كابول ـ العرب اليوم
تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الثلاثاء، لقطات تظهر مظاهرة نسائية خرجت في العاصمة الأفغانية، للمرة الأولى منذ سيطرة حركة طالبان على كابول.ورددت المشاركات هتافات تطالب بالحصول على حقوقهن في العمل، بالحكومة ومجال الصحة والتعليم، وذلك أمام عناصر مسلحة من طالبان.وبعد أن باتت أفغانستان بيد حركة طالبان، تخشى النساء والفتيات اللواتي نشأ جيل كامل منهن مستفيدا من عديد الحقوق والحريات، التحول إلى الفئة الأضعف في البلاد. وترى العديدات أنهن عرضة اليوم لخسارة المكاسب المحققة بصعوبة خلال عقدين من الزمن، خصوصا بعد سقوط العاصمة كابول الأحد، وفرار الرئيس أشرف غني.
استكملت حركة طالبان الأحد اكتساحها لأغلب المدن في أفغانستان، ثم دخلت العاصمة كابول بدون قتال وسيطرت عليها بعد عقدين من الزمن على طردها منها. ويخشى أن تصبح النساء والفتيات من بين الفئات الهشة في المجتمع الأفغاني. فلطالما استهدفت الأفغانيات لمعارضتهن هجمات طالبان، أو حتى لتوليهن مناصب قيادية.وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أفادت في يوليو/ تموز أنه ومنذ مطلع 2021، تزايد عدد الضحايا المدنيين في أفغانستان بنحو 50 بالمئة، مع ارتفاع عدد القتلى والجرحى من النساء والأطفال بالمقارنة مع فترة الأشهر الستة الأولى من أي عام منذ بدء التسجيل في 2009. واتهمت الحكومة الأفغانية حركة طالبان بالضلوع في أغلب جرائم الاغتيال تلك.ومع سيطرة طالبان على البلاد، يخشى الكثير ضياع حقوق النساء مع إلغاء الحركة أغلب تلك الحريات التي انتزعنها خلال 20 عاما، بعد أن ساعدت الولايات المتحدة عبر القوات التي تقودها في الإشراف على مسار انتقال البلاد إلى الديمقراطية.بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأحد طالبان وجميع الأطراف الأفغانية الأخرى إلى ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس" وأبدى "قلقه خصوصا حيال مستقبل النساء والفتيات اللواتي يجب حماية حقوقهن المكتسبة بصعوبة".
فخلال سيطرتها على الحكم في الفترة ما بين 1996 و2001 لم يكن يُسمح للنساء بالعمل، وكانت طالبان تطبق عقوبات مثل الرجم والجلد والشنق.إلا أن الحركة قدمت الأحد في خطابها وجها أكثر اعتدالا فتعهدت باحترام حقوق المرأة وحماية الأجانب والأفغان على السواء. وقال المتحدث باسم طالبان محمد نعيم في تصريح لتلفزيون الجزيرة القطرية إن "الحركة لديها قنوات اتصال مع دول أجنبية وترغب في تنمية هذه القنوات". مضيفا أن "طالبان تحترم حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية". موضحا "ندعو كل الدول والكيانات إلى الجلوس معنا لتسوية أي مشكلات".وصرح متحدث باسم الحكومة الأفغانية قبل ذلك في 13 أغسطس/آب أن "طالبان سوف تتراجع عن الحرية في جميع المستويات وهذا ما نحاربه". مضيفا أن "النساء والأطفال هم الأكثر معاناة وقواتنا تحاول إنقاذ الديمقراطية. على العالم أن يفهمنا ويساعدنا".
ومع سقوط كابول، يخشى أن يكون الأوان قد فات لإطلاق مناشدات والحصول على المساعدة. فقد أفادت تقارير عديدة بقيام طالبان بتفقد منازل المواطنين لإعداد قوائم للنساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 45 عاما، بغرض تزويجهن قسرا من المقاتلين الإسلاميين. وفي نفس الوقت أخطرت الحركة النساء بوجوب عدم مغادرة المنزل إلا في حال رافقهن الرجال. وأنه لم يعد بإمكانهن العمل أو الدراسة أو اختيار الملابس التي يرغبن في ارتدائها بحرية. وأقفلت المدارس أيضا. لكن طالبان تنفي العودة لتلك الممارسات.
