النُدرة المائية

عام 2017 أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا عن انتهاء موجة جفاف مدمرة استمرت ست سنوات، وقضت على نحو 100 مليون شجرة، وأوجبت فرض قيود إلزامية لتخفيض استهلاك المياه بنسبة 25 في المائة. وفيما أدّت الأمطار الغزيرة في تلك السنة إلى تجديد الأحواض المائية ومخزون الثلوج المهم في جبال سييرا نيفادا، حذّر حاكم الولاية من أن «الجفاف القادم قد يكون قاب قوسين أو أدنى».

بعد أربع سنوات فقط تحقق هذا التوقع بأسرع مما تخيله الكثيرون، حيث تعاني الولاية الأميركية حالياً من درجات حرارة مرتفعة وإمدادات مياه غير موثوقة. كما دمّرت الحرائق سنة 2021 نحو 10 آلاف كيلومتر مربع من الغابات، وطال الجفاف آبار الكثير من البلدات في الولاية.

    مليارا إنسان بلا مياه آمنة

في كاليفورنيا وفي أماكن كثيرة غيرها حول العالم، يواجه البشر تحديات متزايدة تتعلق بتوفير المياه الصالحة للشرب وللزراعة والصناعة. وإلى جانب الطلب المتزايد على المياه نتيجة النمو السكاني والتنمية السريعة، يعزز تغيُّر المناخ أزمة المياه العالمية تحت ضغط الجفاف الواسع والفيضانات المفاجئة.

وتعدّ المياه العذبة مورداً نادراً للغاية، إذ إنها تشكّل أقل من 3 في المائة من مجمل كمية المياه على كوكب الأرض. وليس من السهل على البشر الوصول إلى معظم المياه العذبة، لأن ما يقرب من 69 في المائة منها محتجز على شكل جليد في الأنهار الجليدية والمناطق القطبية، كما أن 30 في المائة موجود تحت سطح الأرض على شكل مياه جوفية. ولذلك فإن نحو 1 في المائة من المياه العذبة على الأرض فقط متاحة للاستخدام البشري.

وفيما يزداد العالم عطشاً، تزداد الحاجة لضمان سلامة النُظم المائية التي توفر مياه الشرب وتؤمن مستلزمات الإنتاج الزراعي وتحفظ مخزون أسماك المياه العذبة. وفي المقابل تتعرض الأنهار والبحيرات والأراضي الرطبة لاستنزاف غير مسبوق من خلال الزراعات المستهلِكة للمياه، والتلوُّث الصناعي، وتسرُّب مياه الصرف الصحي، وتدمير الموائل الطبيعية، وتخريب أنظمة الجريان الطبيعية.

ونظراً لتوزع موارد المياه العذبة على نحو غير متساوٍ، لا تستطيع الكثير من المجتمعات الحصول على مياه شرب آمنة ونظيفة. ويشير تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية واليونيسف عام 2017 إلى أن 3 من بين 10 أشخاص في العالم، أي 2.1 مليار إنسان، لا يحصلون على مياه شرب موصولة بأمان إلى المنازل. ويعتبر التقرير أن 844 مليون شخص يفتقدون إلى الخدمات الأساسية لتوفير مياه الشرب، ويضطر 263 مليون شخص إلى السير لأكثر من 30 دقيقة لجلب المياه.

وتساهم الجهود الدولية في تحسين فرص الحصول على مياه شرب آمنة. فخلال السنوات بين 1990 و2015 حصل 2.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم على موارد مائية محسنة بفضل برامج المساعدات. ويتركز أغلب السكان المحرومين من الحصول على مياه نظيفة في أفريقيا وآسيا، وهم يشكّلون نحو مليار شخص.

ومن المتوقع أن يستمر الطلب على المياه في الارتفاع لدعم النمو السكاني، لا سيما في البلدان والمناطق التي تعاني أساساً من شح المياه. وإلى جانب الاحتياجات المائية التنافسية للقطاعات الزراعية والمنزلية والصناعية، يعدّ لحظ كميات كافية من المياه للنُظم البيئية أمراً بالغ الأهمية من أجل ضمان استدامتها.

    الزيادة السكانية في أفريقيا تفاقم مشكلة المياه

تكشف دراسة تصدر في دورية «ساينس أوف ذا توتال إنفايرومنت» خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أنه بحلول سنة 2050 ستواجه 87 دولة من أصل 180 دولة شملتها الدراسة ندرة مائية، حيث تقل حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة عن 1700 متر مكعب في السنة. وسيرتفع عدد بلدان الندرة المطلقة في المياه العذبة، التي يقل فيها نصيب الفرد عن 500 متر مكعب من المياه في السنة، من 25 بلداً في 2015 إلى 45 بلداً بحلول سنة 2050.

وسيتراوح مقدار الموارد المائية الطبيعية المتجددة سنوياً بين 30 ألف متر مكعب للشخص في بلدان مثل بوتان وغويانا وآيسلندا، إلى ما دون 100 متر مكعب للشخص في بلدان مثل اليمن والجزائر والسعودية.

