إنتخابات إيطاليا

أدلى المواطنون الإيطاليون بأصواتهم في انتخابات تتابعها أوروبا عن كثب وعليهم أن يقرروا فيها إذا  ما كانوا سيختارون حكومة يمينية هي الأكثر تطرفاً منذ الحرب العالمية الثانية، أم لا.
وتقود جورجيا ميلوني حزب "إخوان إيطاليا" اليميني المتطرف وتسعى لأن تصبح أول رئيسة وزراء في البلاد متحالفة مع حزبين آخرين من الجناح اليميني. وقد عملت على تجميل صورتها وهي تمتعض من ربطها بالماضي الفاشي لإيطاليا. ويبلغ عدد المواطنين الإيطاليين الذين لديهم الحق في التصويت الذي إنتهى  في تمام الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم بالتوقيت المحلي (التاسعة مساء بتوقيت غرينتش) حوالي 51 مليون ناخب.

وقد أدلى الرئيس سيرجيو ماتاريلا بصوته في وقت مبكر في العاصمة الصقلية باليرمو، بينما صوت المنافس الرئيسي لميلوني، زعيم يسار الوسط إنريكو ليتا، في روما، وأدلى حليفها ماتيو سالفيني من أقصى اليمين بصوته في مدينة ميلانو. وتتميز هذه الانتخابات بوجود 2.6 مليون ناخب يصوتون للمرة الأولى و 4.7 مليون ناخب يعيشون خارج البلاد. وتدعم جورجيا ميلوني العقوبات الغربية على روسيا وخففت من لهجتها حول أوروبا. لكنها ما تزال تتبنى شعاراً قديماً تبناه الفاشيون وهو "الرب، الوطن والعائلة"، وتحدثت ضد المثليين ودعت إلى فرض حصار بحري على ليبيا من أجل وقف الهجرة.  

ويعتقد المراقبون في مدينة "لاتينا" التي تبعد مسافة ساعة بالسيارة إلى الجنوب من روما، أن اليمين المتطرف يمكنه أن يقتنص المدينة من اليسار. ولا تزال مدينة "لاتينا" التي أسسها الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني في العام 1932، آثار الطاغية، لكنها عانت لسنوات من نقص التمويل.   يقول أحد المارة: "ألق نظرة، إنها كارثة". كان للمدينة عمدة يساري في السنوات الأخيرة، لكن اليمين المتطرف وضع نظره على "لاتينا". وقد زارها ماتيو سالفيني الأسبوع الماضي ليختتم حملة حزبه "حزب الرابطة" الدعائية. ويعتبر حزب "فورزا إيطاليا" الذي ينتمي إلى يمين الوسط تحت قيادة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني، 85 عاماً، عضواً في التحالف الذي تقوده جورجيا. ويقول جيانلوكا أتلانتي، وهو صحفي يعمل مع صحيفة محلية تدعى "لاتينا أوغي" إن "ميلوني تخاطب مشاعر الناس". وخلفه ينتصب قصر إيمي، الذي بني على شكل الحرف "أم" نسبة إلى موسوليني. واليوم يعتبر المقر المحلي لهيئة انفاذ القانون التابعة لوزارة المالية.

ويشهد الاقتصاد الإيطالي نهوضاً عقب جائحة كوفيد-19، لكن هناك أزمة الطاقة- التي نجمت بالأساس عن الغزو الروسي لأوكرانيا- والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود. وبينما أمضى السياسيون الأيام الأخيرة يتجادلون حول روسيا وأوروبا، فإن أكثر ما يقلق الإيطاليين هو كيفية تسديد فواتيرهم. وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق على أن يرسل لإيطاليا 200 مليار يورو على شكل هبات وقروض من أجل التعافي في فترة ما بعد كوفيد لكن هذا مشروطاً بتنفيذ إصلاحات تم الاتفاق عليها من جانب حكومة الوحدة الوطنية المنتهية صلاحيتها التي كان يرأسها ماريو دراغي. وقد دعت جورجيا ميلوني إلى تعديل الخطة وتحدثت عن فعل المزيد من أجل "الدفاع" عن المصالح القومية لإيطاليا في أوروبا. فلا عجب إذاً أن يراقب هذه الانتخابات عن كثب عدد كبير من القادة الأوروبيين.

