واشنطن ـ يوسف مكي
رفضت الحكومة الأميركية بأوامر سرية أن تمنح عددًا من الاختراعات براءة الاختراع لأصحابها، والتي يزيد عددها على 5000 اختراع، بحجة الخوف على الأمن القومي من أعداء أميركا.ونشرت مجلة "وايرد" الأميركية الشهرية المتخصصة في مجال التكنولوجيا تحقيقًا عن هذه الاختراعات أرجعت فيه السبب إلى الخشية على الأمن القومي الأميركي من وقوع هذه الأبحاث في أيدي الأعداء. وأشار كاتب المقال الحاصل على جائزة أفضل صحافي في مجال الأمن الداخلي جي دبليو شولتز إلى اختراع للمواطن الأميركي روبرت غولد الذي تقدم بطلب تسجيله والحصول على براءته منذ ما يزيد على عشر سنوات، وكان الاختراع يمثل ابتكارًا متقدمًا في عالم الاتصالات اللاسلكية، والذي يمكن من خلاله التواصل بين الأفراد من دون مداخلة، ويحقق أكبر قدر من الخصوصية. إلا أن هذا الاختراع سرعان ما اختفى. وقالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، "إن هذا الاختراع يمكن أن يشكل تهديدًا للأمن القومي إذا ما وقع في أيدي أشرار"، ثم رفضت الاختراع في العام 2002 لدواعي السرية، وهو قرار يمنعه حتى من مناقشة هذا الاختراع مع أي فرد. وعلى الرغم من أن محاميه نجح في إلغاء هذا القرار إلا أن ذلك تم بعد فوات الآوان، حيث إنه لم يستطع الاستفادة من اختراعه تجاريًا. ويؤكد غولد أنه لم يعارض موقف الحكومة على أساس أن الاتصالات الخفية يمكن أن تضر بالجيش الأميركي. وقامت الحكومة الفيدرالية برعاية أبحاثه، واحتفظت لنفسها بحق استخدام هذه التكنولوجيا. ويرجع الفضل بصورة عامة في الكشف عن مثل هذه الأوامر السرية إلى الدعاوى التي رفعتها جماعات مثل "اتحاد علماء أميركا" بموجب قانون حرية المعلومات. وتشير هذه الدعاوى إلى أن عدد الأوامر السرية التي ترفض منح براءة الاختراع شهدت تزايدًا بصورة منتظمة خلال السنوات الأخيرة، ووصل عددها إلى 5300 أمر سري مع حلول العام 2012، والبعض منها منذ عشرات السنين. وتقوم السلطات المختصة بفحص عشرات الآلاف من طلبات براءة الاختراع سنويًا، بموجب قانون منع الكشف عن الاختراعات الجديدة، ثم تحال بعد ذلك إلى وزارة الدفاع ووكالة الأمن القومي ووزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي. ويقول أستاذ قوانين التكنولوجيا في جامعة ستانفورد مارك ليملي إن السلطات الحكومية عادة ما ترد على المخترع بقولها "إن اختراعك صالح وشرعي، ولكنك لا تستطيع عمل شيء به ربما لعشرات السنين"، وعلى الرغم من أن أوامر السرية نادرة إلا أن مخالفتها يعرض صاحبها إلى السجن. وفي العام 1969 تقدم رجل من كاليفورنيا واسمه جيمس كونستانت بطلب تسجيل براءة اختراع ولكنه اصطدم بالأوامر السرية، وبعد أن نجح في رفع هذا الأمر في العام 1971 قام برفع دعوى ضد الحكومة الأميركية يطالب فيها بتعويض للأضرار التي لحقت به بسبب منعه من الاستفادة ماديًا من اختراعه، ولكن المحكمة وفي العام 1982 صدر حكمها ضد صاحب الاختراع، وجاء في الحيثيات أن السبب في فشل الاستفادة من الاختراع لا يرجع لقرارات الحكومة وإنما بسبب افتقاد المخترع للخبرات التجارية اللازمة، الأمر الذي تسبب في خسائر مالية ضخمة للرجل. ويرى خبراء أن المسؤولين في وزارة الدفاع ربما يرغبون في حماية تكنولوجيا الأكواد والشفرات السرية على نحو يمنع الحكومة من اختلاس السمع لما يدور من محادثات بين الأعداء من الأجانب، ومع ذلك فإن تكنولوجيا الأكواد الحديثة يمكن أن تسمح لنشطاء حقوق الإنسان من التواصل بحرية في ظل أنظمة قمعية. ويطالب البعض نتيجة للتهديد الذي يشكله التجسس الاقتصادي على أميركا من بلدان مثل الصين بالنظر في إمكان فرض أوامر السرية تلك على اختراعات ليست مرتبطة بأمن الجيش، ولكنها يمكن أن تضر بالاقتصاد الوطني في حالة سرقتها أو تقليدها أو بيعها. ووفقًا للقانون الأميركي فإن المخترع يمكن أن يطلب تعويضًا في حالة رغبة الأجهزة والوكالات الأمنية والجيش في استخدام فكرة الاختراع، أو في حالة قدرة المخترع على إثبات حجم الضرر الذي تعرض إليه بسبب عدم السماح له بالترويج للاختراع تجاريًا، ولكن هذا السبيل يتطلب وقتًا طويلاً ومرهقًا، أضف إلى ذلك أن الحكومة قد تطلب استخدام فكرة الاختراع في سرية تامة. ويقول محامٍ إنه ترافع في قضية فكرة اختراع تكنولوجيا رادارية تسمح بالكشف عن الأشياء بما فيها طائرات الشبح الأميركي. ورفضت السلطات تسجيل الاختراع، واستمر الاختراع خاضعًا لأوامر السرية لمدة ثماني سنوات من دون أن تتقدم الحكومة بطلب شرائه من المخترع أو تتركه يسوق له في الخارج مع حلفاء أميركا.