دمشق ـ جورج الشامي
تقدم المبعوث الدولي إلى سورية بتقريره إلى مجلس الأمن، الذي أكد فيه تقاعس العالم عن البحث عن حل سياسي للأزمة، وأشار إلى ارتفاع أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف طرفي النزاع السوري، فيما نفى وزير الإعلام السوري الزعبي وجود الجيش "الحر" على الأرض، معتبرًا أن "جبهة النصرة" هي التي تقاتل، متهمًا الأخيرة بتلقي التمويل من السعودية، والسعي الممنهج لهدم الدولة السورية حتى تصبح تحت هيمنة برامج إعادة الإعمار. من جانبه، رفض رئيس جامعة الدول العربية نبيل العربي "الإدعاءات عن أن الجامعة العربية تزيد الوضع في سورية تفاقمًا"، في حين ذكرت مصادر مقربة من رئيس الاائتلاف السوري المستقيل أحمد معاذ الخطيب أن "المال السياسي المتدفق سبب لإستقالته". يأتي هذا بينما أكد أنطونيو غويتيرس أن عدد اللاجئين سيرتفع إلى 3.5 مليون لاجئ في نهاية العام الجاري، وبعملية حسابية للأعداد، فإن حوالي 50% من الشعب السوري متأثر مباشرة بالأحداث، فيما اعتبر المبعوث الدولي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي أن القتال في سورية زاد ميدانيًا، ما تسبب بوقوع الكثير من الضحايا والدمار، في حين أشارت مسؤولة الإغاثة في الأمم المتحدة فاليري أموس إلى أن 6.8 مليون شخص في سورية يحتاجون المساعدة. وفي تقريره لمجلس الأمن، أشار الإبراهيمي إلى أنه "في الأسابيع الماضية، تم التركيز بصورة كبيرة على قتال جبهة النصرة في سورية، بعد أن أعلنت الجبهة عن أنها جزء من القاعدة"، مشيرًا إلى أن "النقاش تحوّل في الأيام الاخيرة من التوقعات بتوقيت سقوط النظام السوري إلى الحديث عن أن المعارضة المسلحة تتراجع"، متخوفًا من أن "النقاش قد يتحول اليوم إلى دور القاعدة، وكيف من الممكن أن يؤثر دورها على الخطوات التي ستتخذ من قبل المجتمع الدولي". واعتبر أنه "من المؤكد أن تداعيات الأزمة السورية على المنطقة تكبر، وأن ملامح حرب بالوكالة تبدو أكثر وضوحًا، ولكن يبقى الصراع في الأساس حرب أهلية عنيفة بين السوريين"، لافتًا إلى أن "مراقبة الأبعاد الطائفية للنزاع هي أهم من التدخل الأجنبي في القتال"، وأضاف أن "خيار الجهات السورية المتنازعة لم يتغير ولن يتغير"، سائلاً "هل سيكون ذلك مميتًا وله نتائج مدمرة حتى النهاية، لأن كل جهة مقتنعة بأن النصر المؤكد هو نصيبها، أم أن هذه الجهات ستقتنع بأن لا حلاً عسكريًا للأزمة، وأن المهم هو الحل السياسي والحوار؟"، محمّلاً كل الجهات المتنازعة داخل سورية، وفي جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن، "مسؤولية عدم العمل على التوصل إلى عملية سياسية، تؤدي إلى حل سلمي"، مشيرًا إلى أن "قرار جامعة الدول العربية الأخير في الدوحة، يعني أن مسار جنيف أُهمل، وأن عقد حوار أو مفاوضات أمر غير ممكن أو ضروري"، متسائلاً "أليس مجلس الأمن هو الجهة المخولة بالتدخل، عندما يكون الأمن والسلام الدوليين في خطر؟ وأين هما في خطر اليوم أكثر من في سورية؟". وأوضح الإبراهيمي في تقريره أن "المشكلة صعبة، والنظام غير مستعد للإصغاء، كما أن المعارضة غير موحدة على قيادة متجانسة، وبرنامج سياسي بناء، ومع ازدياد التدخل الإقليمي والدولي في سورية، فإن المزيد من التصعيد أمر لا يمكن تجنبه"، واصفًا مطلب المعارضة بتنحي الأسد بـ"المشروع تمامًا، لكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب عملية سياسية"، داعيًا إلى "تطوير مبادرة رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية السابق أحمد معاذ الخطيب بدلاً عن تجاهلها"، ورأى أنه "في البيئة الكئيبة في سورية، يجب أن نجد بعض الإشارات الإيجابية، كقبول الائتلاف الوطني السوري بالحوار، تحت بعض الشروط، بالإضافة إلى أن الحكومة السورية قبلت أن تلتقي مع جهات معارضة من الخارج، وأن يجري الحوار في دمشق". واعتذر من الشعب السوري لأنه "فعل القليل جدًا لهم خلال الأشهر الثمانية الماضية، ولأن