وحتى أوائل أغسطس/ آب، كانت أحزاب اليسار والوسط في إيطاليا ترمي إلى تشكيل تحد مشترك لتحالف ميلوني في الانتخابات. لكنها فشلت في الوصول إلى اتفاق، والآن يواجه المنافس الأكبر لميلوني في استطلاعات الرأي- وهو زعيم الحزب الديمقراطي من يسار الوسط إنريكو ليتا- صراعاً شاقاً. كما أنه يشترك في العديد من السياسات مع "حركة الخمس نجوم" التي يقودها غوسيب كونتي لكنهما لم يتفقا على خوض الانتخابات معاً. ويتفق السياسيون من اليمين إلى اليسار على أن نظام المدارس الإيطالي في حالة من التدهور، لكن معلمي المدارس مثل إليسا يشككون بأن تغير هذه الانتخابات ذلك الواقع. ينتخب الإيطاليون غرفتي البرلمان- النواب والشيوخ- وبموجب قوانين جديدة فإن حجم الغرفتين جرى تقليصه بمقدار الثُلث، وبالتالي فإن مجلس النواب يتألف من 400 مقعد ومجلس الشيوخ يتألف من 200.

ومن المرجح أن تساعد هذه التركيبة التحالف الفائز أكثر من غيره، عندما يضاف إلى ذلك النظام الانتخابي المختلط لإيطاليا. فأكثر من ثُلث المقاعد يفوز فيها من يحصل على العدد الأكبر من الأصوات في الدائرة الانتخابية على غرار الانتخابات البريطانية، وأكثر من 60 في المائة من المقاعد تتم الانتخابات فيها بنظام التمثيل النسبي في عموم إيطاليا. وأي تحالف يفوز بـ 40 في المائة من الأصوات قد يفوز بما يصل إلى 60 في المائة من المقاعد، كما يعتقد المعلقون الإيطاليون. وهذا يعد نظاماً جديداً،ولذا فإنه يحظى بمراقبة عن كثب، وبخاصة من قبل التحالف اليميني، لأنه يحتاج إلى دعم ثُلثي البرلمان من أجل تنفيذ إحدى سياساته الرئيسية. وحتى لو تصدر حزب "إخوان إيطاليا" التصويت، ومنح حلفاء جورجيا ميلوني الأغلبية المطلقة لها، فإن قرار من سيصبح رئيساً للوزراء ليس بيدهم. فهذا القرار يكمن في يد الرئيس ماتاريلا مدعوماً من البرلمان، وهو يلعب دوراً مهماً في الدستور الإيطالي.

وترغب ميلوني وحلفاؤها بإدخال تغيير جوهري على دوره من خلال جعله رئيساً للدولة منتخباً بشكل مباشر بدلاً من كونه شخصية حيادية يتم اختيارها من قبل البرلمان. وقد يبدو "النظام الرئاسي" أكثر ديمقراطية، ولكن هناك سبب يدعو بعض الإيطاليين إلى الشعور بالقلق من التفكير بتسليم صلاحيات أكبر لرئيس دولتهم- وذلك يعود أيضاً إلى تجربة إيطاليا السابقة مع الفاشية. وفي لاتينا، لا يراقب الناس فقط المعركة السياسية بين اليسار واليمين، فهناك أيضاً قصة أخرى تشغل بالهم. فإحدى المرشحات لعضوية مجلس الشيوخ هي واحدة من نجمات الماضي العزيزات على قلوب الإيطاليين وهي جينا لولو  بريجيدا. فهذه المرأة البالغة من العمر الآن 95 عاماً، أصبحت أسطورة السينما في ستينيات القرن الماضي، وقد تحدت كسراً في عظم الفخذ من أجل خوض الانتخابات.

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

مصر تُزيل 25 مليون لغم من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية

ميليشيا الحوثي تنفذ أوسع عملية زراعة للألغام منذ الحرب العالمية الثانية في اليمن