واشنطن ـ يوسف مكي
دخلت العقوبات الأميركية الجديدة المفروضة على إيران أمس الاثنين، ضمن أكبر اختبار لطموح الرئيس دونالد ترامب، في تحديه للقوى المنافسة ولحلفاء الولايات المتحدة التقليديين، إذ تهدف إدارة ترامب إلى فرض ضغط اقتصادي كافٍ على إيران؛ لإجبارها على إعادة التفاوض بشأن صفقة نووية جديدة مع إيران بدل اتفاقية العام 2015، أو ربما لتغيير النظام في طهران من خلال إثارة الاضطرابات الشعبية.
وقالت صحيفة الـ"إندبندنت" البريطانية في هذا الإطار، إنه "سيكون من الصعب تحقيق أي هدف من هذين الهدفين، لأنه يمكن للعقوبات أن تكثف الضغط على دولة ما، إذا استمرت لفترة طويلة، ولكن تعتمد فاعليتها أيضا على الدعم والتنفيذ من قبل تحالف واسع القوى، وهذا ما حدث مع عقوبات الأمم المتحدة التي فرضتها على العراق عامي 1990 و2003، وكذلك إيران بين عامي 2006 و2015. ولكن في هذه المرة لا يوجد ائتلاف يدعم العقوبات، كما أن أبرز رافضيها هم مجموعة كبيرة من الدول، المتمثلة بالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وجيران إيران القريبين، وتركيا والعراق.
ولذلك، تسعى هذه الدول إلى إنقاذ الصفقة النووية الإيرانية، المعروفة أيضا باسم "خطة العمل المشتركة الشاملة"، التي اتفق عليها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن ( الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين)، بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وإيران منذ ثلاث سنوات. ويكمن الخطر على الولايات المتحدة ليس فقط أن هذه الدول تعارض فرض عقوبات على إيران، بل أنهم يرغبون في فشلها، لأنهم يعلمون أنه إذا نجح ترامب، فستتضرر سلطتهم، لأن الولايات المتحدة ستكون قد أثبتت أنها تستطيع التصرف بشكل أحادي وفعال دون مساعدتها. وليس مستبعدا أن يقرر ترامب إعادة التفاوض مع إيران، كما فعل مع كوريا الشمالية، ويعلن انتصاراً جديداً، فبالنسبة إلى كل خطابات ترامب التي هدد فيها بشن حرب، فإنه لم يبدأ حربا حتى الآن.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: إنه "بسبب العقوبات التي نعلنها اليوم، لن يكون لإيران أي عائد نفطي لإنفاقه على الإرهاب، أو نشر الصواريخ، أو على الوكلاء الإقليميين، أو البرنامج النووي".
ولكن القوة الإيرانية في الشرق الأوسط لا تعتمد حقا على أي من هذه الأمور، لأن قوتها تكمن في العراق وسورية ولبنان، حيث يتمركز الشيعة، إلى جانب تحالفها مع روسيا وتركيا. وتدخلت إيران سياسيا وعسكريا في العراق، ووصل هذا التدخل ذروته في عام 2017، حين حرر الجيش العراق الموصل. وفي سورية في عامي 2015-2016، حين بدأت روسيا تدخلها العسكري لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، وفي شرق حلب بعد استعادتها من المعارضة المسلحة. وقد برز رابحون وخاسرون في هذا الجزء من الشرق الأوسط، ولن يغير نجاح أو فشل العقوبات الأميركية على إيران النتيجة.
وبحسب الصحيفة، يرجع ضعف سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط لاعتمادها المبالغ فيه، على المملكة العربية السعودية، وولي العهد محمد بن سلمان، حتى قبل وقت طويل من مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، علماً بأن تركيا هي القوى الصاعدة في العالم الإسلامي وليست السعودية، كما أن لأنقرة علاقات ودية مع إيران، وفي أي صراع ستقف إلى جانب طهران، وينطبق نفس الوضع على إيران، نظرا للهوية الدينية المشتركة بين البلدين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في طليعة القادة الذين دفعوا الولايات المتحدة للإنسحاب من الأتفاق النووي الإيراني، ومعادة إيران، ولكن الزعيم الإسرائيلي مثل ترامب، يعتمد في البداية على الخطاب الحماسي وتصعيد التهديد، ولكنه لا ينخرط في صراع عسكري حقيقي، وربما يتغير ذلك، ولكن إسرائيل لن تكسب الكثير، ويمكن أن تخسر الكثير إذا دخلت في حرب مع "حزب الله" وإيران.
وستفرض العقوبات الأميركية ضغوطا قوية على إيران، لكن السماح المؤقت الممنوح لثمانية مستوردين للخام الإيراني يظهر الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة في فرض حصار اقتصادي على إيران، وبالتالي يمكن أن يتحول بسهولة عرض ترامب لإظهار قوة الولايات المتحدة إلى دليل على الضعف.