جهوده للأسف العميق لم تثمر سوى القليل جدًا، لأن جهود وقف العنف وتحقيق السلم لم تنجح حتى الآن"، وذكّر أن هناك "عشرات الآلاف من المعتقلين والمحتجزين في السجون الرسمية والسجون السرية، والذين يتعرضون للعنف والاضطهاد وسوء المعاملة"، داعيًا لإطلاق سراحهم في أسرع وقت ممكن، دون أن يغفل الاتفات إلى أنه "يجب أن لا ننسى أن أغلب السوريين يعيشون في خوف دائم من أن يتعرضوا للقصف في منازلهم، أو في مكان عملهم، أو في الحي الذين يقطنون فيه، أو الخوف من الاعتقال، أو من أن يعتقل أطفالهم، فكل السوريين يعيشون في حالة رعب من الكارثة التي تنتظرهم"، متوجهًا بالشكر لكل من قدم المساعدة للسوريين المحتاجين، وكل الجهات المانحة. كذلك اعتبر أنه "يجب أن نتعلم من الجهود الماضية لحل الأزمة السورية شيئًا نستفيد منه في المستقبل، والجميع يعي أن هذه الأزمة كان يمكن أن تحل في بداياتها، عندما كان بعض الأطفال يرسمون على الجدران في درعا، ويقال أن الاسد نُصح بأن يذهب إلى درعا، ويعتذر من أهالي الضحايا، وأن يقيل الحكومة، وكل من كان مسؤولاً عن تلك الوحشية، والقيام بعدد من الإصلاحات، والحرص على تطبيقها، لكن ذلك لم يحدث أساسًا". وأشار الإبراهيمي، في الملخّص الذي قدمه، إلى أن "الجامعة العربية حاولت أن تساعد، وجهودها أدت إلى إرسال المراقب الفريق الدابي، وكانت مهمته تنجز بكل مسؤولية، لكنه لم يلقَ تجاوبًا صحيحًا من قبل الجهات المختلفة"، ثم لفت إلى مهمة المبعوث الدولي إلى سورية السابق كوفي أنان، والصعوبات التي واجهها، بالإضافة إلى مبادرة الخطيب وبيان جنيف. في سياق متصل، أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرًا، أشارت فيه إلى أن "جبهة النصرة" تمثل 10% من الجهات المقاتلة، وهناك حديث كبير عن أن مقاتلين أجانب، من عرب وغربيين، يقاتلون إلى جانب كل من المعارضة والنظام في سورية، موضحًا أنه "منذ 4 شهور، مصادر موثوق بها قريبة من النظام السوري، أبلغته أن عدد المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة كان بضع مئات، وأن عدد مقاتلي جبهة النصرة يصل إلى قرابة 5 آلاف، أما اليوم، فقد أبلغه مصدر آخر، أن المقاتلين الأجانب وصلوا إلى نحو 40 ألفًا"، وأكد أن هناك أيضًا أجانب يقاتلون إلى جانب الحكومة السورية، وهو ما أكده الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ومتحدثون رسميون في إيران. وذكر التقرير أن "التقديرات تشير إلى أن لحزب الله آلاف المقاتلين في سورية، إضافة إلى مستشارين، يساعدون النظام في إدارة ميليشيا اسمها (جيش الشعب)، تعمل لدعم أو التعويض عن عصابات المدنيين الموالين للنظام (الشبيحة)". في حين اعتبرت صحيفة "التايمز" البريطانية، في تقرير بعنوان "ضحايا الأسد في حاجة إلى السلاح"، أن التقارير بشأن استخدام الأسلحة الكيمائية في سورية تشير إلى "إرهاب جديد ضد شعب أسير"، وذكرت أن "ما يقوم به الرئيس السوري بشار الأسد، من هجمات مروعة، لم يجد رادعًا قويًا من جانب مجلس الأمن المنقسم إزاء طريقة حل الأزمة السورية"، وأوضحت أنه "كان يتعين على الدول الغربية، في مراحل سابقة من الأزمة، تقديم أسلحة ثقيلة للمعارضة المسلحة، كي يتسنى لها الدفاع عن نفسها"، مؤكدة أنه "يتعين على الدول الغربية الإقدام على هذه الخطوة في الوقت الراهن"، داعية إلى "نشر صواريخ (باترويت)، على الحدود مع تركيا، وتوفير ملاذات آمنة، تحميها أسلحة ثقيلة، لمساعدة ضحايا الأسد، الذين يبحثون عن أماكن يلوذون بها"، معتبرة أن "هذا سيمثل ردعًا للأسد، يمنعه من استخدام الأسلحة الكيمائية". ورصدت مراكز المراقبة في محطات بطاريات صواريخ "باتريوت" في جنوب غربي تركيا إطلاق القوات السورية صواريخ "سكود" بصورة منتظمة ضد مواقع المعارضة، وأنها لا تزال تسقط في الداخل السوري، خارج نطاق أمد صواريخ "باترويت". من جانبه، اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي أن "الأزمة السورية