الرياض ـ سعيد الغامدي
صدر اليوم بيان مشترك بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وذلك إثر زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لجدة ولقائه العاهل السعودي، الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.واستعرض البيان جوانب الشراكة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية خلال العقود القادمة، بهدف تعزيز مصالحهما ورؤيتهما المشتركة نحو شرق أوسط يسوده الاستقرار والازدهار والأمن والسلام.
واستعرض الجانبان العلاقات التاريخية والشراكة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، والتي تأسست منذ ما يقرب من ثمانية عقود باجتماع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه - مع الرئيس فرانكلين روزفلت على متن البارجة يو إس إس كوينسي. واتفق القائدان على أهمية الاستمرار في تعزيز تلك الشراكة الإستراتيجية بما يخدم مصالح حكومتي وشعبي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. كما أكد الجانبان على الدور المحوري لهذه الشراكة التاريخية في تعزيز الرخاء والاستقرار في المنطقة. وأكد القائدان على أن الشراكة السعودية الأميركية كانت حجر الزاوية للأمن الإقليمي على مدى العقود الماضية، وشدّدا على أن البلدين يتشاركان الرؤية ذاتها نحو منطقة مترابطة مع العالم يسودها الأمن والاستقرار والازدهار.
وأكد الجانبان على أهمية حل النزاعات الدولية بالطرق الدبلوماسية والسلمية، وتخفيف الأزمات الإنسانية عن طريق تقديم الدعم الاقتصادي والمالي لدول المنطقة الأكثر احتياجًا، مؤكدين على أهمية مبدأ السيادة والسلامة الإقليمية، وضرورة دعم حكومات المنطقة التي تواجه خطر الإرهابيين أو الجماعات التابعة والمدعومة من قوى خارجية.
شكّل لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس الأميركي جو بايدن في قصر السلام بجدة أمس، وجلسة المباحثات التي عقدها لاحقاً الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي مع الرئيس الأميركي، زخماً للعلاقات التاريخية المشتركة بين البلدين، إذ جرى استعراض علاقات الصداقة التاريخية وأوجه التعاون بينهما في عدد من المجالات، وتوسيع الشراكة في مجالات عدة. كما تمَّت مناقشة سبل مواجهة التحديات في المنطقة والعالم. ورأت مصادر مواكبة لزيارة الرئيس الأميركي أنَّ كلام بايدن عن تصحيح خطأ الانكفاء الأميركي عن المنطقة، أول من أمس، خطوة مهمة نحو فتح صفحة جديدة بين واشنطن والرياض وفي علاقات أميركا بالمنطقة.
وعقد الرئيس بايدن ليلاً مؤتمراً صحافياً تحدث فيه عن محادثاته مع القيادة السعودية، وقال: «أجريت سلسلة جيدة من الاجتماعات في السعودية... أنجزنا بعض الأعمال المهمة مع السعوديين». واعتبر أنَّ قرار السعودية فتح مجالها الجوي لكل الطائرات، «خطوة مهمة للغاية». وتابع: «توصلنا لاتفاق لمغادرة قوات حفظ السلام الدولية، بما فيها القوات الأميركية، جزيرتي تيران وصنافير» ممَّا سيساهم في تطوير هذه المنطقة للاستثمارات والسياحة.
وشدَّد بايدن على أن «السعودية ساهمت في تثبيت ودعم الهدنة» التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، مضيفاً: «اتفقت مع القيادة السعودية على تعميق الهدنة وتمديدها». وأكد أنَّه بحث مع القيادة السعودية «الاحتياجات الأمنية والعسكرية للسعودية لمواجهة التهديدات».
كما تحدث الرئيس بايدن عن مناقشات جيدة فيما يتعلق بضمان أمن الطاقة العالمي وإمدادات مناسبة للنفط، مضيفاً أنَّه يتوقع اتخاذ خطوات بشأن إمدادات النفط العالمية في الأسابيع القادمة، مؤكداً أنَّه يفعل كل ما بوسعه لزيادة إمدادات النفط لأميركا. وقال إنَّ «السعودية ستشاركنا مبادرة الطاقة النظيفة». كما شدَّد بايدن على أنَّ واشنطن لن تترك «فراغاً في الشرق الأوسط لروسيا والصين».
وكشف الرئيس الأميركي عن اتفاق بين واشنطن والرياض «على شراكات بشأن تقنية إنترنت الجيل الخامس». وأكد الرئيس بايدن على التزام الولايات المتحدة القوي والدائم بدعم أمن المملكة العربية السعودية والدفاع عن أراضيها، وتسهيل قدرة المملكة على الحصول على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية.
وشدد الجانبان على ضرورة ردع التدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية للدول، ودعمها للإرهاب من خلال المجموعات المسلحة التابعة لها، وجهودها لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، مؤكدين على أهمية منع إيران من الحصول على سلاح نووي.
وأكد الجانبان على أهمية التعاون المشترك في مجال الأمن السيبراني في حماية المصالح الأساسية لكلا البلدين وأمنهما الوطني. ورحب الجانبان بتوقيع مذكرات تفاهم بين الجانبين مؤخراً متعلقة بالتعاون في مجال الأمن السيبراني، كما قرر الجانبان استمرار تعزيز التبادل الفوري للمعلومات، وبناء القدرات البشرية والفنية، وتطوير صناعات الأمن السيبراني.
