برلين ـ وكالات
سبابهم وتشنجاتهم وصرخاتهم مختلفة عن الآخرين، وكثيرا ما يرددون ألفاظا نابية تضايق من حولهم، لكن كل ذلك يحدث بشكل لا إرادي، إنهم مرضى متلازمة "توريت"، ذلك المرض الذي لا يعرف سببه الفعلي حتى الآن، لكن توجد محاولات لعلاجه. تشنجات وتقلصات في الوجه أو في الجسم كله أيضا، والضرب بالقدمين على الأرض أو البصق أو الصراخ فجأة بصوت يهز البدن، كل هذه هي أعراض لإضطراب عصبي نفسي، يحدث عادة قبل مرحلة المراهقة، ثم يختفي بعد البلوغ، اسمه "متلازمة توريت" ( Tourette syndrome) . المرضى بهذه الاضطرابات لا يمكنهم فعل شيئا ضد أعراضه. فقد يكرر المريض إطلاق صرخات أثناء كلامه أو يضرب بقدمه للأمام بدون ضابط. وأحيانا يكون رد فعل الناس بالاندهاش أو الحيرة أو حتى الاشمئزاز.يعتقد كثير من الناس أن المرضى المصابين بمتلازمة "توريت" يكررون باستمرار إطلاق ألفاظ نابية. لكن حوالي عشرين بالمائة أو على أقصى تقدير ثلاثين بالمائة فقط من مرضى متلازمة توريت هم من يعانون من ضغوط تدفعهم لإطلاق كلمات سباب، حسب ما توضحه الدكتورة كيرستن موللر- فال، الأستاذة بكلية الطب بهانوفر. لكن لا توجد إجابة قاطعة حتى الآن بشأن السؤال: لماذا تكون الألفاظ دائما ألفاظ سباب، وليست مفردات كخبز أو لبن أو حتى كلب؟ وتقول الدكتورة موللر-فال: "إن هناك تكهنات بوجود ما يمكنه وصفه بمركز للبذائة في المخ، وأن هذا المركز ربما لم يكبح بما فيه الكفاية. لكن الأسباب الحقيقية مجهولة حتى اليوم." لكن ماذا يجري في المخ بالضبط؟ حول ذلك أجريت أبحاث عديدة، نعرف منها أن السيطرة على حركات الشخص يحتاج إلى اتصال بين شبكات معقدة في الدماغ يمكن مقارنتها بالدوائر الكهربية. وهذا التواصل لا ينجح لدى المصابين بمتلازمة "توريت" على عكس الأشخاص الأصحاء. وهذا الأمر متعلق بإفراز كمية أكثر من اللازم من مادة الدوبامين التي تنتمي إلى المجموعات الكيميائية المسماة بالنواقل العصبية، التي تنقل الإشارات بين خلايا الأعصاب. ويؤدي اختلال مستوى الدوبامين لدى المصابين بمتلازمة "توريت" إلى إضطراب في عملية تواصل مراكز مختلفة في الدماغ.الخيار الأول لعلاج المصابين بمتلازمة "توريت" يتمثل في تناول أدوية مضادة للذهان. وهي عبارة عن عناصر تؤثر على مادة الدوبامين الكيميائية أو تعطل مستقبلاتها، حسب ما يوضح الدكتور ينس كون الاستاذ بالمستشفى الجامعي في مدينة كولونيا. وعند وجود إضطرابات شديدة لدى المصابين به من البالغين يمكن إجراء عملية تنبيه عميقة للدماغ. وهذا إجراء معروف منذ 30 عاما تقريبا وطور لاستخدامه في علاج مرض الباركنسون. وعند استخدام هذه الطريقة يجري زرع منظم في الدماغ لتنظيم عمله، يشبه منظم ضربات القلب الذي يزرع في الصدر. ويساعد هذا المنظم ضد الرعشة في حالة الباركنسون وضد التشنجات في حالة متلازمة توريت.وتوضح الدكتورة كيرستن موللر- فال، الأستاذة بكلية الطب بهانوفر، بأن التقديرات "تشير إلى أن عشرة في المئة - ويقول البعض خمسة عشر في المئة - من جميع الأطفال في المدارس الابتدائية يتعرضون لتشنجات خفيفة مؤقتة"، لكن ذلك لا يعني وجود مرض خطير. فلتشخيص متلازمة توريت لا بد من وجود صوت واحد على الأقل وحركتى تشنج لا إراديتين، تتكرر على مدار عام تقريبا.وتقدر موللر- فال نسبة الأطفال المصابين بمتلازمة توريت في ألمانيا بحوالي 0,7 و حتى 1 في المائة من بين كافة الأطفال والشبان الموجودين فيها. أما النسبة على مستوى العالم فلا توجد بشأنها سوى معلومات تقريبية. وتضيف الأستاذة بكلية الطب بهانوفر "اعتقد بصفة عامة أن متلازمة توريت منتشرة في كافة أنحاء العالم، وبنسبة مشابهة، وتكمن المشكلة في عدم وجود دراسات من كل الدول والبلدان."