لندن ـ وكالات
مرض انقباض راحة اليد المسمى «انقباض دوبويترين»، مرض غامض في نشأته وأعراضه ومسبباته، يبدأ بداية سلمية بظهور عقد صلبة براحة اليد غير مصحوبة بألم، ولا تُعرف له أسباب واضحة، إلا أن بعض الباحثين أشاروا إلى إمكانية ارتباطه برد فعل لجهاز المناعة في جسم المريض، وإلى العامل العائلي الذي يلعب دورا كبيرا في احتمال الإصابة بهذا المرض. وكثيرا ما يتم تشخيص المرض تشخيصا خاطئا في المراحل الأولى على أن تلك العقد ما هي إلا أنسجة صلبة براحة اليد. ومع الوقت يحدث انقباض في هذه الأنسجة مؤديا إلى العجز عن فرد الإصبع أو الأصابع المصابة، ومنتهيا بتشوهات في اليد المصابة تجعل القدرة على الإمساك والقبض بالأشياء محدودة، وتنتج هذه التغيرات نتيجة لاستعدادات وراثية. انقباض اليد * ويعود المرض إلى انقباض أو انكماش أو تقلص ألياف الأنسجة الضامة المشدودة براحة اليد، ويطلق عليه مصطلح «انقباض دوبويترين Dupuytren›s contraction» نسبة إلى الدكتور بارون جيلوم دوبويترين وهو الجراح الذي وصف الطريقة الجراحية له لأول مرة عام 1831. وقد أنشئت من أجل رعاية المصابين بهذا المرض مؤسسة دوبويترين في فلوريدا. عن تفاصيل هذا المرض، تحدث لـ«صحتك» الدكتور وليد بن صالح العديني استشاري جراحة العظام وجراحة اليد بمستشفى الثغر بجدة، مشيرا إلى استقباله مؤخرا لمريض سعودي الجنسية عمره 61 سنة مصاب بهذا المرض. وهذا المريض مثله مثل آلاف المرضى لا يجدون مركزا متخصصا في جراحة اليد ليقدم لهم العلاج الأمثل ويعيشون بقية حياتهم بإعاقاتهم ممثلين عبئا على أنفسهم وأسرهم والمجتمع والدولة. وقد تم إجراء تدخل جراحي ناجح للمريض الذي بدأ الآن في مرحلة العلاج الطبيعي. انتشار المرض* أوضح د. وليد أن انقباض دوبويترين يعرف أيضا بوجود تضخم عقدي مصاحَب بانكماشات في الأنسجة الصفاقية لراحة كف اليد، وهي حالة وراثية جينية سائدة ومنتشرة بصفة خاصة بين الأوروبيين والمندرجين من السلالة الأنجلوسكسونية وبين القوقازيين واليابانيين، ويقل انتشاره بين الآسيويين، ويكاد يكون معدوما بين الأفارقة. ونسبة انتشاره بين الرجال أكثر من النساء، وتزداد سيطرة المرض مع تقدم العمر. ويتميز المرض في بداية مرحلته المبكرة بشدته، وتزداد نسبة الإصابة به لدى مرضى الصرع (الذين يستخدمون علاج الفينوتوين) ومرضى السكري كما يحدث عند المدخنين ومدمني الخمر ومرضى نقص المناعة (الإيدز) ومرضى داء السل الرئوي. تكاثر الأنسجة * إن المشكلة الأساسية في مرض دوبويترين تتمثل في تكاثر أنسجة ليفية غير طبيعية أي مرضية حول منطقة الصفاق (وهي الألياف الطبيعية والأربطة) لراحة الكف والأصابع. وسبب حدوث هذا التكاثر غير معروف وغير واضح. وبعد حدوث المرحلة الأولى من الاجتياح تبدأ مرحلة تكاثر الأنسجة الليفية وتداخلها مع أنسجة الصفاق الطبيعية وأنسجة الأربطة الخاصة باليد والأصابع محدثة انقباضات وانكماشات في أربطة وأنسجة الأصابع وبالتالي تحدث تشوهات في الأصابع خاصة عند المفاصل المشطية السلامية والمفاصل السلامية الأولى. كما يحدث التصاق ألياف غير طبيعية بالجلد مسببا تضغن أو تجعد الجلد، ويصاحب تلك التغيرات انحراف والتفاف للألياف العصبية المغذية