مارك زوكربيرغ صاحب "فيسبوك"

تتردّد بقوة أصداء القنبلة الصحافية المدوية التي فجّرتها الصحافية البريطانية كارول كادوالدر، قبل نحو أسبوعين في العالم بأسره.

وتعدّ كادوالدر صاحبة السبق الصحافي الذي أجبر مارك زوكربيرغ صاحب "فيسبوك" على المثول أمام الكونغرس الأميركي قبل نحو ثلاثة أسابيع، بعدما كشفت النقاب عن قيام شركة "كامبريدج أناليتكا" البريطانية بجمع بيانات شخصية عن أكثر من 50 مليون مستخدم لموقع "فيسبوك" من دون موافقتهم، بواسطة برامج متطوّرة تم استخدامها لدعم دونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016.

وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية كشفت كادوالدر خفايا معركتها ضد مؤسسات عالمية ضخمة، وقدمت درسا بليغا في كيفية تقديم قصة صحافية مميزة جدا، على الرغم كل الضغوط أو التحديات التي كادت تعصف بها وبقصتها وصحيفتها، وتقول كادوالدر: "إنها أمضت أكثر من عام تعمل على القصة، وتعتبر أن اللحظة التي شاهدت فيها زوكربيرغ، وهو واقف أمام أعضاء الكونغرس الذي كانوا يلاحقونه بالأسئلة المحرجة واحدا تلو الآخر بعد تفجر الفضيحة، كان أمرا مثيرا يبعث على الذهول"، وتضيف أن الأمر لم يكن سهلا أبدا "كان أشبه بدخول عش الدبابير".

وبذلت كادوالدر، وهي صحافية متمرسة بجريدة الأوبزرفر البريطانية فازت بجوائز سابقة عن تحقيقات في قطاع المعلومات، جهدا خارقا للوصول للمعلومات الدقيقة والتواصل مع المصادر من أجل ما اعتبرته "أصعب قصة صحافية أعدتها".

كان خيط البداية في فبراير/ شباط 2017 عندما كتبت كادوالدر عن صلات مالية بين صندوق تحوط يملكه الملياردير الأميركي روبرت ميرسير وشركة كامبريدج أناليتكا في بريطانيا.

وبعدها سعت للوصول إلى أي مصدر لديه بعض التفاصيل، وحاولت مرارا عن طريق موقع "لينكدإن" الوصول لبغيتها، حتى أبلغها أحد من تحدثت معهم بأن الشخص المناسب الذي يعرف أكثر من غيره، هو كريستوفر ويلي، وهو خبير معلوماتي كندي لم يتجاوز عمره 28 عاما، أسهم في تطوير تقنيات للاستيلاء على بيانات مستخدمي "فيسبوك"، واستخدامها في التأثير على توجهاتهم السياسية خلال الانتخابات الأميركية.

وعلى مدى عام كامل بدأت كادوالدر تتواصل مع ويلي بصورة يومية لساعات عدة، وبالنظر إلى ضخامة وخطورة ما تكشفت عنه الأمر، قررت كادوالدر، بنصيحة من ويلي، إشراك مؤسسة صحافية أميركية بحجم "نيويورك تايمز" في النشر، مع جريدتها الأوبزرفر، والقناة الرابعة البريطانية، وذلك من أجل ضمان صدى أكبر وأوسع نطاقا.

وأمضت كادوالدر شهورا عديدة من أجل إقناع "نيويورك تايمز" بأهمية القصة، حتى انضمت بالفعل إلى الأبزرفر، وذلك قبل ثلاثة أسابيع فقط من النشر. وهي تعتبر نفسها مدينة لـ"نيويورك تايمز" و"القناة الرابعة" بالمشاركة في القصة التي أوقعت بزوكربيرغ، وجعلته يقف أمام الكونغرس.

