تجنيد الفتيات في وحدات القوات المسلحة

دعت حملة نسائية أطلقت على نفسها "مجندة مصرية" إلى تغيير واقع في المجتمعات العربية، رافضة "الجيش للرجال فقط ".

وتعتبر تلك الحملة إحدى المبادرات الشبابية الإيجابية المليئة بالحماس والانتماء، لمجموعة فتيات طموحات، كل مطالبهن تتخلص في السعي وراء التجنيد في الجيش المصري، وتقديم التضحية والجهد لخدمة وطنهن.

وتؤكد هذه الدعوى جراءة القائمين عليها، وقد يتذكر الكثيرون مشاركة النساء المصريات المقاتلات في الدفاع عن الأرض أثناء العدوان الثلاثي 1956، ولم نرى بعدها سوى مشاركات لضابطات في القوات المسلحة على استحياء في تخصصات محدودة كالتمريض والصيدلة فقط.

وعلى مستوي الوطن العربي، كانت هناك مشاركة محدود للنساء في عدد من الجيوش العربية مثل ليبيا أثناء حكم الرئيس السابق "القذافي" إذ كانت وحدة الحرس الخاص له والتي تكونت من 200 شخصًا، والتي عرفت بحرس الأمازون، قد تكونت فقط من الجنديات النساء.

أما عن النموذج الأحدث وكان صدمة للجميع  هي "مريم المنصوري "أول قائدة طائرة إماراتية تشن هجومًا جويًا على "داعش" في سورية  لعام 2014 .

وذكرت روان طارق – أحد مؤسسي حملة " مجندة مصرية"، أن فكرة الحملة تعود إلى ماقبل ثورة يناير، عندما التقت بأفكارها مع اثنتين من المؤسسين للحملة وهن جهاد الكومي وأحلام أسامة، واجتمعن على حلم تجنيد الفتيات المصريات في الجيش، من منطلق خدمة الوطن وأن الفتيات لا تقل قوة وشجاعة عن الذكور.

وأضافت روان أنها كانت تحلم بذلك وأفصحت عنه عندما كان يتم توجيه سؤال لها عن حلمها في المستقبل أو المهنة التي تريد أن تعمل بها لتقول " ضابطة في الجيش ".

وتابعت أنها كانت تدرس في الصف الثالث الثانوي وتتمنى أن تلتحق بقسم الطيران في الكلية الفنية العسكرية.

وأشارت إلى أن النساء المصريات قاتلن منذ العدوان الثلاثي علي مصر في 1956 وحاربن المحتل مثل الرجال وحملن السلاح فلماذا الآن وبعد مرور هذه السنوات لا يعقل أن ترفض الفتيات من المشاركة في خدمة وطنها في الجيش.

وأفادت مؤسسة الحملة، أن النساء على مدار السنوات يقدمن التضحيات مثل الرجال، والعالم أجمع يشهد على الدور الذي لعبته النساء في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مؤكدة أن دستور 2014 نص على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.

وزادت روان أن أولى خطوات تفعيل هذه المواد هو إتاحة الفرصة للنساء للتجنيد في الجيش اختياريًا، لأننا نعلم أن المجتمع مازال يحبو في تقبل مثل هذه الأفكار، والبعض يعتقد أن الفتاة مازال دورها المنزل وليس جبهات القتال.

وضربت روان أمثلة لنجاح سيدات في جيوش عربية، قائلة إن دولة الإمارات نجحت في أن يكون لديها أول قائدة طيارة حربية في الوطن العربي وهي كانت قائد السرب الذي وجه ضربات لـ"داعش" ومن ثم نحن كنساء مصر لسن أقل من فتيات أي دولة أخرى.

وبسؤالها عن الهجوم الذي تتعرض له حملة "مجندة مصرية" ، قالت "البعض يرد قائلا " أما الرجالة تموت تبقى الستات تحارب"، والبعض يقول "أننا مجتمع متدين لن يقبل ذلك بالرغم أن النساء حاربن في زمن الرسول وأبرزهن السيدة أم عمارة رضي الله عنها التي دافعت عن النبي صلي الله عليه وسلم في غزوة "أحد "، ومن ثم تجنيد الفتيات ليس ضد الدين.

وكشفت مؤسسة حملة "مجندة مصرية" على أن عدد المشتركين على صفحة التواصل الاجتماعي للحملة وصل إلى 12 ألف فتاة تتراوح أعمارهن ما بين 14 إلى 30 عامًا، جميعهن يؤمن بالفكرة، وعلى أهبة الاستعداد للتجنيد، بل يوجد بينهن فتيات من الصعيد والأقاليم ويتمعن بدعم قوي من عائلتهن.

وبسؤالها عن أي ردود رسمية من جهات الدولة، أوضحت روان "لم نحصل على رد على مطالب الحملة حتى الآن، ولا نلقي دعم إلا من المجلس القومي للمرأة والجمعية العمومية لنساء مصر، ولكن نحن نناشد بمقابلة الرئيس السيسي أو وزير الدفاع لطرح أفكارنا عليه .

ومن جانبها، ذكرت جهاد الكومي – أحد مؤسسي حملة " مجندة مصرية"- أن الحملة نظمت عدة فاعليات في جامعات القاهرة وعين شمس والمنصورة والإسكندرية، ولاقت ترحيبًا كبيرًا من عمداء الكليات والأسر والاتحادات الطلابية، بل تفاعلت الطالبات معها ووقعن 7 آلاف استمارة للحملة.

وأضافت أن الحملة واجهتها أيضًا تعليقات غير لائقة من الطلاب الذكور لن تثنينا عن الاستمرار في الحملة.

وبينت الكومي أن الاستمارة تضم أهداف الحملة وتوقيع الفتاة الراغبة في الانضمام اليها ولتنفيذ مطالبها باسمها ورقمها القومي والمحافظة التي تنتمي اليها، مشيرة إلى أن الحملة سوف تسلم هذه الاستمارات إلى مجلس النواب المقبل ليتم تشريع قانون يمكن الفتيات المصريات من التجنيد في الجيش .

ولفتت إلى أن أهداف الحملة إنشاء كليات عسكرية مقتصرة على الفتيات لتدريبهن على حمل السلاح لكي تكون على أتم استعداد في حالات الحروب والطوارئ، وذلك من خلال وحدات عسكرية غير مشتركة للبنات فقط.

واستطردت الكومي أن الحملة تستهدف إنشاء مدارس عسكرية للفتيات، فنساء مصر قادرات على المواجهة والدفاع عن الوطن، ففي الوقت الذي نستمع إلى حملات الهجوم على الجيش المصري ونجد بعض أشباه الرجال والشباب على مواقع التواصل الاجتماعي يدشنون حملة " اخلع واهرب من الجيش ".

ومن جانبها أكدت الكومي، أن الجيش المصري يعتبر من أفضل عشرة جيوش في  العالم، وكل الجيوش التي سبقت الجيش تجند لديها فتيات، بل هناك دول عربية وإسلامية لا تقل محافظة على التدين والعادات والتقاليد من مصر وهي السعودية والإمارات وأفغانستان، ولتبقى مصر الدولة الوحيدة في العالم العربي التي ترفض تجنيد الفتيات.

ولفتت إلى تجنيد الفتيات سوف يلعب دور كبير في استغلالهن في فض المظاهرات وأحداث الشغب التي تشترك فيها فتيات، بل كان وجودهن مفيدًا خلال الأربع سنوات الماضية في فض مظاهرات بدل الدعوات التي يطلقها بعض الناشطات من تحرش الأمن بهن أثناء القبض عليهن.

وبجولة "مصر اليوم" لمعرفة ردود فعل حول فكرة حملة "مجندة مصرية" قابلنا علي محمد – طالب بالفرقة الثانية في تجارة جامعة القاهرة – بضحكة ساخرة قائلًا " لما البنات تدخل الجيش وتتجند إحنا هنتجوز مين بعد ما نتخرج ونخلص الجيش، مؤكدًا أنها فكرة غير مقبولة اجتماعيًا في مصر.

وتابع أن أغلب الأسر المصرية لن تقبل لفتياتها السفر في معسكرات خارج القاهرة لأكثر من 40 يوم كتلك التي يقضيها الفتى مع بدايات تجنيده بالجيش.

بينما قالت هدي سيد – إعدادي هندسة عين شمس- أنها توافق على التجنيد في الجيش بشرط توظيفها في تخصصها بعد انتهاء مدة التجنيد، فهي ليس لديها مانع من التدريب على الأسلحة أو ما إلى ذلك، ولكن يتم الاستفادة بدراستها كمهندسة في إحدى الكليات الفنية العسكرية التي لا تقبل سوى ذكور فقط.

وتقول سعاد محمد – أولى آداب عين شمس – أنها توافق على التجنيد بكل قوة خاصة أن الفتاة المصرية نجحت في كافة المجالات، ومن حقها تشعر بمواطنتها وأنها تخدم الوطن مثل الرجل.

وتقول الدكتورة آمنة نصير استاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية في فرع جامعة الأزهر في الإسكندرية - أنها تؤيد حملة " مجندة مصرية " بكل قوة، فالعهد النبوي يضم العشرات من النساء المسلمات المجاهدات اللاتي خضن حروبًا وقتالًا عظيمًا، مضيفة "أنه لو عاد بها العمر لطالبت بالانضمام والتجنيد في الجيش المصري".