وبالنسبة لجيل كامل من الأفغانيات اللواتي نجحن في اقتحام الحياة العامة والعمل كمشرعات وصحافيات ومحافظات وطبيبات وممرضات ومعلمات وعاملات في الإدارات العامة، فإن خسارة كبيرة تنتظرهن.
وكان جيل كامل من النساء يعمل بجهد جنبا إلى جنب مع الرجال، في مجتمع محافظ من تلك المجتمعات حيث من غير المعتاد أن يتقلدن مناصب عليا، أو المساهمة في بناء مجتمع مدني تسوده الديمقراطية. وكل تلك الجهود من أجل إتاحة الأجيال القادمة من النساء التمتع بمكاسبهن.زهرة تبلغ من العمر 26 عاما، من بين العديد من الشابات اللواتي يخشين تبدد تعليمهن وطموحاتهن، بعد أن شاهدت مساء الخميس طالبان وهي تجتاح مسقط رأسها هرات، ثالث أكبر مدينة في أفغانستان، ورأت مسلحي الحركة يرفعون أعلامهم.وصرحت زهرة التي تعمل في منظمة غير ربحية لتوعية النساء، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس: "أنا تحت وقع صدمة كبيرة" مضيفة "كيف بات ممكنا بالنسبة لي كامرأة عملت بجد وحاولت التعلم والتقدم، أن أضطر الآن إلى التخفي والمكوث في البيت؟". وكانت زهرة قد توقفت عن الذهاب إلى المكتب منذ شهر مع تقدم طالبان، وشرعت في العمل عن بعد من المنزل. لكنها لم تتمكن من العمل منذ الخميس.
هذا، ولم تجد العديد من النساء الأفغانيات المتعلمات من مفر سوى منصات التواصل لطلب المساعدة أو التعبير عن إحباطهن. وفي هذا السياق، قالت المصورة الأفغانية رادا أكبر على تويتر أمام زحف طالبان "مع انهيار كل مدينة، تنهار أجساد بشرية، تنهار الأحلام، ينهار التاريخ والمستقبل، ينهار الفن والثقافة، تنهار الحياة والجمال، وينهار عالمنا.. رجاء ليوقف أحدكم هذا".
و قالت فرخندة زهرة نادري، المشرعة السابقة وكبيرة مستشاري الأمم المتحدة للرئيس أشرف غني، وعضو المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان، والتي رأت بلادها تنفتح على مدار 20 عاما لتصبح جزءا من المجتمع الدولي، في مقابلة مع بلومبرغ "خوفي الأكبر الآن هو أنهم يقومون بتهميش النساء اللواتي عملن في هذه المناصب القيادية، واللاتي كان لهن صوت قوي ضد أقوى المسيئين، بل ويعملون معهم على تغيير الوضع ميدانيا". وتساءلت "إذا ما قاموا بتصفية هؤلاء القادة، من سيدافع عن المكاسب التي حصلت عليها النساء على مدار العشرين عاما الماضية؟".
ولطالما أكد قادة طالبان خلال محادثاتهم مع القادة الغربيين وغيرهم، أن المرأة ستستمر في التمتع بحقوق متساوية لكن وفقا "للشريعة الإسلامية"، بما في ذلك الحق في العمل والتعليم. إلا أن الواقع في المدن التي اجتاحها المتمردون، يظهر أن النساء بدأن خسارة وظائفهن لصالح الرجال. حتى إن موظفات في فرعين مصرفيين أحدهما في قندهار والآخر في هرات، قد تعرضن للهرسلة والمعاقبة من قبل مسلحين من طالبان في يوليو/ تموز. فاصطحب المقاتلون النساء إلى منازلهن وأمروهن بعدم العودة إلى عملهن الذي سيشغله بدلا عنهن أقاربهن من الرجال.
وصرحت نور خاطره (43 عاما) والتي كانت تعمل في قسم الحسابات في البنك "من الغريب حقا ألا يكون العمل مسموحا، لكن الآن هذا ما هو عليه الأمر". مضيفة "لقد تعلمت اللغة الإنكليزية بنفسي وأتقنت العمل على الكمبيوتر، لكن الآن سأضطر إلى البحث عن مكان يمكنني العمل فيه مع النساء فقط".