وبشان قضية مقتل الصحافي الراحل جمال خاشقجي، قال بايدن إنَّه ناقش هذا الموضوع مع ولي العهد السعودي، وأضاف أنَّ الأمير محمد بن سلمان أكد له أنَّه تم اتخاذ إجراءات بحق المسؤولين عن مقتل خاشقجي. وأضاف بن سلمان للرئيس الأميركي: "ما حدث مؤسف، ونحن في المملكة اتخذنا جميع الإجراءات القانونية من تحقيقات، ومحاكمات لحين صدور الأحكام وتنفيذها. كما قامت المملكة بوضع إجراءات تمنع حدوث مثل هذه الأخطاء مرة أخرى في المستقبل".
وأضاف الأمير محمد بن سلمان أن مثل هذه الحادثة تحدث في أي مكان في العالم، كما أنه في نفس العام الذي حدثت فيه هذه الحادثة المؤسفة، قُتل صحافيون آخرون في أماكن أخرى من العالم. كما قال ولي العهد للرئيس الأميركي إن الولايات المتحدة قامت أيضاً بعدد من الأخطاء كحادثة أبوغريب في العراق وغيرها من الأخطاء، إلا أن المطلوب هو أن تتعامل هذه الدول مع هذه الأخطاء وتتخذ إجراءات تمنع حدوثها مجدداً.
كما أشار الأمير محمد بن سلمان لحادثة مقتل الصحافية الأميركية، شيرين أبوعاقلة، وتساءل عن ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية ودول العالم من إجراءات بشأنها.
وناقش الجانبان عدداً من القضايا الإقليمية والدولية شملت اليمن حيث أكد الجانبان دعمهما الثابت للهدنة في اليمن بوساطة الأمم المتحدة، وشددا على أهمية استمرارها وإحراز تقدم لتحويلها إلى اتفاق سلام دائم. وأعرب الرئيس بايدن عن تقديره لدور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في تحقيق الهدنة وتجديدها، وشدد الجانبان على هدفهما المعلن منذ فترة طويلة لإنهاء الحرب في اليمن، داعين المجتمع الدولي لاتخاذ موقف موحد يطالب الحوثيين بالعودة إلى محادثات السلام تحت رعاية الأمم المتحدة، بناءً على المرجعيات الثلاث بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2216 الصادر في عام 2015م، حيث إن الاتفاق السياسي بين الأطراف اليمنية هو الكفيل بحل النزاع بشكل دائم وعكس مسار الأزمة الإنسانية البالغة.
وأكد الجانبان دعمهما لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، معبرين عن شكرهما للمجلس على التزامه بالهدنة والخطوات التي أسهمت في تحسين حياة اليمنيين في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك تسهيل استيراد الوقود واستئناف الرحلات الجوية من صنعاء.
كما شدد الجانبان على ضرورة إزالة جميع العوائق أمام تدفق السلع الأساسية وإيصال المساعدات داخل اليمن، وأهمية قيام الحوثيين بفتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى تعز - ثالث أكبر مدينة في اليمن والتي تخضع لظروف الحصار منذ عام 2015.
كما شجعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة جميع الجهات الإقليمية الفاعلة على تقديم الدعم الكامل للهدنة التي نتج عنها أطول فترة من السلام في اليمن خلال الستة أعوام الماضية. ورحبت المملكة العربية السعودية بدعم الولايات المتحدة للهدنة ومساهمتها في الجهود المبذولة للدفع بالعملية السياسية في اليمن.
وبالنسبه للعراق رحب الرئيس بايدن بالدور الريادي الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في تعزيز العلاقات مع جمهورية العراق، والاتفاقيات التاريخية التي سيتم توقيعها على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، في 16 يوليو 2022 لربط شبكات الكهرباء بين المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بالعراق، من أجل تزويد العراق وشعبه بمصادر كهرباء جديدة ومتنوعة.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد الجانبان التزامهما الدائم بحل الدولتين، بحيث تعيش دولة فلسطينية ذات سيادة ومتصلة جغرافيا جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل، باعتباره السبيل الوحيد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبما يتفق مع الأطر المقرة دولياً ومبادرة السلام العربية. وأشار القادة إلى عزمهم علـى تنسيق الجهود بشكل وثيق ومستمر لتشجيع الأطراف على إظهار التزامها بحل الدولتين من خلال السياسات والإجراءات. ورحبت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بكافة الجهود التي تسهم في الوصول إلى سلام عادل وشامل في المنطقة.
كما أكد الجانبان على التزامهما بالحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها، ودعمهما لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي للنزاع وفق الصيغة الواردة في قرار مجلس الأمن 2254 الصادر في عام 2015م، مشددين، في الوقت نفسه، على ضرورة منع تجدد العنف، والحفاظ على اتفاقات وقف إطلاق النار، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع السوريين المحتاجين.
وعبر الجانبان عن دعمهما المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوات المسلحة اللبنانية التي تحمي حدوده وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرفة والإرهابية. كما أشار الجانبان إلى أهمية تشكيل حكومة لبنانية، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوله إلى نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، مشددين على أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها.
وأكد الجانبان على أن النظام القائم على سيادة القانون يكمن في صميم الأمن الدولي، مشددين على أهمية احترام مبادئ القانون الدولي ووحدة الأراضي والسيادة الوطنية. كما أكدوا مجددًا على المبادئ المنصوص عليها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1/11- ES الصادر بتاريخ 2 مارس 2022م ، والذي دعمه جميع أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
بايدن يتعهد بالإبقاء على الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب