تونس-مصر اليوم
يواجه القضاء الجزائري ضغطاً سياسياً وشعبياً شديداً لدفعه إلى محاكمة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في قضايا فساد كبيرة قادت عدداً من كبار مساعديه السابقين إلى السجن. وأكّد رئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال، الذي يحاكم بمحكمة الاستئناف بالعاصمة منذ الأحد، أن «لا شيء كان يعلو سلطة بوتفليقة في عهده... لم يكن هناك سلطة للبرلمان ولا للقضاء، إلا سلطة بوتفليقة».
وأثار هذا التصريح، الذي شدّ انتباه الجزائريين المهتمين بأطوار «محاكمة رموز بوتفليقة»، تساؤلات في البلاد مفادها: ما يمنع القضاء من استدعاء بوتفليقة إلى المحاكمة، أو على الأقل التحقيق معه، ما دامت التهم التي أدت إلى سجن رئيسين للوزراء وعدد كبير من الوزراء، كانت بسبب تنفيذ سياسات وخطط في مجال تسيير الاقتصاد، وضعها هو وكانت مدرجة في برامج حملاته الانتخابية، في أربعة استحقاقات فاز بها؟
وقال قاض بـ«معهد البحوث القضائية»، الذي يتبع لوزارة العدل، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد احتمال كبير أن يبلغ الرئيس السابق باستجواب مكتوب للرد عليه. على الأرجح ستراعي النيابة، التي تتلقى الأوامر من الوزير، حالة بوتفليقة الصحية، فهو عاجز عن الكلام كما هو معروف، فترسل له أسئلة ليجيب عنها بواسطة محامٍ. أعتقد أن ضغط الحراك الشعبي الذي يريد محاكمته، ومطالبات سياسيين، تخص القضية نفسها، يشجع القضاء على استدعاء الرئيس السابق». وشدد القاضي على أنه منطقياً «لا يوجد ما يمنع محاكمة بوتفليقة» على رغم مرضه.
وكان الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي أول من خاض بشكل علني في موضوع «محاكمة بوتفليقة». وقال الأسبوع الماضي، لدى استضافته بقناة تلفزيونية خاصة، أن محاكمته مطلوبة «ولو رمزياً»، مشيراً إلى أن سجن ومتابعة عدد كبير ممن كانوا يشتغلون تحت أوامره بصفة مباشرة، وينفذون سياساته، تحتم مساءلته حول وقائع فساد. وقال رئيس الوزراء السابق عبد الملك سلال، أول من أمس، أثناء محاكمته في الدرجة الثانية من التقاضي، إن بوتفليقة كان على علم بكل شيء فيما يخص نشاط تركيب السيارات الذي سجن بسببه مع عدة مسؤولين بارزين. كما قال إن شقيق الرئيس السابق، السعيد بوتفليقة (في السجن العسكري حالياً)، كان ينقل له كل صغيرة وكبيرة حول تسيير الشأن العام. وفهمت تصريحات سلال للقاضي بأنه غير مستعد ليدفع الحساب لوحده، وأنه لا بد من محاسبة «صاحب الأمر والنهي».
وطالت تهم «استغلال النفوذ بغرض منح امتيازات غير مستحقة»، في مجال تركيب السيارات، أيضاً، رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ووزيري الصناعة السابقين يوسف يوسفي ومحجوب بدة، وعدة موظفين بالوزراء ومسؤولين بمصارف حكومية. وأنزلت محكمة الجنح، نهاية العام الماضي، عقوبات بالسجن تراوحت بين 3 سنوات و20 سنة، أقصاها كانت بحكم غيابي ضد وزير الصناعة السابق عبد السلام بوشوارب.
وذرف سلال، ليل الأحد أثناء محاكمته، دموعاً، وقال للقاضي وهو منهار: «كان لي شرف تمثيل بلدي في الخارج، فالتقيت باراك أوباما في مكتبه بينما كنت في الحقيقة رئيس وزراء صغيرا لا يستطيع إصدار مرسوم. عندي سيارة لم أصرّح بها ضمن لائحة ممتلكاتي، وقد نيست والله... وهي لكم إن أردتم حرقها»، مشيراً إلى أنه «كان يفضّل الموت على وضع الأصفاد في يدي أنا وابني فارس الذي كان مقيماً ببريطانيا وقد طلبت منه أن يعود لخدمة بلده». يشار إلى أن نجل سلال متابع في الملف نفسه، بصفته شريكاً في مصنع لرجل أعمال مسجون. وجاء في التحقيقات أن فارس دخل في رأس مال المصنع بفضل نفوذ والده، مقابل تسهيلات استثمارية لفائدة رجل الأعمال.
وعلى عكس سلال، بدا أويحيى صامداً وهو يشرح الإجراءات والتدابير المحفزة على الاستثمار، التي أعطيت في عهده لرجال الأعمال. وأكَد بأنه بريء من تهمة الفساد. وسئل عن سبب عدم التصريح عن مبلغ كبير في حساب بنكي تابع له، عندما تسلم الوظيفة الحكومية، فقال إنه لم يتعمد إخفاء أمواله. ولم يذكر أويحيى بوتفليقة، بخلاف سلال.
يشار إلى أن استجواب المتهمين، يومي الأحد والاثنين، تعلق بنشاط تركيب السيارات. وينتظر اليوم الانتقال إلى الجانب الثاني من الملف، وهو «التمويل الخفي» لحملة الولاية الخامسة التي ترشح لها بوتفليقة، وأسقطها الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) 2019. وكان رجال أعمال أكدوا خلال المحاكمة الأولى أنهم دفعوا مليارات الدنانير لشقيق بوتفليقة لأغراض الدعاية الانتخابية. وتم استخراج السعيد من السجن العسكري، ليدلي بشهادته لكنه رفض الكلام.
قــد يهمــــــــك أيضــــــاُ