عندما حكمت طالبان المتشددة البلاد من 1996 إلى 2001، تم فرض الشريعة الإسلامية. وبات العمل غير مسموح للمرأة، كما منعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس، وكان على النساء تغطية وجوههن في الأماكن العامة، ودائما ما يصطحبهن رجل من أقربائهن إذا ما أردن الخروج من المنزل.أما النساء اللواتي خالفن تلك القواعد المتشددة، فقد تعرضن في بعض الأحيان للإذلال والضرب العلني على أيدي الشرطة الدينية. وأقدمت الحركة على تنفيذ عمليات إعدام علنية، وتم معاقبة اللصوص بقطع الأيدي ورجم النساء اللواتي اتهمن بارتكاب الزنا.
ورغم أن التقارير لم تورد حتى الساعة ممارسة الحركة لمثل تلك الفظائع في المناطق التي خضعت مؤخرا لسيطرتها، فقد تم مؤخرا الإبلاغ عن معاملة طالبان للنساء والفتيات بشكل يوحي بأنها عازمة على العودة إلى تلك الممارسات.اعتبرت نائب رئيس الجامعة الأميركية في أفغانستان فيكتوريا فونتان في تصريح لها، بأن وضع النساء والفتيات الأفغانيات قاتم للغاية، خصوصا
منهن الطالبات. وقالت الأستاذة فونتان إن "بعض طالباتها مختبئات في مدينتي قندهار وهرات" اللتين وقعتا آنها تحت سيطرة طالبان.كما قالت فونتان إن "الحياة صعبة للغاية بالنسبة لهن"، متسائلة "هل سيتمكنن من استكمال دراستهن عبر الإنترنت أم لا؟"، مشيرة إلى أن "الاتصالات السلكية واللاسلكية ستكون أداة استراتيجية ورئيسية بالنسبة لطالبان. وبما أن شريان الحياة الوحيد المتبقي (للطلاب) هو شبكة الإنترنت، فهم قلقون للغاية من البقاء في منازلهم وعدم التمكن من مزاولة الدراسة".ورغم كل هذا، يبقى البعض مثل ماريان أوجرادي وهي نائبة المدير القطري لمنظمة "كار إنترناشيونال" في كابول، متفائلون. حيث إنها تظن أن إنجازات المرأة المحققة على مدى العقدين الماضيين سيكون من الصعب تبديدها.
وفي نفس السياق، صرحت أوجرادي لوكالة أسوشيتد برس "لا يمكن إلغاء التعليم الذي حصل عليه الملايين من الناس". مضيفة "إن تم إعادة النساء إلى خلف الجدران ولم يكن بمقدورهن الخروج، بإمكانهن الآن على الأقل تعليم أبناء عمومتهن وجيرانهن وأطفالهن بطرق لم تكن متاحة قبل 25 عاما". لكن كثيرا من النساء قررن الهرب، حيث سجل فرار حوالي 250 ألف أفغاني من ديارهم منذ شهر مايو/أيار، 80 بالمئة منهم من النساء والأطفال، حسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين.وبعد أن أكد الأحد الرئيس الأفغاني الفار أشرف غني أن مغادرته البلاد كانت لتفادي الدمار وإراقة الدماء، إلا أن رسالته ستكون جوفاء بالنسبة للأفغانيات، اللواتي يشاهدن أعمالا انتقامية وانقلابا على الحريات التي كن يتمتعن بها سابقا.وتتذكر زارمينا كاكار الناشطة في مجال حقوق المرأة والبالغة 26 عاما المقيمة في كابول، ما وقع في عهد طالبان، حين رافقتها والدتها لشراء البوظة فتعرضت للجلد على يد أحد عناصر طالبان لأنها كشفت عن وجهها "للحظات". وصرحت كاكار للأسوشيتد برس "اليوم ومرة أخرى، أشعر بأنه وإن سيطرت طالبان على السلطة، فسوف نعود إلى نفس الأيام المظلمة".
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
وفاة 5 أشخاص أثناء محاولة المئات ركوب طائرات عنوة لمغادرة العاصمة الأفغانية
الشرطة الأفغانية تعلن عن 3 انفجارات منفصلة في العاصمة الأفغانية كابول تخلف 5 قتلى على الأقل وجريحين