سيدة أفغانستان الأولى اللبنانية الأصل السيدة رولا غني

حظيت سيدة أفغانستان الأولى اللبنانية الأصل، السيدة رولا غني، باستقبال حافل في واشنطن؛ إذ كان أول ظهور علني لها في الولايات المتحدة الأميركية بعد نحو 5 أشهر من الاضطرابات السياسية في البلاد، منذ تولى زوجها أشرف غني مقاليد الحُكم في أيلول/ سبتمبر الماضي.

ويمثل سفر السيدة رولا إلى الغرب وحدها، وظهورها علنًا دون غطاء الرأس، تحديًّا لتاريخ أفغانستان المحافظ.

الاستقبال الحافل الذي حظيته به رولا جاء على طرف النقيض من الاستقبال الذي تلقته في وطنها؛ إذ تثار الانتقادات حولها بشأن خلفيتها الدينية وآرائها العصرية والمشاعر العدائية في المجتمع التقليدي الذكوري، الذي لا يُسمح فيه للمرأة بالخروج من بيتها دون ارتداء "الحجاب".

وعّدلت رولا، خلال مقابلاتها وخطبها الأخيرة، من أسلوبها وحرصت على التخلص من صورتها "مناضلة نسوية دخيلة على عالم الأفغان المحافظين الأكبر سنًا"، لكن من دون إبعاد جيل صاعد من الشابات الأفغانيات المتعلمات اللائي يمثلن لهنّ نموذجًا يتطلعنّ إليه.

زارت سيدة أفغانستان الولايات المتحدة، التي قضت فيها قسمًا كبيرًا من حياتها كما يقيم ابنها وابنتها، ثم توجهت الأسبوع الماضي إلى ولاية تكساس؛ للقيام بزيارة مع السيدة الأولى السابقة للولايات المتحدة، لورا بوش، التي دعمت قضية المرأة الأفغانية لفترة طويلة.

وشهدت رولا، خلال الأسبوع الجاري في واشنطن، اجتماعات مجالس إدارة منظمات خيرية، وكذلك التقت مجموعة من الأصدقاء الأفغان والأميركيين، وتحدثت، الأربعاء الماضي، أمام نحو 200 شخصًا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي يعد واحدًا من مراكز الأبحاث في واشنطن.

تلقت رولا تعليمها في باريس والولايات المتحدة، والتقت زوجها في الجامعة الأميركية في بيروت.

وأكدت أنها مسيحية دون التحدث بالتفصيل عن معتقداتها الدينية، وعوضًا عن ذلك أكدت على أوجه الشبه بين الثقافتين اللبنانية والأفغانية، وأنها تعلمت الصلاة باللغة العربية.

جاءت تعليقاتها عن المرأة داخل إطار من الإشارات إلى القرآن والإسلام في خطوة ذات بعد استراتيجي، وقالت: "للمرأة مكانة مميزة في الإسلام، والتاريخ الأفغاني زاخر بالقيادات النسائية المبهرة"، مشيرة إلى أنَّ زوجة الرسول محمد كانت سيدة أعمال نافذة، وأنَّ الملكة ثريا طرزي، زوجة الملك الأفغاني المعروف بنهجه الإصلاحي خلال عشرينيات القرن الماضي، ساعدت في تأسيس نظام تعليم حديث في البلاد.

مع ذلك، قللت رولا من شأن تطلعاتها نحو السلطة، إذ أوضحت أنها ترى أنَّ دورها الجديد يتمثل في الإنصات إلى الأفغان الذين بحاجة إلى مساعدتها وتيسير أمورهم، ودافعت عن خليفتها في المنصب، زنات كرزاي، الطبيبة التي ظلت متوارية عن أنظار العامة طوال سنوات تولي حميد كرزاي الرئاسة، وقالت إنه لا ينبغي إلقاء اللائمة عليها؛ لبقائها في المنزل وتربيتها أطفالها في عزلة.

كذلك حاولت تجنب الحديث عن قضية حقوق المرأة الشائكة، مصرحة بأنَّ الصحافة الأجنبية والمنظمات، التي تقدم مساعدات، تبالغ بشكل غير عادل في الحديث عن نكبات المرأة الأفغانية الموثقة، التي تشمل التعرض للإساءة داخل الأسرة، والإجبار على الزواج المبكر، ومقايضة العرائس، والحبس بتهمة الهروب مع رجل، وتعجبت رولا ضاحكة: "إنهم يقولون إنَّ أفغانستان هي أسوأ دولة تولد بها فتاة. وهذا هراء".

رغم موقف رولا المتوازن وتعاملها بذكاء مع الوضع، كان هذا الموقف بالأساس نتيجة مباشرة للإدانة التي واجهتها في بلادها، التي تتعلق بديانتها المسيحية، وميلادها في الخارج، وبالضرر المحتمل الذي تخشى الحكومة الجديدة أنَّ يلحقه هذا الجدل بجهود زوجها المسلم في تحديث الدولة التي تعاني اقتصاديًا وترزح تحت وطأة الصراعات.

يمثل المسلمون 99% من سكان أفغانستان، ويعد التحول إلى الديانة المسيحية جريمة تستوجب الإعدام، كذلك جعلت هزيمة قوات الاتحاد السوفيتي على أيدي جماعات مسلحة أفغانية دينية، وما أعقبها من سنوات شهدت حكم حركة طالبان في تسعينات القرن الماضي، من المجتمع الأفغاني مجتمعًا محافظًا أكثر مما كان عليه في بداية فترة السبعينات، عندما وفدت رولا إلى البلاد للمرة الأولى كعروس.

يسعى الرئيس، وهو مسؤول بارز سابق في المصرف الدولي، إلى إحداث ثورة في الثقافة الرسمية البطيئة، الفاسدة، المتجمدة، لبلاده سريعًا، وسرعان ما أصبح له الكثير من الأعداء.

وأثناء فترة ترشحه بدأت حملة تشويه ضد زوجته؛ إذ حذر المنتقدون من احتمال سعيها إلى دفع الأفغانيات إلى اعتناق ديانتها، وتلاعبوا ببعض الصور إذ يظهر زوجها وهو يصلي في كنيسة.

بل ووصل الأمر إلى حد نصحه بتطليقها، ومع ذلك يوم أدائه للقسم كرئيس للبلاد، أثنى الرئيس الجديد على رولا، مشيرًا إليها بشريكة حياته في لفتة غير مسبوقة.

وخلال مقابلات تالية أثارت تصريحاتها، التي أوضحت خلالها ضرورة مشاركة المرأة في مجال التجارة، والحياة المهنية والعامة، موجة من الانتقادات، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني أثارت موجة جديدة من الجدل بقولها إنها دعمت حظر الحكومة الفرنسية على المسلمات ارتداء النقاب مضيفة أنها لن ترتدِ النقاب أبدًا، لكن  مسؤولون معاونون في الحكومة ذكروا لاحقًا أنه تم نقل تصريحاتها بشكل غير دقيق.

الآن وبعد فترة من العزلة النسبية، تطل السيدة الأولى من جديد بشخصية جديدة أقل إثارة للجدل، ويشار إليها رسميًا باسم "بيبي غول"، وهو لقب تقليدي أفغاني يعني سيدة الزهرة.

وأكدت خلال تصريحات أخيرة لها على عدم اعتزامها استغلال منصبها في تحدي القيم الأفغانية، وقالت في إحدى المقابلات: "ليس هدفي إحداث ثورة، أنا هنا لأساعد السيدات في ترسيخ مكانتهن داخل الأسرة".

وخلال ظهورها، الأربعاء الماضي، حاولت أنَّ تفرق بين الرؤية المعتدلة للإسلام، التي سادت المجتمع الأفغاني خلال سبعينات القرن الماضي، والرؤية المتعصبة السائدة اليوم التي روجت لها حركة طالبان وجماعات متطرفة أخرى والتي قالت عنها إنها شوهت صورة الإسلام الحقيقية، مضيفة: "يجب علينا العودة إلى الأصول".

وظلت رولا طوال فترة المناقشة تقريبًا تعبر عن النهج الرسمي بابتهاج وتتحدث بحماس عن أفغانستان، مؤكدة أنَّ "السماء لا تنهار"، كما حثت الطلبة الأفغان في الولايات المتحدة على العودة إلى أرض الوطن من أجل المشاركة في إعادة بنائه.

لم تفقد السيطرة على شعورها بالإحباط إلا في لحظات صدق قصيرة؛ فمثلاً اندفعت قائلة إنه لا يوجد "احترام للمرأة" في وزارتي الأمن الرئيسيتين، التي يسيطر عليهما خصوم زوجها من حيث العِرق منذ فترة طويلة.

وكان من بين الحضور نساء أفغانيات يعملنّ في تخصصات مهنية مختلفة، وطلبة، وزملاء أميركيون، من منظمات خيرية ومنظمات نسائية كثيرة، وفي حين عبّر الكثير منهم عن حماسته تجاه قدرة رولا على تغيير المجتمع الأفغاني، أشار آخرون إلى أنها ستظل مقيدة بسبب المناخ السياسي والديني المحافظ السائد.

وربما تساعد محاولات رولا تقديم نفسها كشخصية لا تمثل تهديدًا مثل الجدات في مواجهتها لمحاولات منتقديها تشويه سمعتها بزعم أنها تمثل نفوذًا أجنبيًّا يسعى للإفساد.

مع ذلك، يمثل سفرها إلى الغرب وحدها، وظهورها علنًا من دون غطاء للرأس، تحديًا لتاريخ أفغانستان، وفي عشرينات القرن الماضي عندما قامت الملكة ثريا بجولة أوروبية من دون غطاء للرأس، كان رد فعل المجتمع الأفغاني المحافظ سلبيًّا إلى الحدّ الذي أدى إلى سقوط حكومة زوجها بعدها بفترة قصيرة.