موسكو - حسن عمارة
أعلنت روسيا أنها بصدد طرد الدبلوماسي الأميركي المتهم بممارسة أنشطة تجسسية بعد اعتقاله وهو يحاول تجنيد عميل روسي لـ "سي آي إيه"، وأعلنت أجهزة الأمن الروسية تفاصيل تلك العملية التي تكشف الدبلوماسي الأميركي، الذي يعمل في درجة سكرتير ثالث في السفارة الأميركية في موسكو وهو يحمل مخزونًا غريبًا من الشعر المستعار والنظارات وغيرها من المعدات.
وظهر في الدبلوماسي الأميركي واسمه ريان فوغل في فيلم
قصير يكشف تفاصل اعتقاله، وقد أذاعه تليفزيون الدولة الروسي بعد اعتقاله، مساء الإثنين الماضي، على يد ضباط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي المعروف اختصارا باسم "إف إس بي"، وهو الجهاز الذي حل محل جهاز "كيه جي بي" السوفيتي القديم.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن ريان فوغل بات شخصية غير مرغوب فيها، وقالت الوزارة "إنه كان في حوزته مخزون من أدوات التجسس الكلاسيكية، بالإضافة إلى مبالغ نقدية ضخمة، وهي كلها مؤشرات لا تكشف فقط تورطه متلبسًا، وإنما تثير أيضًا علامات استفهام خطيرة تتطلب إجابة من الجانب الأميركي".
وأضافت الوزارة "أن مثل هذه التصرفات الاستفزازية تعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، ولا تعمل في صالح دعم الثقة المتبادلين بين الدولتين".
وتقول سلطات الأمن "إن فوغل كان يحمل باروكتين وثلاث نظارات وبوصلة وخريطة لموسكو وسكينًا وولاعة ومبلغ 500 يورو، بالإضافة إلى بطاقة الهوية الخاصة به الصادرة من السفارة الأميركية".
وكشفت قناة "روسيا اليوم" الرسمية باللغة الإنكليزية عن وجود خطاب بعثت به الاستخبارات الأميركية إلى العميل الروسي، ويقول نص الخطاب "صديقي العزيز، إليك مع الخطاب دفعة مقدمة من شخص ما تأثر بصدق من مهاراتك المهنية، والذي سوف يقدر جدًا قيمة تعاونك معنا في المستقبل".
ويعرض الخطاب مبلغ 100 ألف دولار مقابل "خبراتك ومهاراتك وتعاونك، كما يعرض مبلغ مليون دولار مقابل التعاون على المدى البعيد".
وتناول الخطاب تعليمات خاصة بفتح حساب بريد إلكتروني على الـ "جي ميل".
وقامت وسائل إعلام الدولة في روسيا بما فيها "روسيا اليوم" بعرض الفيلم الذي يكشف تفاصيل العملية وما كان في حوزة الدبلوماسي، الأمر الذي أثار حالة من الالتباس والحيرة على نطاق واسع.
وتأتي هذه الفضيحة في وقت حرج تشهده العلاقات الأميركية الروسية، فالرئيس الروسي دائمًا ما يُحمّل الولايات المتحدة مسؤولية التحريض على السخط والاستياء من الحكومة الروسية، كما أن المسؤولين الروس يتهمون وزارة الخارجية الأميركية بتمويل المعارضة الاحتجاجية في روسيا.
ومن ناحية أخرى، تحاول كل من موسكو وواشنطن زيادة التعاون في ما بينهما في أعقاب تفجيرات ماراثون بوسطن، والمتهم فيها اثنان من أصول شيشانية.
وتجيء هذه الفضيحة أيضًا بعد أقل من أسبوع من قيام جون كيري وزير الخارجية الأميركي بزيارة موسكو في محاولة لوضع حد للحرب في سورية.
واصطحب كيري معهمدير مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف بي آي" روبرت موللر، الذي عقد اجتماعًا نادرًا مع نظير الروسي.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية احتجاز الدبلوماسي الأميركي في موسكو لفترة قصيرة قبل أن يفرج عنه، ولكنه رفض الإدلاء بمزيد من التصريحات.
وقامت الخارجية الروسية باستدعاء السفير الأميركي في موسكو مايل ماكفاول لعقد اجتماع معه، الأربعاء.
وظهر فوغل في تسجيل الفيديو الذي أذاعه جهاز "إف إس بي" وهو يخلع قبعة رمادية وباروكة شعر مستعار لونها أشقر قبل اصطحابه إلى السيارة، ثم ظهر بعد ذلك وهو يجلس بوجه متجهم أثناء استجوابه داخل مقر "إف إس بي" وإلى جواره ثلاثة أميركان لم تحدد هويتهم.
وتتهمه أجهزة الأمن الروسية بمحاولة تجنيد ضابط مخابرات روسي في مجال مكافحة الإرهاب في شمال القوقاز.
وقال مصدر رسمي روسي إنهم في البداية لم يكن ليصدقوا إمكان حدوث ذلك، لأن الجميع يعرف أننا جهاز "إف إس بي" كان أخيرًا يقدم العون في تحقيقات تفجيرات بوسطن.
وأضاف في محاضرة أمام مجموعة من الحضور بشأن العلاقات الأميركية الروسية وبهدف زيادة التعاون في ما بين البلدين، في أعقاب المحادثة الهاتفية بين بوتين وأوباما "إنه في الوقت الذي يتم العمل فيه على دعم وتقوية العلاقة بين البلدين يأتي دبلوماسي أميركي ويرتكب جريمة حكومية ضد روسيا".
وقال جهاز "إف إس بي": "إن الدبلوماسي الأميركي قال إن محاولة تجنيد عميل روسي لم تكن محاولة فريدة من نوعها".
وأضاف أن المخابرات الأميركية حاولت كثيرًا تجنيد موظفين في الأجهزة الأمنية الروسية والوكالات الخاصة، وأن هذه المحاولات قام "إف إس بي" برصدها.
وحذرت روسيا "إف بي آي" الأميركي بشأن تامرلان المتورط في تفجيرات بوسطن، ولكن المسؤولين الأميركان كما تقول صحيفة "وول ستريت جورنال" لم يأخذوا بهذه التحذيرات.
وتعيد فضيحة فوغل إلى الأذهان فضيحة أخرى وقعت العام 2006 عندما أعلنت روسيا أنها اعتقلت جواسيس بريطانيين متلبسين، وهو ما نفته بريطانيا في بداية الأمر إلا أنه ومع مطلع العام الماضي اعترف مسؤولون بريطانيون ومن بينهم توني بلير بأن الواقعة كانت حقيقية وغير ملفقة.
وتأتي فضحية فوغل بعد ثلاث سنوات من كشف الولايات المتحدة لخلية روسية نائمة من 11 جاسوسًا إسرائيليًا، وقامت بطردهم، وكانت أشهر أفراد الخلية الروسية آنا شابمان.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة بصدد الرد على ذلك بطرد أحد الدبلوماسيين الروس، وذلك في الوقت الذي تحاول كل أميركا وبريطانيا وإسرائيل إقناع روسيا بوقف دعمها للأسد.
يذكر أن بوتين كان يجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وقت إذاعة نبأ فضحية التجسس.
ويحاول المسؤولون الروس التقليل من شأن الفضيحة، وكتب رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما وأحد الأصوات المنتقدة للولايات المتحدة أليكسي بوشكوف على موقع "تويتر": "إن فضحية الدبلوماسي الأميركي سوف تمر سريعًا، ولن تؤثر على مفاوضات كل من لافروف وكيري، ولكنها سوف تلقي بظلاهها على أجواء المفاوضات".