لندن - مصر اليوم
قد يبدو نمو غابة في غضون عام واحد فقط في الفناء الخلفي للمنزل أو في فناء المدرسة أو في موقف انتظار سيارات يستوعب 6 سيارات فقط، أو في الصحراء، بمثابة أمر غير معقول، ولكن هذا هو ما يفعله رائد الأعمال البيئية الهندي، شوبهيندو شارما، فقد أنشأت مجموعة «أفوريست» ومقرها الهند، التي يملكها شارما، 140 غابة صغيرة في 44 مدينة حول العالم، بما في ذلك الهند والولايات المتحدة وسنغافورة وآيرلندا وفرنسا وكينيا وأستراليا وهولندا ومسقط وماليزيا وكنساس وإيران.
- كيف حصل ذلك؟
يتبع شارما طريقة عالم أحياء ياباني في أعمال «أفوريست»، ولكنّه عدّل هذه الطريقة ليجعل الأشجار تنمو بمعدل أسرع بعشرة أضعاف المعدل الذي تنمو به في الطبيعة، مما يؤدي إلى إنشاء غابات مكتفية ذاتياً في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات فقط، ويقول شارما إنه «بينما تستغرق الغابة في العادة مائة عام لتزهر فإنّ الغابة التي يصنعها تنمو بمعدل أسرع بعشر مرات، وتكون أكثر كثافة بـ30 مرة، ويكون بها تنوع حيوي أكثر بـ100 مرة».
واليوم، تروّج شركته «أفوريست» لطريقة خاصة بها لزراعة الغابات المحلية الكثيفة، وسريعة النمو في الأراضي القاحلة، وذلك باستخدام خبرة شارما في تصنيع السيارات لإنشاء نظام يمكنه من إنشاء غابة متعددة الطبقات تتكون من 300 شجرة تنمو على مساحة صغيرة، مثل مساحة موقف انتظار سيارات يستوعب 6 سيارات، وذلك بأقل من سعر جهاز هاتف محمول لشركة «آيفون».
ويعمل شارما الآن على إعادة إحياء ضفاف نهر بيروت في لبنان، الذي كان في يوم من الأيام مكاناً للاحتفال إبان الحكم الروماني، ويُعدّ هذا المشروع جزءاً من جهد أكبر من قبل منظمة الهندسة المعمارية اللبنانية والبيئية TheOtherDada، وقبل عقود قليلة، اعتاد الأرمن المقيمون في ضاحية برج حمود في بيروت على الاحتفال بالفارتافار هناك، وهو مهرجان لرشّ المياه، ولكن تلك الأيام قد ولَّت منذ زمن بعيد، وزار فريق شارما بيروت مؤخراً لإنشاء غابة حضرية في منطقة سِن الفيل وذلك في محاولة لإنقاذ نهر بيروت.
وبدأت الفكرة حينما تطوع شارما لمساعدة عالم الطبيعة الياباني، أكيرا مياواكي، بزراعة غابة في أرض جرداء في مصنع سيارات «تويوتا» الذي كان يعمل به حينها، الأمر الذي جعله يفكر في حقيقة أن سكان المدينة بحاجة إلى الأشجار، كما أنه رغب في اتباع نهج مختلف في الحياة. ويقول شارما: «لقد ألهمتني هذه الفكرة أن أمارس زراعة الغابات كمهنة بدوام كامل».
ونظراً لحاجتها المحدودة إلى وجود مساحة ولتعدّد استخداماتها، فإنّه يمكن زراعة هذه الغابات الصغيرة بسهولة في جميع أنواع الأماكن، والمناطق المحيطة، سواء كان ذلك بالقرب من الأحياء السكنية، أو في الأراضي البور، ولهذا السبب، باتت «أفوريست» تعمل في جميع أنحاء العالم، وتعمل المجموعة حالياً على إنشاء 100 غابة في هولندا، كما أصبح شارما أحد المتحدثين الدائمين في منتديات Ted Talks، وكثير من المنصّات العالمية الأخرى.
وتوصّلت «أفوريست» لهذه الطريقة، عن طريق إنشاء برنامج إلكتروني مفتوح المصدر يتضمن خوارزمية تُنفّذ مجموعة واسعة من الحسابات ذات الصلة، بما في ذلك أي الأنواع التي يجب زراعتها، وبأي نسبة، وكانت تجربته الأولى في صنع الغابات في فناء منزله الخلفي بولاية أوتاراخاند في الهيمالايا، حيث استطاع زراعة غابة خصبة خضراء خلال عام واحد فقط، وهذا هو ما منحه الثقة، وبعدها قرر إطلاق مشروعه كمبادرة للعمل بدوام كامل، وترك وظيفته، وقضى ما يقرب من عام لإجراء البحوث على المنهج الذي سيتبنّاه في مشروعه.