وفي بعض اللحظات كادت كادوالدر تفقد الأمل في إمكانية أن تصل إلى شيء، وأن تقدم الحقيقة للناس، لكن كان يحدوها أمل كبير في أن تكتب شيئا يتحدث العالم كله عنه، على الرغم من أن عجلة العمل كانت تتحرك ببطء في البداية، لكن بعد فترة، انطلقت ماكينة العمل بسرعة مذهلة.

تقول الصحافية البريطانية الآن، وهي تتابع صدى قصتها القنبلة: "كان يجدر بشركة "فيسبوك" أن تأخذ الأمر بصورة أكثر جدية.. لم نكن نحن فقط الذين نطرح عليهم الأسئلة".
وتركزت قصة كادوالدر بالأساس بشأن شهادة كريستوفر ويلي الذي كان يعمل لحساب شركة كامبريدج أناليتكا المتورطة في قلب فضيحة "فيسبوك".

وملخص القضية أن الشركة أخذت البيانات الشخصية للملايين من مستخدمي "فيسبوك" ثم استخدمتها لاستهداف هؤلاء المستخدمين بإعلانات سياسية، ويعتقد بأن الناخبين الأميركيين الذي صوتوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والناخبين البريطانيين الذي أدلوا بأصواتهم في استفتاء بريكسيت بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانوا ضمن المستهدفين.

واعترفت "فيسبوك" بتسرب بيانات 87 مليون مستخدم لكن كامبريدج أناليتيكا نفت تماما أنها جمعت أو سربت بطريقة غير قانونية أي بيانات شخصية لمستخدمي موقع التواصل الشهير.
وكان ويلي هو من اقترح على كادوالدر إشراك مؤسسة صحافية أميركية كبرى في القضية.

تقول كادوالدر: "إن ويلي كان مصمما على أن تشارك صحيفة أميركية في النشر، وصنع ذلك فارقاً كبيراً، لأننا رأينا كيف اهتم "فيسبوك" بالأمر حتى أن رئيس الشركة أجبر على المثول أمام الكونغرس، وهو لم يكن ليقف أبدا أمام البرلمان البريطاني، حتى إذا ما كان النشر اقتصر فقط على صحيفة الأوبزرفر البريطانية".

وتابعت: "لقد كانت قصة أميركية، أصوات أميركيين، بيانات أميركية تم استخدامها في الانتخابات الأميركية، لذلك بدا ويلي مصراً تماماً على ضرورة وجود صحيفة أميركية من أجل أن تتوجه للجمهور الأميركي".

وأرسلت المؤسسات الإعلامية الثلاثة أسئلتها إلى "فيسبوك" قبل أسبوع من النشر. وهو ما يعني "أننا منحناهم قدراً وافراً من الوقت للرد، لكن لم يرد علينا أحد سوى بمذكرة بشأن معلومات خلفية"، حسبما قالت كادوالدر.

لكن "فيسبوك" أرسلت في 16 مارس/ آذار إلى الأوبزرفر (أي قبل 24 ساعة من نشر القصة) خطاب تهديد يتوعد الصحيفة باتهامها بالقذف في حالة المضي قدما في نشر القصة.
وبحث محامو الأوبزرفر مضمون خطاب "فيسبوك"، وتأكدوا أن لا ضرر من النشر.

وفوجئت كادوالدر وفريق الأوبزرفر بأن "فيسبوك" أصدرت ليلة النشر في الساعة الواحدة و النصف بعد منتصف الليل بيانا صحافيا، قالت فيه: "إنها أوقفت التعامل مع شركة كامبريدج أناليتكا بعدما تلقت تقارير "قبل أيام عدة" تفيد بأن شركة البيانات لم تتخلص من البيانات التي تحصلت عليها من "فيسبوك" عام 2015 ، كما وعدت".

وتقول كادوالدر: "كان الأمر جنونيا، لأننا أمضينا الساعتين التاليتين في محاولة إقناع مسؤولي التحرير في الأوبزرفر بالتواصل مع مديري تحرير "نيويورك تايمز" لإقناعهم بالمضي قدماً في النشر، حيث كانوا يتعرضون لضغوط مكثفة لسحب القصة وعدم نشرها في اللحظة الأخيرة".​