لندن - مصر اليوم
يصيب التهاب الفقرات التيبسي شخصًا من بين 3000 تقريبًا، وخصوصًا الشريحة العمرية من 15 إلى 40 عامًا، ويطاول الذكور بمعدل 9 مرات أكثر مقارنة من الإناث. ويؤثر مرض التهاب الفقرات التيبسي أكثر ما يؤثر في المفاصل الفقرية في الظهر، خصوصًا تلك التي تقع أسفل العمود الفقري، غير أن شرارته يمكن أن تطاول مفاصل أخرى في الجسم، ومنها المفصل الحرقفي العجزي.
وتميل الأعراض في الظهور إلى العلن في مرحلة المراهقة المتأخرة أو في أوائل البلوغ، وهي تتطور تدريجيًا على مدى أشهر وسنوات بحيث تأتي حيناً وترحل في حين آخر. لكن مع مرور الوقت، تنحني القامة نتيجة الهجمات الالتهابية المستمرة في المفاصل الفقرية والأوتار والأربطة المحيطة بها. ويمكن أن يشكو المريض في المراحل المبكرة للمرض من الحمى، وفقدان الشهية على الأكل، والخمول العام.
ولم يتفق العلماء بعد على مسببات مرض التهاب الفقرات التيبسي، فهي ما زالت غير مفهومة وفيها الكثير من الأخذ والرد. وعلى ما يبدو هناك عوامل عدة تتآمر منفردة أو مجتمعة على إشعال فتيل الداء، ويتهم بعضهم العامل الوراثي بسبب رصد المرض في عائلات أكثر من غيرها، اذ لوحظ أن القسم الأعظم من المرضى يملكون مضاد كريات الدم الإنساني بي27.
وفي الأعوام الأخيرة بدأت شكوك العلماء تتجه نحو اتهام الجهاز المناعي باندلاظع مرض التهاب الفقرات التيبسي، اذ يقوم هذا الجهاز، لسبب أو لآخر، بصب جام غضبه على الأنسجة الفقرية، مطلقاً أجساماً مضادة تثير زوابع التهابية ما بين الفينة والأخرى، تنتهي بنشوء تكلسات والتصاقات تؤدي مع مرور الوقت إلى فقدان المجال الطبيعي لحركة العمود الفقري.
ويمكن لالتهاب الفقرات التيبسي أن يتحرك على وقع بعض الاضطرابات النفسية والأمراض الميكروبية الكامنة والصريحة، والضغوط الحياتية العابرة أو المستمرة، سواء كانت عائلية أم اجتماعية أم مهنية. وتنتهي جولات التهاب الفقرات التيبسي بمضاعفات مؤذية، تختلف من شخص إلى آخر، لكنها تلوح في الأفق تباعاً مع تقدم المرض، ومن هذه المضاعفات:
- صعوبة الوقوف والمشي، وتحدث هذه نتيجة التحام المفاصل الفقرية ببعضها بعضاً، ما يؤدي إلى نقص المرونة في العمود الفقري، الأمر الذي يخلق صعوبات على صعيد الوقوف والمشي وهذا بالتالي يؤثر في النشاطات اليومية للمصاب، وصعوبة التنفس، وترجع هذه إلى الالتهاب الذي ينال من مفاصل عظام الصدر، ما يؤدي إلى التحامها وعجزها عن القيام بالحركات الطبيعية لتأمين عمليات الشهيق والزفير، واضطرابات قلبية، وهي تحصل بسبب امتداد الحيثيات الالتهابية لمرض التهاب الفقرات التيبسي الى شرايين القلب وصماماته، ومضاعفات أخرى، مثل التهاب قزحية العين، والتهاب الأمعاء، وفقر الدم، والتهابات مفصلية في مواقع أخرى من الجسم غير الفقرات.
ويتم تشخيص المرض بناء على المعطيات السريرية والشعاعية والمخبرية. وبعد ذلك يخوض الطبيب في تفاصل العلاج الذي يشمل ممارسة الرياضة، والقيام بتدريبات معينة، خصوصاً الحركات التنفسية والحركات اليومية من الالتواء والانحناء والدوران، ووصف بعض الأدوية من أجل تضييق الخناق على الحوادث الالتهابية والسيطرة على الألم، وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر حقن الأدوية الستيروئيدية.
واذا لم تعط العلاجات السابقة نفعاً في السيطرة على المرض، يبقى اللجوء إلى العلاج البيولوجي بمضادات ت.ن.ف. هو الأمل الوحيد لبعض المرضى، فهو يحد من الالتهاب ويخفف من الألم ويقلل من التيبس، لكن على المريض أن يعلم بأن العلاج باهظ الثمن ويستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى أشهر عدة، والمهم أن يطبق باكراً ما أمكن للحصول على نتائج طيبة.
ولا يوجد علاج يشفي من مرض التهاب الفقرات التيبسي، ومن الصعب جداً التنبؤ بالمسار الذي سيسلكه وسط عوارضه التي تهب حيناً وتهدأ في حين آخر، ومع ذلك فإن معظم المصابين به يستطيعون العيش حياة طبيعية مقبولة في حال كانت الأضرار محدودة.
ويبقى العلاج الطبيعي هو المحور الأساس لمنع تطور المرض والحد من تفاقم عوارضه، وكلما بدأ تطبيق هذا العلاج باكراً وبصورة منتظمة حقق نتائج أفضل، خصوصاً من ناحية حركة المفاصل والقوة العضلية، لكن المشكلة الكبرى أن تشخيص المرض قد يتأخر من خمس إلى عشر سنوات بسبب تقاعس المرضى في طلب المشورة، وأيضاً لعدم دراية الأطباء بهذا الداء المنتشر الذي تقول عنه الإحصاءات أن انتشاره يعادل مرض التهاب المفاصل الروماتيزمي.