  وبحثت في كنيستها واللوحات  الجدارية البيزنطية. لسبب ما - مادونا مرة أخرى؟ - هناك مهبط للطائرات في مكان قريب وحديقة وهناك مسار يقودك الى ريف جميل وقرية سلمية تدعى "كيوني" .لقد وجدت متعة خلال السير الى البحر خاصة مع وجود الكثير من المقاهي التي ترحب بك.
 
ومن هذا المكان سافرت الى بلدة جديدة تدعى "فريكس". العودة إلى أيام الدراسة في مدينتي! ولكن في إيثاكا، سوف يتوقف شخص ما ليقوم بتوصيلك أو اذا تعذر ذلك من السهل عليك اقناع اي شخص أن يصبح سائق أجرة بصورة غير رسمية مقابل 10 او 20 يورو. تلك هي الطريقة التي استطعت من خلالها ان اعود الي سيارتي ولكن ليس قبل أن اتناول الغذاء في مطعم "اجيري" الذي يقع على حافة البحر وقد يكون أجمل مطعم في العالم.

 لقد كتب الشاعر اليوناني سيفريس : "أينما أسافر، اليونان تؤلمني" - وهذا هو ما أشعر به تجاه إيثاكا. قضيت يومين فقط هناك قبل أن انتقل إلى كيفالونيا ولكن كلما أجلس للكتابة عنها  أشعر بإحساس الخسارة وأتمنى لو كنت بقيت لفترة أطول. هناك الكثير من الخلجان الأخرى والقرى والكنائس والأديرة التى يمكن اكتشافها.ولكن يجب تجنب موسم الذروة خاصة في اغسطس/آب حيث ينزل الأثينيون الى منازلهم على الجزر بأعداد كبيرة وتصبح الطرق معطلة بالحافلات والسيارات ولكن سوف اعود فى يوم من الايام وسوف أحمل المجداف فى المرة المقبلة.