القاهرة- مصر اليوم
معلم من الزمن الجميل بشمال سيناء، أمن مبكرا بدور العلم في تبديد الجهل، عندما قطع 40 كيلو متر سيرا على قدميه للوصول لمدرسته وهو طالب علم، ثم حمل على عاتقه تعليم أجيال بقرى سيناء، ولم يتوقف عن أداء رسالته بعد إحالته للمعاش، وحمل وهو فى سن الشيخوخة أوراقه وأقلامه يلاحق طلابه وهم يلاحقونه في قصة عشق فريدة من نوعها بين معلم و مهنة يعتبرها "رسالة" عليه أن يواصل إبلاغها حتى آخر أنفاسه.
"الأستاذ على زايد"، كما يلقب هو حاليا على أعتاب الثمانين من عمره، روى، رحلته التى بدأها والده الذى أصر أن يكون "المتعلم" من بين 5 أشقاء هو أصغرهم، مضيفا أنه في منطقته التى ولد بها في عام 1944 وهى "ام براك"، وتسمى حاليا "قرية الظهير"، بنطاق مركز الشيخ زويد، كان يعم الفقر وبساطة الحال، والأسر البدوية تعتمد فى يوميات حياتها على الترحال والرعى والقليل من الزراعة من بينها أسرته، والعلم شبه منعدم فلا توجد مدارس، ولا يوجد من بينهم من يجيد القراءة والكتابة.
وأضاف زايد، أن معلم كان يحضر من أماكن بعيدة وهو "سليمان أبو جليدان الترباني "، يعلم الأطفال بنظام "الكتاب"، مبادئ القراءة والكتابة عند منطقة "جميزة الدرز" على أطراف القرية، ثم انتقل لمعلم كتاب آخر بعد أن رحلت أسرته بحثا عن قوت يومها، وهو "حسين ابو راشد القواسمة"، بمدينة الشيخ زويد، ثم لمعلم كتاب ثالث، وهو "سالم أبو ضيف الله أبو زارع"،عند منطقة تسمى "قوز ذيبان" تقع حاليا غرب قرية نجع شيبانة جنوب رفح.
وأشار معلم الأجيال، إلى أن أول إلتحاق رسمي له بالتعليم، كان في عام 1953 بمدرسة "الجيل" الجديد بالعريش، وقتها تم تقييده بالصف الرابع الإبتدائى بعد إمتحان تحديد مستوى نتيجة التعليم الذي تعلمه بالكتاب، وكان أول طالب من منطقة جنوب الشيخ زويد ورفح يلتحق بهذه المدرسة.يتذكر "المعلم علي زايد"، أنه كان قرارا صعبا على الأسرة أن ينتقل طفل بعمر 9 سنوات إلى العريش لإستكمال تعليمه، وأقام عند أحد أقاربه، ولم يكن الحال سهلا، حيث قطع ذات يوم مسيرة أكثر من 40 كيلو سيرا على الأقدام من العريش وصولا لمنزلهم لزيارة أسرته، بعد أن لم يجد ثمن لمواصلة يستقلها.
وأضاف زايد، أن قطار التعليم مضى به وصولا للمرحلة الإعدادية بمدرسة التعاون "مع زملاء آخرين له من منطقته، ويتذكر أنه في تلك الفترة اندلعت حرب 1956، وهو بالصف الأول الإعدادي، واصفا مشهد تلك اللحظة " كنا داخل الفصول وجاءت التعليمات بإخلاء المدارس، خرج مدرس اللغة العربية الأستاذ زكريا، وهو يرتدي الطربوش الأحمر ويردد بصوته الجهوري" نحن بنو الصحراء لا نخشى الوغي وقلوبنا كالصخرة الصماء، وجمالنا بطل السلام وأنه لزعيمنا في الهزيمة النكراء" ،وخرجنا من المدرسة وكنا نغني (هجموا على سينا شلة مجانين) نقصد الإحتلال الإسرائيلي ".
وتابع المعلم زايد، أنه أنهى دراسته الإعدادية في عام 1960،وبمناسبة التخرج تلقى هدية من محافظ شمال سيناء فى ذلك الوقت "محمد عبد المنعم القرماني" المصحف الشريف مكافأة يحتفظ به حتى الآن، وفى عام 1965 بعد إنتهاء الدراسة الثانوية عاد لأسرته، وافتتاح أول مدرسة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة بمنطقة نجع شيبانة، وفي عام 1966 فتح أول مدرسة لتعليم الأطفال بقرية الظهير، وكانت الفصول عشش من الجريد بدأت بعدد 10 طلاب وصولا لـ 30 طالب من جميع المناطق المجاورة.
وأشار زايد، أنه وهو يؤدي رسالته في تعليم الصغار أبناء قريته، والقرى المجاورة تلقى كتاب للعمل في شركة الأغذية بالإسماعيلية بشهادة الثانوية العامة القسم العلمى من مكتب العمل، واختار أن يبقى على عهده ورسالته.وقال "زايد"، أنه أثناء قيامه بمهمته التعليمية اندلعت حرب 1967 وهو داخل الفصل بقريته بصحبة طلبته، وتعرضت مدرستهم ومسجد القرية من طائرات العدو الاسرائيلي للضجيج، وواصل رسالته وتعليم الأطفال إضافة لمهام أخرى أصبح مكلفا به من أهله، وهى إمام وخطيب مسجد الظهير متطوعا من عام 1969 مهمة واصل تأديتها حتى عام 2004، ويذكر أن أول مرة قام فيها بخطبة صلاة الجمعة في المسجد وهو بالصف الثالث الإعدادى، نظرا لغياب الخطيب ونجح في المهمة التي أوكلت إليه فيما بعد.