للأصابع فيحدث تغير كبير في ملامح التشريح الطبيعية للأوعية الدموية والألياف العصبية. صورة المرض * يحدث المريض عادة في متوسط العمر بين 40 - 50 سنة تقريبا، ويشكو المريض من ظهور عقد سميكة في الجلد وتحت الجلد في راحة الكف، ثم تبدأ تلك العقد تدريجيا بالتمدد عبر حبل ليفي سميك إلى النهاية الطرفية للأصابع وعادة ما تبدأ الإصابة بإصبع الخاتم (الخنصر) والإصبع الصغير (البنصر). قد يكون هناك ألم ولكن ليس بصفة دائمة، وكثيرا ما يشتكي المريض من اليدين الاثنتين في نفس الوقت أو أن تكون الإصابة بيد واحدة أكثر من الأخرى، وتصبح راحة الكف متضغنة وذات عقد سميكة وجلد سميك. وإذا تمدد الحبل الليفي إلى الإصبع أدى ذلك إلى تشوه انقباضي في الإصبع عند منطقة المفصل المشطي السلامي والسلامي الأوَّلي. وأحيانا يصيب المرض باطن القدم ولكن من دون حدوث مضاعفات وتشوهات مثل تلك التي تصيب اليدين. التشخيص والعلاج * في البداية يجب التمييز بين مرض دوبويترين الانكماشي والحالات الأخرى لانكماشات اليد الناتجة من أمراض أخرى أو إصابات قديمة، ويمكن معرفة ذلك من خلال الفحص السريري لليدين إضافة إلى الفحص الشعاعي. للحقيقة، فإنه لا يوجد في الوقت الحاضر علاج دوائي أو علاج طبيعي أو أي وسائل أخرى فعالة تفيد في علاج هذا المرض وتعيد فرد الإصبع المثني إلى وضعه الطبيعي. ويبقى التدخل الجراحي الخيار الوحيد المتاح لإزالة النسيج الضام المصاب من موضعه نهائيا خاصة بعد حدوث انكماشات مصاحبة بتشوهات في الأصابع وإعاقة حركتها الطبيعية لأن هذا المرض سريع الانتشار مسببا الإعاقة عن ممارسة مهام الحياة اليومية. وبالإضافة إلى ذلك فهناك بعض التشوهات في مفاصل اليد خاصة السلامية الأولى والتي يصعب علاجها حتى جراحيا في الحالات المتقدمة. وللعلم فإن الجراحة بحد ذاتها لا تعتبر الحل الجذري في علاج هذا المرض، لأن العملية الحيوية للمرض لا تنتهي بالعمل الجراحي حيث يستمر إفراز الألياف غير الطبيعية (لأسباب غير معروفة كما ذكرنا سابقا). ولكن يمكن تخفيف حدة التشوهات الحاصلة بواسطة العمل الجراحي إضافة إلى إخضاع المريض لعلاج طبيعي مكثف. إن مبدأ العملية الجراحية يقوم على إزالة الحبل الليفي وإزالة الالتصاقات الليفية المحيطة بالأوتار والعضلات والألياف العصبية والأوعية الدموية دون المساس بالأنسجة الطبيعية قدر الإمكان، كذلك إزالة الالتصاقات الحاصلة حول المفاصل ويتم ذلك بفتح الإصبع الأكثر تشوها من طرف الإصبع لراحة الكف على شكل الحرف الإنجليزي «z». وخلال التشريح الدقيق والحذر لليد والإصبع يتم تحرير الجلد أولا من الألياف المبطنة الملتصقة به ثم تحرير الألياف العصبية والأوعية الدموية المحيطة المغذية للإصبع قدر الإمكان إلى أن يتم استئصال الحبل الليفي كاملا. والعمل الجراحي ليس بالسهل، فهو يحمل صعوبة تتمثل في خطورة احتمال إلحاق ضرر بالأوعية الدموية أو الأعصاب، وتزداد هذه الخطورة في حالة خضوع الإصبع لجراحة سابقة. ويمكن البدء بالعلاج الطبيعي بعد أسبوع تقريبا من العملية وينصح المريض بعمل تمارين لليد والأصابع بصورة مستمرة تفاديا لحدوث انكماشات وحفاظا على حرية حركة الأصابع والاهتمام بمتابعة الطبيب دوريا.