أرجعتنا إلى الحرب الباردة"، لافتًا إلى "استمرار الخلافات، لاسيما بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ما يعوّق توصل مجلس الأمن إلى إتفاق على وضع حد لهذه الحرب"، وأشار إلى أنه "في كل المنازعات والصراعات الدولية، منذ الحرب العالمية الثانية، عندما يحتدم القتال يتدخل مجلس الأمن لوقف القتال، إلا في سورية، لا يحاولون إصدار قرار لوقف إطلاق النار"، وأضاف "يفترض في أعضاء مجلس الأمن أن يوقفوا النار، كي يستطيع الوسيط المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية أن يتصل بالأفرقاء، من أجل التوصل إلى تسوية"، مشيرًا إلى أن "مجلس الأمن ممتنع تمامًا عن إتخاذ موقف"، متسائلاً "لماذا هذا العجز في مجلس الأمن الذي يمتلك كل السلطات؟"، رافضًا "الإدعاءات عن أن جامعة الدول العربية تزيد الوضع في سورية تفاقمًا، من خلال إعترافها بالإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مُمثلاً وحيدًا للشعب السوري، ومن خلال قرارها تسليح المعارضة"، مشددًا على أن "المشكلة بدأت لأن النظام السوري يضرب الناس، لم يحصل هذا بالطريقة هذه في الثورات العربية"، لافتًا إلى أن "النظام يحصل على السلاح، سواءًا من روسيا أو من إيران، والجامعة العربية، كمؤسسة، لا علاقة لها بتسليح المعارضة، لكن بعض الدول ربما ترى أنه ينبغي أن نساوي بين الفريقين، حتى يصل الموضوع إلى تسوية". في حين رأى وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، خلال مؤتمر صحافي في روسيا، أن "هناك ذراعًا عسكريًا تعمل لنقل سورية من ضفة إلى أخرى، وهذا الذراع هو المجموعات الإرهابية المسلحة"، لافتًا إلى أن "الواقع على الأرض هو مواجهة بين المؤسسة العسكرية ومجموعات إرهابية، ولا يمكن فهم موضوع المعارضة المسلحة، فهو غريب عن الخطاب السياسي"، مؤكدًا أن "هناك تورطًا لدول عدة في الدعم المباشر لتنظيم القاعدة في العالم". واعتبر أنه "ليس هناك شيء اسمه الجيش الحر على الأرض، وهذا ماركة، والغالبية التي تقاتل على الأرض ممولة من السعودية وقطر"، مشيرًا إلى أن "الجهة التي تعمل هي جبهة النصرة، التي لها بنية تنظيمية، ومصادر تسليح منتظمة". ولفت إلى أن "أكثر من 28 مستشفى و1200 مدرسة دُمرت بالكامل، كما تمت سرقة مصانع كبيرة، ونقلها إلى تركيا"، معتبرًا أن "هناك خطة منهجية لتدمير مؤسسات الدولة، وإعادة سورية قرونًا إلى الخلف، لوضعها في حالة تحتاج فيها البلاد إلى إعادة إعمار، بما يعني ذلك من اختراق للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أي دولة، والسيطرة على المنظومة الكاملة لها". ورأى الزعبي أن "الحرب الإعلامية ضد سورية تقوم على جملة من العناصر، منها منع استخدام تقنيات الفضاء لبث الرسالة الإعلامية"، معتبرًا أن "مؤسسة الجامعة العربية لا تمنح شرعيات ولا شهادات وطنية لأحد، بل لديها وظيفة محددة، ولم تنجح في مهامها". وعلى صعيد أخر، أكدت مصادر قريبة من الخطيب أنه "استقال لسبب عدم تلبية الدول الداعمة لمطالب المعارضة، وعدم الوفاء بالتزاماتها"، في حين أشارت مصادر داخل الائتلاف السوري المعارض إلى أن "أسبابًا تقف وراء تقديم استقالة أحمد معاذ الخطيب من رئاسة الإئتلاف السوري، يتعلق قسم منها بالمال السياسي، المتدفق إلى سورية، وما يفرضه من ولاءات، قد لا تتناغم والمصلحة السورية العامة، ويتعلق قسم آخر برفض بعض الجهات توسعة الائتلاف، خوفًا على التوازنات الموجودة "، يأتي هذا فيما أكدت مصادر صحافية أن الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري، والتي تضم 11 شخصًا، قبلت استقالة رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب، وستجتمع نهاية الأسبوع، على أن تجتمع الهيئة العامة للائتلاف في إسطنبول بداية أيار/مايو المقبل، لانتخاب بديل للخطيب، بعد تكليف جورج صبرا، إلى حين انتخاب رئيس جديد، قبل انتهاء الولاية الحالية للرئيس، في 10 أيار/مايو المقبل.