ذكرى رحيل أنور وجدي والإعلامي القدير أحمد فراج

مهما تمر الأيام والسنون ويغيب عنا أعز الناس، تبقى دائما ذكراهم ساكنة القلوب ، وفي مثل هذا اليوم رحل عنا اثنان من رواد الزمن الجميل أولهما عُرف بأمير الدهاء وثانيهما صاحب " نور على نور " ومن خلال السطور القادمة نحاول إلقاء بعض الضوء على من أناروا لنا كثيراً من الدروب.
الأول هو الفنان أنور وجدي واسمه الحقيقي هو "أنور محمد يحي وجدي الفتال" من مواليد 11 أكتوبر عام 1904، وكانت أسرة والد الفنان أنور وجدي بسيطة الحال وكانت في منتصف القرن التاسع عشر تعمل في تجارة الأقمشة في حلب وانتقلت الأسرة إلى مصر وهناك ظهر الشاب الوسيم الطموح محمد أنور وجدي ودخل مجال الفن وأحب السينما والمسرح وعمل سنوات عديدة به، ومن بعدها دخل إلى عالم السينما وكان من أبرز الفنانين في تاريخ السينما.
استطاع أن يلفت نظر يوسف وهبي بخفة دمه وحضوره ووسامته وأسند إليه دوراً في الرواية التالية وأصبح يحصل علي عدة جنيهات شهرياً مما أتاح له الفرصة في استئجار غرفة فوق السطوح يشاركه فيها الفنان عبد السلام النابلسي.
وفي عام 1935، بدأ مشواره الفني في السينما في فيلم "الدفاع" حتي لمع بعد فيلم "العزيمة" وعرف في السينما بأدوار الفتي الأول من خلال فيلم "قضية اليوم" مع عقيلة راتب وأصبح بعدها القاسم المشترك في معظم الأفلام المصرية في ذلك الوقت حتي أنه قام بتمثيل وبطولة 14 فيلماً في عام 1945. ودخل بعدها أنور وجدي مجال الإنتاج من خلال فيلم "ليلي بنت الفقراء" والذي قامت ببطولته ليلي مراد واستمر في إخراج أفلامها "قلبي دليلي" و"عنبر" و"غزل البنات" وغيرها.
ونجح كمخرج لما يمتاز به أنور وجدي من كونه مؤسسة فنية تقدم الميلودراما ممزوجة بالاستعراضات والأغاني وفكاهة راقية نظيفة علي إيقاع جديد لم يعرفه الفيلم الغنائي المصري من قبل كما أنه تميز بقدرته على اكتشاف المواهب وصقلها وتقديمها في أجمل صورة ولعل اكتشاف أنور وجدي للطفلة "فيروز" أكبر شاهد علي ذلك فقدمها في عدة أفلام كان أشهرها فيلمي "دهب" و "ياسمين" الذين أخرجهما عام 1950.
وفي عام 1954، تقدم أنور وجدي للزواج من ليلي فوزي التي كان زواجه منها حلماً بالنسبة له حيث كان في بداية نجوميته قد تقدم لخطبتها من والدها لكن والدها اعتذر وفضل عليه المطرب عزيز عثمان، ولكنه هذه المرة نجم الشاشة والفتي الأول.
وبالفعل تم الزواج وأثناء قضاء شهر العسل بالسويد أصابه المرض الخطير وحدثت الوفاة عام 1955 عن عمر يناهز 44 سنة، وقبلها كان قد عرض دفع كل ثروته لمن ينقذه من مرضه رغم أن هناك قصة شهيرة تروي عنه أنه قال في إحدى جلساته: "يارب هات لي كل أمراض الدنيا بس ارزقني نصف مليون جنيه".
كأن أبواب السماء كانت مفتوحة فاستجاب الله لدعائه وأعطاه المال بوفرة ولكن ابتلاه بأمراض خطيرة قضت علي حياته، ولله في خلقه شئون.
وعندما وصل جثمانه مع زوجته ليلي فوزي في مايو سنة 1955 قادماً من السويد تجمع أفراد العائلة والأصدقاء حولها لمواساتها وأخذوها إلي منزلها و تركوا جثمان أنور وجدي في حراسة موظف بمكتبه اسمه الخواجه "ليون" وحين وجد هذا الموظف أنه أصبح وحيداً مع جثمان رئيسه في العمل وسط مطار القاهرة الدولي لم يستطع فعل شيء سوي الذهاب بالجثمان إلي مكتب أنور وجدي بوسط البلد فوجده مغلقاً فاتجه إلي منزله ليجده هو الآخر مغلقاً وما كان منه إلا أن يبيت مع الجثمان في ميدان التحرير حتى صباح اليوم التالي لتشيع جنازة أنور وجدي من هناك ويدفن في مقبرته الخاصة بالإمام الشافعي!.
أما الراحل الثاني عنا في مثل هذا اليوم هو الإعلامي القدير أحمد فراج من الرعيل الثاني الإذاعي والرعيل الأول التليفزيوني، اشتهر بعطائه الإعلامي المميز على مدى مشواره الطويل، فقد شارك في نقل الإذاعات الخارجية ونقل حفلات كوكب الشرق أم كلثوم الشهرية، ومن أشهر برامجه الإذاعية "المائدة المستديرة" و "الشرطة فى خدمة الشعب " ثم قدم فى التليفزيون عند افتتاحه عام ١٩٦٠ برنامجه الشهير "نور على نور" واستمر يقدمه حتى عام ١٩٧٧ وبلغ ما قدمه منه قرابة ألف حلقة.
وكان له فضل تقديم الشيخ متولي الشعراوى للجمهور المصري والعربي. مثل فيلما واحدًا هو "ثلاثة رجال وإمرأة" مع الفنانة صباح ولم يكرر المحاولة واعتزل السينما نهائيا ولكنه اقتنص منها صيدا ثمينا فقد تزوج من الفنانة صباح بطلة الفيلم واستمر زواجهما لمدة عامان.
ورحل عنا في 14 مايو 2006 بسبب أزمة قلبية حادة.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي : لقد اكتشفت بعد رحيل «أحمد فراج» أن الفراغ الذى تركه لم يكن مصرياً فقط ولكنه فراغ عربي وإسلامي يتحدث عنه الجميع، وعندما كنت أقول له إنك أنت الذي وضعت الإمام «الشعراوى» تحت دائرة الضوء الكبير كان يرد فى تواضع بأن الفضل يرجع إلى علم ذلك الإمام الراحل وفرادة أسلوبه فى الدعوة وتميز شخصيته فى الريادة الدينية.
لقد كان "أحمد فراج" قيمة كبيرة فى حياتنا أدركنا حجمها بعد رحيله أمام الغثاء الإعلامي الذى تشهده بعض الفضائيات كل مساء فنتذكر أنه كان بحق "نوراً على نور".