وذكرت نصير أن هناك العشرات من النساء المقاتلات اللاتي كن أقدر من الرجال في الحرب وتعلم فنون القتال ومنهم السيدة نسيبة بنت كعب، وأم عمارة التي شاركت الرسول في غزة "أحد" وهي من ظلت تدافع عن الرسول وتحارب معه حتى أنها كانت تلقي الضربات من خلفها.

واختتمت نصير حديثها أن النساء المصريات قادرات على الدفاع عن وطنهن بمشاركة الرجال، وأن حمل وتدريب المرأة على السلاح لا ينقص من الرجال في شيء بل يؤكد احترام النساء للدور الذي يقدموه ورغبتهن في التضحية معهم للحفاظ على أمن الوطن .

ويرى الدكتور حسن سند – أستاذ القانون بجامعة المنيا وعضو المجلس القومي للمرأة – أن حملة "مجندة مصرية" هي بمثابة تفعيل لمواد الدستور المصري الجديد لعام 2014 في مادته 11 والتي تنص على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة و الرجل في جميع الحقوق المدنية السياسية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور.

ونوه إلى أنه يؤيد الفكرة وبكل تأكيد سوف يتم مراعاة ظروف النوع في التجنيد، فلن يتم تجنيد النساء في الخطوط الأولى للقتال، ولكن ليس هناك ما يمنع من تدريبهن على حمل السلاح بأنواعه المختلفة واستغلالهن في تأمين المنشآت والمؤسسات .

وتابع سند أن تجنيد الفتيات بالقوات المسلحة لايحتاج تشريعات جديدة بل كل ما تطلبه هو تعديل في قانون العسكرية وبدلًا من نصه على التجنيد الإجباري للذكور فقط، يتم إضافة السماح للفتيات للتجنيد وفقًا للمواصفات الفنية المطلوبة

واقترح سند تفعيل قانون الخدمة العامة بشكل واقعي بدلًا من تحوله إلى مجرد شهادة ورقية تحصل عليها الفتيات، بالرغم من أن القانون ينص على تأدية حاملي المؤهلات العليا من الفتيات على خدمة عامة لمدة سنة، مشيرًا إلى أن ذلك لا يطبق على أرض الواقع.

وأيد العقيد حاتم صابر – خبير مقاومة الإرهاب الدولي – الأفكار النبيلة التي تطرحها مؤسسي حملة "مجندة مصرية " ولكن بشروط وضوابط محددة، مؤكدًا أن القوات المسلحة المصرية يمكن أن تستقبل الفتيات المصريات اللاتي يرغبن في العمل بها في قطاعات مختلفة وميادين عمل متنوعة مثل أقسام الطب والصيدلة ونظم المعلومات والترجمة والتمريض والتنظيم وإدارة الأعمال، بل يمكن تلقي خريجات كليات التربية الرياضية للعمل في دور ونوادي وفنادق القوات المسلحة ليعملن كمدربات على أعلى مستوى مهني وفني .

ولا يتفق العقيد حاتم صابر مع دعوات حمل الفتيات السلاح وقتالهن علي الجبهة، واصفًا إياها بأنها دعوات غير منطقية بل مستحيلة وغير قابلة للتنفيذ لعدة أسباب منها الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يرفض أن تسافر الفتيات وتقيم لأكثر من 21 يومًا في الجبال ونزولها أسبوع فقط مثل الذكور، فلن تقبل أي أسرة على فتياتها بتلك الظروف الصعبة من العمل.

وزاد أن اللياقة البدنية للفتيات في مصر ضعيفة جدًا ولا يمكن مقارنها بمجندات الجيش الأميركي أو الإيطالي أو دولة أخرى.

وأكد صابر أن دعوة حملة "مجندة مصرية " هي أفكار متوقعة من بنات مصريات مخلصات لوطنهن، بما يمثل صفعة قوية لأشباه الرجال الذين دشنوا حملات على "فيسبوك" تحت عنوان " اخلع " للهروب من التجنيد الإجباري .

وأكدت منال الدماطي – رئيس الجمعية العمومية لنساء مصر – أن تجنيد الفتيات بالجيش هو محاولة لاستغلال طاقاتهن الإيجابية في بناء الوطن واستغلال قدراتهن الناجحة في مختلف المجالات.

وأشارت الدماطي إلى أن الفتيات لا ينقصن كفاءة في التدريب على حمل السلاح مثل الرجال وبطولات نادي الصيد والجزيرة تشهد على تفوقهن في رياضات السلاح والرماية.

وناشدت الرئيس السيسي لتلبية مطالب حملة "مجندة مصرية"، وتطبيق الدستور التي كفل لهم حق العمل في كافة الوظائف دون تمييز، معترفًا بالمساواة بين الرجال والنساء.