"داعش" يواصل تدمير الحضارة الإنسانية

تقدم الآثار القديمة التي تملأ المناطق الصحراوية فى سورية والعراق، لمحة عن حياة الحضارات المتعددة التي عاشت هناك، إلا أن هذه الكنوز الأثرية والمتاحف المميزة قد انهارت في ظل استمرار تنظيم "داعش" المتطرف في الاستيلاء على المدن في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وتمثل هذه المواقع الأثرية، حجر الزاوية الأساسي للسياحة في العالم، إلا أنَّ "داعش" تمكن من تدمير مواقع اليونسكو للتراث العالمي في سورية والعراق ومُحيت معها آلاف السنوات ذات القيمة التاريخية من الخريطة.

وكشفت ندى الحسن من مركز التراث العالمي التابع لـ"اليونسكو"، كيف أثرت "داعش" على التاريخ العالمي، قائلة: "تعتبر سورية والعراق أصل الحضارات، حيث اخترعت الأبجدية والزراعة والعمران وهى مواقع مهمة للغاية بالنسبة إلى البشرية جميعا، وبالنسبة إلى اليونسكو فمن المهم أن يقوم المجتمع الدولي بحماية هذه المواقع باعتبارها مسؤوليتنا المشتركة".
ومن بين المواقع المهمة التي تم تدميرها على يد "داعش" مدينة "تدمر" التي تقع في الشمال الشرقي لسورية ووصفتها اليونسكو بكونها "واحة الصحراء السورية"، وتمثل المدينة حاليا أنقاضا لواحدة من المحاور الثقافية الأكثر أهمية في العالم القديم.

وتأثرت تدمر منذ بداية القرن الثاني بالكثير من الحضارات اليونانية والرومانية والفارسية من خلال لمسات واضحة في الفن والهندسة المعمارية في المدينة، وتعد "تدمر" من المواقع السياحية المهمة للغاية وبخاصة من حيث الفن والعمارة في المنطقة.

وأضافت الحسن: "تدمر الآن تحت سيطرة داعش وقد تم نهب أكثر من 50 تمثالًا من تماثيل الجنازات والتي تعود إلى العصر الروماني في القرن الثاني والثالث، وفن النحت في هذا الموقع ليس تقليديا حقا وهو غير موجود في أي موقع آخر".

وقبل السيطرة الكاملة لـ"داعش" على مدينة "تدمر" في أيار/ مايو 2015 قام مدير الآثار في دمشق بنقل مجموعات أثرية من متحف تدمر إلى دمشق والتي شملت مئات التماثيل والقطع الأثرية، ولكن المقابر التي لا يمكن إزالتها قد تعرضت للتلف، ويقال أن المسرح الروماني القديم يستخدم من قبل مسلحي "داعش" لتنفيذ عمليات القتل الجماعي.

وتحظى مدينة "بصرى" بالكثير من القلاع المنمقة وأطلال المسرح الروماني في القرن الثاني، وتعد عاصمة المقاطعة الرومانية العربية باعتبارها تقع على طريق القوافل القديم إلى مكة المكرمة، حيث كانت المدينة موطنا لأنقاض المسيحية المبكرة والعديد من المساجد، وبالرغم من استعادة المدينة على يد المعارضة السورية في آذار/ مارس 2015 إلا أنه نشر فيديو أطلقته جمعية حماية الآثار السورية يظهر الأضرار التي لحقت بالحجارة القديمة والفسيفساء الرومانية في موقع اليونسكو للتراث العالمي في المدينة.

وفي ظل استمرار القتال في مدينة "حلب" فقد تسببت الاشتباكات الجارية في أضرار جسيمة للمدينة المدرجة ضمن قائمة المدن الأثرية القديمة في اليونسكو، ومن أبرز مواقعها الجامع الكبير في حلب والذي يعود إلى القرن الثامن الميلادي وقلعة حلب.

 كما أنَّ هناك أماكن أثرية أخرى في سورية مثل كنيسة سانت سيمون وقلعة "الحصن كراك ديس شيفليرس" والتي تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، واتخذت كحصن من القصف والاشتباكات.

وكشفت الحسن أنَّ تنظيم "داعش" في العراق يسيطر على واحدة من أغنى المناطق فى بلاد ما بين النهرين مثل المدن الأشورية المهمة مثل نمرود وخورسباد والحضر، مشيرة إلى أنَّ التنظيم حطّم المنحوتات، ويقال إنه نسف قصرًا في خورسباد ودمره جزئيًا.

ونشر التنظيم المتطرف تسجيلًا مصورًا لمسلحيه وهم يدمرون تماثيل نمرود، في شمال العراق خلال نيسان/ أبريل 2015، في ظل تعهد المتطرفين بإزالة كل علامات الوثنية، حيث دمروا اللوحات الجدارية القديمة والتي يعود تاريخها إلى 3000 عام، وقد تم تأكيد هذه الخسائر بواسطة الوزارة العراقية للسياحة والآثار.

يُذكر أَّن عالم الآثار البريطاني أوستن هينري ليارد، استولى عام 1845 على 6 أزواج من تماثيل الأسود والثيران من نمرود قد تكون موجودة حاليا في المتحف البريطاني، وتتميز مدينة الحضر بكونها محصنة دائريًا بواسطة هندستها المعمارية الزخرفية والتي بناها خلفاء الاسكندر الأكبر.

وكانت الحضرة عاصمة المملكة العربية الأولى، وقد صمدت المدينة أمام الغزوات من قبل الرومان في عام 116 و 198  ميلاديًا بسبب الجدران العالية والأبراج، إلا أن شهود أفادوا بأن المدينة التي يمتد عمرها لـ2000 عام قد دمرت على يد "داعش" في آذار/ مارس 2015.

وأصدرت المدير العام لليونسكو إيرينا بوكوفا، والمدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" عبد العزيز عثمان التويجري،  بيانا مشتركا يعربون فيه عن غضبهم بعد هجمات "داعش" على المدينة قائلين إنَّ "تدمير مدينة الحضرة يعد نقطة تحول في الاستراتيجية المروعة لمحو الثقافة في العراق".

وأكد البيان المشترك أنَّ الهجوم يستهدف محو تاريخ المدن العربية الإسلامية، ويؤكد اعتماد تنظيم "داعش" على تدمير التراث للدعاية لتوجهاته المتطرفة"، فضًلا عن التدمير الجزئي لمدينة "خورسباد" بما تضمه من آثار، حيث شيّد هذه المدينة الملك سيرجون الثاني، كعاصمة جديدة عام 721 قبل الميلاد، ولكن في آذار/ مارس 2015 تم نهب وتدمير قصر الملك في خورسباد.

وهاجم تنظيم "داعش"، مواقع تراثية في الموصل منها متحف الموصل ومكتبة الموصل وقبر يونان، وقد احتوى المتحف والذي يعد ثاني أكبر متحف في العراق على مجموعات أثرية من الحضرة ونينوى، إلا أنه تم تدمير معظم هذه المنحوتات.

وكانت مكتبة الموصل تضم مخطوطات تعود إلى القرن الـ18 وكتب من العصر العثماني والتي يقال إنها قد احترقت، أما عن قبر يونان كموقع مقدس داخل مسجد النبي يونس فهو من معالم المسيحية المهمة والتي تم تدميرها من قبل تنظيم "داعش".

وفي الأشهر الأخيرة بعد هجوم "داعش" على المواقع السياحية والمتاحف المختلفة فقد تم تهريب 2000 قطعة من مواقع أثرية بالعراق وسورية، وحاليا يتم بيعها من خلال موقع eBay.