وأشار زايد، إلى أنه خلال الفترة من عام 1967 وحتى عام 1982، هى قرابة 15 عام تحت الإحتلال الإسرائيلي، لم يتوقف دوره في نشر العلم، واعتبر أنه مقاتلا من نوع آخر، واستطاع أن يخرج المئات من الطلاب من مدرسة الكتاب الذين يتم تحويلهم بإمتحان القبول إلى المرحلة الإعدادية بالشيخ زويد.واستطرد زايد، أن أول إستلام لعمله كمعلم رسمى بالتربية والتعليم كان في ديسمبر 1977 ، وصدر قرار بتعيينه فى أول مدرسة بقرية الجورة، كانت وقتها فصل في بيت مبني من الطين يملكه أحد الأهالي، وهو "حسن البالي"، وفصلان في بيت آخر يملكه " شحادة أبو ملفي"، وفى إبريل من عام ،1978 تبرع "الشيخ خلف الخلفات"، بالجهود الذاتية ببناء أول مدرسة شيدت بجهود الأهالي في منطقة الجورة جنوب الشيخ زويد.
وقامت المدرسة بجهود أبناء القرية الخريجين وقتها وهم "سالم نصير أول مدير مدرسة، ومحمد سويلم، وكيل المدرسة"، وعمل هو مشرفا عاما على المدرسة ومدرس علوم، والشيخ عرفات خضر سالمان، وسلامة سليمان أبو عليان، وحسن صقر، وفى عام 1982 تم إفتتاح مدرسة العوايضة الإبتدائية بقرية الظهير، وتولى إدارتها حتى خروجه للمعاش في عام 2004.
وأشار المعلم، إلى أنه لم يعترف بإنتهاء رسالته بإحالته للمعاش، حيث دأب على متابعة طلبته ومن يستجد منهم، والحرص على تتبعهم حتى وهم فى الجامعة وإسداء النصح وتقديم المعلومة، والتطوع في تعليم الصغار بفصول المدرسة، وسد العجز في حالة غياب المعلمين نظرا لظروف المنطقة، مؤكدا أن متعته الحقيقية وهو أمام طلبته ويشرح لهم.
وقال زايد، أنه بعد تحرير سيناء فى عام 1982 كانت المنطقة تحتاج لجهودهم كطليعة تحمل لواء العلم وبالفعل كان شغلهم الشاغل بناء المدارس، حيث تم إفتتاح مدرسة نجع شيبانة الإبتدائية، ومدرسة العوايضة الإبتدائية عام 1982، وبدأت مرحلة العمل الميداني والشعبي التي شغلها لمدة 11 سنة متواصلة، عضوا بمجلس محلى المحافظة، ورئيس لجنة التعليم للمركز، وخلال مسيرته حصل على تكريم من المحافظين الذين مروا على سيناء .وأكد زايد، أن الدور الرئيسى فى دعمه وكل زملائه هو ما قام به "الشيخ خلف الخلفات"، أحد أبرز رموز سيناء الصوفية والقبلية والاجتماعية بمنطقة جنوب الشيخ زويد، وصاحب الدور الوطنى فى مواجهة إسرائيل بمنع بيع الأرض لها أثناء الإحتلال، حيث ركز على إعداد الشباب والحث على العلم والعمل وتحمل المسئولية والتعليم .
وأضاف زايد، أنه قطف ثمار ما زرع من علم بالمرحلة الثالثة من رسالته، التي بدأت بالتعلم ثم تعليم الآخرين والثالثة وهي تخرج تلاميذه وتوليهم مناصب قيادية فى كل القطاعات الخدمية، وكان من بين أهم مواجهات الجهل بالعلم الحث على تعليم الفتيات باعتبارها رسالة ذات أولوية ولم تغب البنات عن منافسة الصبيان في مقاعد الدراسة.
واختتم زايد، أنه على المستوى الشخصي نجح أن يعد أسرته لتكون نموذج لأسرة معلم طبق رسالته في مجتمعه وبيته وعمل، فـ 3 من ابنائه فى مهنة التعليم بينهم الأكبر حاصل على الدكتوراة من جامعة عين شمس ويعمل مدير مدرسة الفارابي الثانوية، وإبن مدرس علوم بالأزهر الشريف، والثالث معلم وسائط تعليمية، والأصغر بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة، ويؤدى دوره التطوعي في التعليم لحين تيسر فرصة عمل له، بينما الإبنة الصغرى حصلت على بكالوريوس تربية تخصص الفصل الواحد من جامعة العريش، وتقوم حاليا بتعليم الأطفال القراءة والكتابة، ولديها أكثر من 30 طفل بالقرية، وتقوم بدورها متطوعة في رسالة كان يقوم بها والدها قبل أكثر من 50 عاما.
قد يهمك ايضا
11 فنانًا عربيًا يشاركون في مبادرة لنشر قصص للأطفال
"الكتابة على الرمال" قصّة توضّح للأطفال معنى الصداقة الحقيقية