وفيما كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ سنوات طويلة نقطة ساخنة في مشكلة الندرة المائية، ستصبح أفريقيا جنوب الصحراء نقطة ساخنة ثانية إلى جانب عدد من البلدان في آسيا. وبالإضافة لأوغندا وبوروندي، ستكون بلدان أفريقية عدة ضمن بلدان الندرة المائية المطلقة سنة 2050. مثل النيجر وأنغولا والصومال وتنزانيا وبوركينا فاسو. وستواجه بلدان غنية بالموارد المائية حالياً ندرة مائية بحلول 2050، مثل الكونغو الديمقراطية ومالي وموزامبيق وزامبيا.

وإلى جانب تناقص الموارد المائية المتاحة، تلعب الزيادة السكانية دوراً صريحاً في مشكلة الندرة المائية، إذ تمثل أفريقيا جنوب الصحراء موطناً لأكثر من نصف الزيادة السكانية العالمية المتوقعة حتى سنة 2050، فيما ستكون بلدان وسط وجنوب آسيا مسؤولة عن ربع هذه الزيادة.

وتتوقع الدراسة الجديدة أن يتسبب النمو السكاني بانخفاض حاد في توفر المياه في العديد من البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الذي يميل للمنخفض. وستكون زيادة الطلب على المياه العذبة لجميع الاستخدامات بنحو 20 إلى 30 في المائة من الآن حتى سنة 2050، مع وجود تباينات كثيرة بين الدول وقطاعات الاستخدام.

فمن المرجح، على سبيل المثال، أن يزداد الطلب العالمي على المياه لأغراض التصنيع بنحو أربعة أضعاف وسطياً، بينما ستزداد المياه المخصصة للأنشطة الصناعية بمقدار ثماني مرات في أفريقيا وحدها، مما يعمّق فجوة الإمداد بالمياه ويجعلها عصية على المعالجة.

وفي البلدان ذات الدخل المرتفع التي لديها أدنى معدل من الموارد المائية المتجددة، سيزداد مؤشر استغلال المياه من خلال الاستثمارات المنفذة أو المخططة لتوفير المياه من مصادر تقليدية وغير تقليدية. فعلى سبيل المثال، تضخ السعودية والإمارات والكويت استثمارات ضخمة لتنمية مواردها المائية، وهي تقود العالم في تحلية مياه البحر. وفي المقابل، تعتمد سنغافورة بشكل كبير على تدوير المياه وإعادة استخدامها لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة.

    حصة العرب من المياه العذبة تتراجع

تُعتبر ندرة المياه قضية ملحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تضم المنطقة 5 في المائة من سكان العالم و1 في المائة فقط من موارده المائية العذبة، وهي تعدّ أكثر مناطق العالم جفافاً وفقاً لتقديرات البنك الدولي. وتتعمق ندرة المياه المطلقة في هذه المنطقة مع تناقص حصة الفرد من المياه العذبة المتجددة بنحو 2.2 إلى 2.4 في المائة سنوياً. ومن المتوقع أن تنخفض حصة الفرد من المياه بمعدل 30 في المائة بحلول 2030، ونحو 55 في المائة بحلول 2050، رغم أن حجم الزيادة السكانية سيبقى أقل بكثير مما هو في أفريقيا جنوب الصحراء.

ويشير تفاقم ندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن بلدان المنطقة، التي تكافح بالفعل لتأمين الموارد المائية العذبة منذ عقود، ستواجه تعقيدات جديدة في ندرة المياه وتدهور جودتها. ورغم أن المياه تلعب دوراً حاسماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن استغلال بعض الموارد المائية غير التقليدية، مثل مياه البحر المحلاة، لا يزال يتطلب رؤوس أموال وموارد مادية وبشرية كبيرة.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية لمحطات التحلية التي تسحب مياهها من الخليج حالياً أكثر من 20 مليون متر مكعب يومياً، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 80 مليون متر مكعب بحلول 2050. وتتناول دراسة، تصدر في دورية «مارين بوليوشن بوليتن» في نهاية هذه السنة، العلاقة المعقدة بين تحلية مياه البحر والتنمية المستدامة في دول الخليج.

وتشير الدراسة إلى مساهمة هذه المحطات في دعم جوانب التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، ولكنها تحذّر من أن تحلية المياه مع تغيُّر المناخ بحلول 2050 سيرفع حرارة المياه الساحلية بما لا يقل عن 3 درجات مئوية، وسيترك ذلك أثره على النظام الساحلي في الخليج وعلى التنوع البيولوجي ومصايد الأسماك والمجتمعات الساحلية، وقد يتسبب في خسارة محتملة للأنواع والموائل.

للتخفيف من وطأة ندرة المياه في البلدان التي يميل دخلها للانخفاض، يجب تنفيذ حلول مجدية مالياً، من بينها تعزيز الحفاظ على المياه، وتدويرها وإعادة استخدامها، وضمان زيادة مستدامة للموارد المائية مع دعم الحصول على موارد غير تقليدية، وتحسين إنتاجية الأراضي بأنظمة الري الحديث والذكي. وتبقى السياسات المائية العامة والجهات الداعمة والتعاون بين المؤسسات والمهنيين المهرة مفتاح ضمان إمدادات المياه التي تلبي احتياجات الإنسان وتحافظ على النظم البيئية

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :

جنوب السودان على حافة الهاوية بسبب أزمة مياه تشعل الصراعات الأهلية

أزمة المياه في الأردن قنبلة موقوتة تُهدِّد سلام الشرق الأوسط