ولكن كيفية تحويل الأراضي الجرداء إلى غابات مستدامة هو اللغز الحقيقي، ويقول شارما: «الخطوة الأولى هي إجراء تحليل للتّربة، وهو يساعدنا على تقييم أي نوع من النباتات يمكنها أن تنمو في نوع معين من التربة وما ينقص هذه التربة، ويتبع ذلك عملية مسح للكتلة الحيوية التي تساعد فيما بعد في تزويد التربة بالعناصر الغذائية، وأخيراً، نجري دراسة استقصائية لأنواع النباتات، التي تخبرنا بنوع الزراعة المناسب في منطقة معينة»، من ثمّ تُدخل جميع البيانات التي جُمعت في قاعدة بيانات تُحلّل البيانات وتساعد في معرفة كيفية المضي قدماً في زراعة الغابة، وبمجرد أن تُحدّد الشتلات، تُحفر الأرض بعمق متر واحد، ثم تُملأ بالكتل الحيوية لتحقيق تثقيب أفضل، وتحسين نسبة التغذية وزيادة القدرة على الاحتفاظ بالماء، ويضيف: «تركيزنا يكون على تعزيز التربة بالعناصر الغذائية، وتعويضها عن أي نقص من خلال استخدام الكتل الحيوية فقط وليس الأسمدة».
ويتابع: «كان الدرس الأكبر الذي تعلمته من العمل مهندساً، هو التوثيق، إذ تكمن قوة شركتنا بالتوثيق القوي والمُحدَّث باستمرار، كما نُحسّن أيضاً منهجيتنا من خلال مزيد من التعلّم، والتعمّق في العمل بمناطق جغرافية متنوعة».
وفي ولاية راجاستان الصحراوية في الهند، التي يقول شارما إنّ «التربة بها كانت ميتة»، أدخلوا الكائنات الحية الدقيقة أثناء إنشاء الغابات هناك في عام 2016. ويقول شارما إنّه بناءً على تجربتهم في راجستان أدخلوا تحديثات جديدة في أعمالهم في لاهور عام 2017، مؤكداً أنّ الغابة هناك تنمو بشكل أسرع بكثير من تلك التي صنعها سابقاً في كراتشي.
ويشدّد شارما على أهمية استخدام الأنواع المحلية من النباتات، مستشهداً ببعض المواقف، مثل ذلك الذي حدث في باكستان، حيث جرى استيراد سلالات أوروبية من الأشجار التي أطلقت حبوب لقاح سببت الربو للسكان الباكستانيين.
ويتطلّب تحضير التربة خلط تفل قصب السكر وقشر الأرز وروث الأبقار بنسب ثابتة، كما يتطلب ري ما بين 3 إلى 5 لترات من المياه للمتر المربع في اليوم، خلال السنوات الثلاث الأولى، فضلاً عن التوقف عن إزالة الأعشاب غير المرغوب بها في السنة الأولى، وممنوع استخدام أي نوع من المواد الكيماويّة أو الأسمدة أو المبيدات الحشرية.
ويقول شارما، الذي يقدم استشارات للأطراف المهتمة سواء في مقر الشركة أو عبر الإنترنت: «نحن نمكّن عملاءنا من صنع الغابات مثلنا»، ويبلغ متوسط مساحة الغابات في «أفوريست» 100 متر مربع، وتتكوّن من جزر خضراء بحجم ملعب التنس حيث تعمل على توفير الظل باستخدام النباتات المحلية.
- حل عضوي لمشكلة من صنع الإنسان
إن عملية تشجير المدن التي يتبناها شارما، والتي تتم بمكونات عضوية بالكامل، هي عملية بسيطة للغاية، حيث يبدأ الأمر بحفر حفرة بعمق 20 – 30 سنتيمتراً، حيث يُخلَط سطح التربة فيها مع المواد العضوية المتوفرة مثل روث البهائم وتفل قصب السكر وجوز الهند، وذلك للحصول على سماد للشتلات.
ويوضح شارما: «تتكون الغابة من 4 طبقات: طبقة الشجيرات وطبقة الشجرة الفرعية وطبقة الشجرة، وأخيراً طبقة المظلة، ويجب أن تُزرع الأشجار بطريقة تجعلها تكمل نمو بعضها بعضاً، بدلاً من أن تتنافس على المساحة وأشعة الشّمس، فعلى سبيل المثال، يجب وضع شجرة قصيرة محبّة للظّل بطريقة يمكنها أن تنمو فيها تحت شجرة طويلة محبة للضوء».
وطوّر شارما برنامج كومبيوتر يسجل بيانات النباتات، حيث يسجل نموها، ومتى تُزهر، ويقول: «إذا نما نبات ما ليصل طوله إلى 50 قدماً، فإنّنا نعمل على زراعة نبات آخر بجواره ينمو حتى 20 قدماً فقط، وذلك لأنّنا لا نريد حدوث صراعاً بين هذه النباتات في غضون خمس سنوات، فنحن نستخدم فكرة تجميع السّيارات لاختيار مزيج مثالي من النباتات للاستفادة بشكل أفضل من المساحة الرأسية».
قد يهمك أيضًا
تفاصيل مثيرة بشأن الغابة الملتوية الموجودة في "شتشين" البولندية
"جذع شجرة" يتحدى الموت بغابة "أوكلاند" في نيوزيلندا ويُذهل العلماء