القاهرة - مصر اليوم
ظهر "القرآن الكريم" ضمن مقتنيات البابا شنودة الثالث، الموجودة في كنيسة العذراء بمنطقة الزيتون، وليس غريبا على الرجل المحب للقراءة، والشغوف بها أن يحتفظ بنسخة من "المصحف"، حيث قال " قرأت القرآن كاملا في سن 16 عاما، وقد أثر هذا كثيرا في لغتي، وكنت معجبا بمكرم عبيد كرجل فصاحة ولغة، وأيضا كان قد قرأ القرآن وحفظه وكان من كبار الخطباء والبلغاء في عصره، واتخذته قدوة ومثلا أعلي".
وبطريرك الأقباط الـ117 لم يقرأ القرآن فقط، وإنما درس الإسلام أيضا، فيقول "كنت أدرس الإسلام في مقرر التاريخ، في الوقت الذي كنت أدرس في "مدارس الأحد" منذ كان عمرى 16 سنة، ولم تكن هناك في أيامنا أي تفرقة بين المسلم والمسيحي، كنا نستذكر التاريخ الإسلامى كمادة مقررة".
وقرأ البابا شنودة القرآن كاملا، وهو ما جعله محبا للغة العربية، وبعدما تخرج في الجامعة في يونيو/حزيران 1947 عمل معلما للغة العربية في مدرسة إنجليزية لطلبة السنة النهائية من المرحلة الثانوية، ويعتبر أول قبطي يعمل مدرسا للغة العربية.
وحب البابا للغة العربية، وللغة القرآن أثرى لغته الأدبية والشعرية، ويقول " تعلمت الشعر في السنة الثانية الثانوية، كنت أنظم الأبيات التي لا أجرؤ على تسميتها شعرا، فلم أكن قد درست قواعد الشعر بعد، كنت آراه شعرا منثورا في أحسن الاحتمالات، ولكن في الصف الثالث الثانوي عثرت على كتاب "أهدى سبيل إلى علم الخليل" وتعلمت منه قواعد النظم من التفاعيل والأوزان والبحور، وتدريجيا جرأت على تسمية ما أكتبه "شعرا" وفي الرابعة الثانوية كنت أحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر العربي".
ويضيف البطريرك الـ117 أنه "في امتحان الثقافة العامة "الرابعة الثانوي" كان اثنان من الأساتذة يمتحناني، وطلب منى أحدهما أن ألقى قصيدة أحفظها، فسألته: من أي عصر، سألني: وهل تحفظ كل العصور؟ أجبت: نعم، قال: أسمعنى من العصر الحديث، قلت: ولأي شاعر من شعراء العصر الحديث؟.. سألني: وهل تحفظ للجميع؟.. قلت: لأكثر من 30 شاعرا.. فعاد يسألني: ولماذا تحفظ الكثير من الشعر؟.. قلت: لأنني أحبه.. فسألني: وهل تقرضه؟.. أجبت: نعم، وهنا قال: أسمعنا بعضا من شعرك، وهممت أن أضع يدي في جيبي لأستخرج بعضا ما كتبت، فقال لي: أسمعنا من محفوظاتك لنفسك، وقد كان، فألقيت إحدى قصائدي.. وسألني: من أي بحر؟ فقلت: البسيط، فسألني عن الوزن فقلت: "مستفعلن - فاعل / مستفعلن فاعل" هنا تأكد الرجل مما أقول، وحصلت على شهادة الثقافة في اللغة العربية بمجموع "48 من 50" وكان أحد الأستاذين قد اقترح أن أحصل على "50 من 50 " ولكن الآخر سأله: وفي هذه الحالة على ماذا نحصل نحن؟
ولم يكن البابا شنودة مجرد قارئ للقرآن فقط، وإنما فاهم ومفسرا لما يقرؤه، ففي حوار نادر أجرته مجلة الهلال الشهرية أوائل عام 1980 مع البابا شنودة، قال إن" القرآن سجل أن للمسيحيين أجرهم عند ربهم مؤكدا أنهم أقرب الناس مودة إلى المسلمين وأنهم متواضعون لا يستكبرون، وأن شخص المسيح له في القرآن مركز كبير، أنه كلمة الله وروح منه ولد بطريقة لم يولد بها إنسان من قبل ولا من بعد، ومن أم عذراء طهور لم يمسسها بشر، والإنجيل يحتل مكانة عظيمة في القرآن الذي كان مصدقا له وداعيا الناس إلى الإيمان به".
وأشار إلى أن للعذراء مريم أم المسيح مركزا ممتازا في القرآن في بتولها وطهرها ونسكها وعبادتها وتشريف الله لها واصطفائها على نساء العالمين، مضيفا أن القرآن يرى أن المسيحيين أهل الكتاب أو (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) أو (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ)، ويصفهم القرآن بالإيمان وعبادة الله وعمل الخير، يقول القرآن في ذلك ( لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) سورة آل عمران. وقال البابا إن القرآن يؤكد أن الإنجيل كتاب مقدس سماوى منزل من الله، يجب على المسلم والمسيحي وكل من آمن بالله قراءته، وما أكثر الآيات القرآنية التي تدعو إلى الإيمان بالإنجيل والتوراة.
وتابع البابا شنودة أن من الصفات التي ذكرها القرآن عن المسيح أنه (وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ). أي علو مركز المسيح علوا كبيرا كما ارتفعت مريم في نظر الإسلام فوق نساء العالمين، كانت عذراء عابدة تسجد وتركع مع الراكعين وكانت تحيا في وحدة وتأمل. ولنا أن نقول إن حفظ البابا شنودة آيات من القرآن الكريم، دليل على علاقة وثيقة، لم تنته في فترة طفولته بالقراءة فقط، بل ظل يقرأه طويلا، وكان يحب أن يسمعه بصوت صديقه الدكتور محمد سيد طنطاوي، بل وكتب البابا شنودة وهو لازال أسقفا مقالا في مجلة الهلال في "ديسمبر/كانون الأول 1970"، بعنوان "القرآن والمسيحية".