برلين -مصر اليوم
لعل الظاهرة التي غطت على معرض فرانكفورت هذا العام، وهو تقليدياً أكبر المعارض الأوروبية حجما وأكثرها تأثيراً خصوصاً من جانب عمالقة الصناعة الألمانية، هي ظهور السيارات الكهربائية العملية على نطاق واسع وليس فقط كنماذج «كونسبت» تجريبية. ولكن ثقة الشركات في تقنياتها وجدوى سياراتها الجديدة لا يبدو مقنعا لغالبية الجماهير التي حضرت المعرض، والتي لا تعتقد أن عصر شراء سيارات كهربائية كبديل لسيارات الاحتراق الداخلي قد حان وقته بعد.
ويبدو أن الشركات نفسها تشعر بالقلق من أن الإقبال على السيارات الكهربائية قد يأتي دون المتوقع، ولذلك، وفي وسط زخم معرض فرنكفورت، وبينما كان المدير التنفيذي لشركة فولكسفاغن، هربرت ديس يعرض على المصورين سيارته الكهربائية الجديدة «آي دي 3» وهو جالس داخلها بعد زيارة المستشارة ميركل لجناح شركته، صرح أن على الحكومات أن تنهي الاعتماد على محطات الكهرباء التي تستخدم الفحم وقودا وأن تزيد من دعم السيارات الكهربائية.
وفي الوقت نفسه كانت شركة مرسيدس بنز تعرض في جناحها نموذجا تجريبيا لسيارتها الصالون الفاخرة «إس كلاس» الكهربائية وسط مشهد استوائي يضم أشجارا حقيقية وشاشة عليها مشاهد طبيعية وبحار وأسماك.
وكانت الرسالة واضحة وهي دغدعة مشاعر الزوار بأن شركات السيارات تفكر معهم في الأمور البيئية. ولكن هذه المشاركة الوجدانية لا يبدو أنها سوف تكون كافية لإقناع المشتري لتغيير النمط الذي اعتمد عليه طوال أكثر من قرن لسيارات بترولية هي الآن عالية الاعتمادية وغير محدودة المدى ما دام توجد محطات وقود على الطرق.
وخلال السنوات الأخيرة قدمت عدة شركات نماذج كهربائية ناجحة مثل نيسان ليف وبي إم دبليو «آي 3» وجاغوار «آي بيس». ولكن العوائق الطبيعية والنفسية لم تتغير في السوق، ولم يشعر المشتري أنه مضطر للتحول سريعا إلى تقنيات جديدة ليست رخيصة وقد تخذله في الرحلات الطويلة.
ويتساءل خبير من شركة ستانفورد لتحليل بيانات أسواق السيارات عما إذا كان دخول السيارات الكهربائية إلى الأسواق، بعد عشر سنوات من الحديث عنها، مدعاة للاحتفال في ظل هوامش الأرباح الضئيلة التي يوفرها هذا القطاع.
واقع الأسواق
حتى الآن انتشرت السيارات الكهربائية بنسبة أعلى في الدول التي تقدم حكوماتها إعانات سخية لمشتري السيارات الكهربائية. وما أن تخفض الحكومات هذه الإعانات أو تلغيها حتى ينخفض الطلب معها على السيارات الكهربائية.
وفي الصين، أكبر أسواق العالم للسيارات الكهربائية، انخفض الطلب على هذا النوع من السيارات خلال شهر أغسطس (آب) الماضي بنسبة 16 في المائة للشهر الثاني على التوالي، وذلك بعد أن خفضت الحكومة الصينية الدعم على السيارات الكهربائية. وكان يمكن للشركات تعويض إلغاء الدعم بخفض الأسعار بالنسبة نفسها ولكن هوامش الربح في قطاع السيارات الكهربائية ما زال ضئيلا، وربما غير متاح أصلا، في معظم الأحوال.
وتكرر السيناريو نفسه في أوروبا قبل أن يحدث في الصين، حيث تهاوى الطلب في الدنمارك بعد إلغاء الدعم في عام 2016، ولا يزال حجم سوق السيارات الكهربائية هامشيا في أوروبا، حيث لا يتعدى حجم سوق هذه السيارات بما فيها السيارات الهايبرد بشحن خارجي عن نسبة اثنين في المائة من إجمالي السوق. وهي نسبة لا تشجع الشركات على التهافت للمنافسة فيها. ولا تزيد أسعار سيارات مثل «آي دي 3» من فولكسفاغن و«موديل 3» من تيسلا عن 35 ألف دولار، وهي ليست أسعارا مغرية للشركات. ومع ذلك أنفقت شركة فولكسفاغن أكثر من 30 مليار يورو على تطوير عائلة «آي دي» الكهربائية.
ولكن الشركات لا تجد مناصا من خوض التجربة لسببين: الأول هو الوجود في القطاع قبل توسعه المتوقع في المستقبل، والثاني: ضرورة الالتزام بمعايير البيئة الأوروبية المتشددة وإلا تعرضت للغرامات.
وكانت أهم جوانب التقدم الذي أحرزته شركة فولكسفاغن في سيارة «آي دي 3» هو أنها زادت مداها إلى 330 كيلومترا قبل الحاجة إلى إعادة الشحن الكهربائي، وهو مدى يغطي أغلب الرحلات ذهابا وإيابا ويغني عن البحث عن محطات شحن على الطريق.
ولم يقتصر المعرض على السيارات الكهربائية الشعبية، حيث قدمت شركة بورشه طراز تايكان الكهربائي الذي أثار الكثير من الضجة في المعرض باعتباره أفخم المتاح في القطاع حتى الآن. ولكن هذه الفخامة تأتي بثمن باهظ لا يقل عن 185.5 ألف يورو لفئة تايكان إس. وتقدم شركات أخرى سيارات في القطاع المتوسط مثل «آي بيس» من جاغوار و«إي ترون» من أودي. كما ظهرت الكثير من السيارات الكهربائية التجريبية مثل أودي «إيه وان تريل» ومرسيدس «إي كيو سي».
وتعمل عدة شركات على تحسين شبكة الشحن الكهربائي في أوروبا، حيث تتعاون شركات مرسيدس وبي إم دبليو وفورد وفولكسفاغن وهيونداي على بناء شبكة شحن كهربائي سريع اختاروا لها اسم «أيونتي»، وهي تضم 400 محطة شحن سريع في أرجاء أوروبا.
قديهمك ايضا