"مرضى السرطان يتجرعون الموت كل يوم في غزة".. بتلك العبارة وصف بيان صحفي صادر عن مركز حقوقي بقطاع غزة، حال الرعاية الصحية السيئة التي جعلت من السرطان السبب الثاني للوفاة في القطاع بعد أمراض القلب التي تحتل المركز الأول. وعرض البيان الذي أعده مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة منذ ثلاثة أيام، دراسةً أجراها المركز على عينة عشوائية من مرضى السرطان في القطاع المحاصر حول "واقع الحق في الصحة لمرضى السرطان في قطاع غزة". وبيّنت الدراسة أن مرض السرطان يعد السبب الثاني للوفاة في القطاع بنسبة 12% من إجمالي عدد الوفيات، في ظل غياب الرعاية الصحية المناسبة، ونقص في عدد الأطباء والممرضين والأسرّة في أقسام السرطان بالمستشفيات. وينتشر على نطاق واسع، اعتقاد بأن مرض السرطان انتشر في القطاع عقب الحربين اللذين شنتهما إسرائيل على قطاع غزة (ديسمبر/كانون الأول 2008-يناير/كانون الثاني 2009)، والهجوم الذي شنته في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، واستخدمت فيهما - حسب خبراء وتقارير دولية - أسلحة محرمة دوليا. لكن مدير قسم الأورام السرطانية في مستشفى الشفاء خليل حمدان يستبعد وجود علاقة بين الأسلحة الإسرائيلية ومرض السرطان في القطاع في الوقت الحالي، "نظرا لأن الكتل السرطانية التي تتكون بسبب استخدام الكيماويات الضارة، تحتاج من خمسة سنوات لتسعة كي تظهر"، على حد قوله. وأكمل حمدان، نقلاً عن الأناضول "في غزة، لا يوجد إحصائيات سنوية عن مرض السرطان –بشكل عام- أو سرطان الثدي خاصة، وبذلك لا يمكننا الجزم بأن هناك زيادة في الإصابة بالمرض أم لا". وأوضح أن "مركز المعلومات في وزارة الصحة بحكومة غزة أصدر إحصائية من سنة (1995-2010) لمرض السرطان بأنواعه المختلفة، قدرت عدد المصابين في فترة الدراسة بنحو 10 آلاف و780 شخصًا من إجمالي سكان القطاع البالغ عددهم 1.7 مليون شخص. وقال حمدان "هذه الإحصائية تمثل مقياسًا لمرض السرطان في غزة، بحيث تشكل قاعدة بيانات يمكن أن نقارن بينها وبين نسبة السرطان في السنوات المقبلة". وذكر أن "نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي 16.5% من العدد الإجمالي لمرضى الشرطان بالقطاع منذ العام 1995"، موضحاً أنها "نسبة غير عالية وتكاد تكون طبيعية، ومشابهة للدول العربية المجاورة كالأردن ومصر". ولفت حمدان إلى أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي تعتبر "قليلة" مقارنة بالدول الأخرى، مرجعاً ذلك إلى أن "المجتمع الغزي الشاب صغير في السن، والأورام السرطانية عادة تظهر مع التقدم في العمر". وعن أبرز الأسباب التي تتسبب في سرطان الثدي، قال حمدان "لا يوجد أسباب واضحة للإصابة بالمرض، فمن 5% - 10% أسباب وراثية، و90% لمؤثرات خارجية، وملوثات كمبيدات الحشرات، والأسمدة الكيماوية". من جانبه، أكد الباحث الحقوقي بمركز الميزان، علاء مطر، تعقيبا على الدراسة التي أصدرها مركزه وجود "ضعف في إمكانيات تشخيص مرض السرطان في القطاع". وأضاف لمراسلة الأناضول "لا يتوفر في القطاع مسح ذري لتقييم درجة انتشار الأورام". وأوضح مطر أن الدراسة خَلُصت إلى "عدم وجود أقسام للمواد الإشعاعية في المستشفيات، وأن غرف العزل لمرضى السرطان في المستشفيات غير مؤهلة بالشكل المناسب، حيث تُغلَق في بعض الأحيان ويُدمَج المرضى في غرف أخرى غير آمنة بالنسبة لهم". وذكر أن "مرضى السرطان يعانون من عدم توفر الأدوية لهم، بسبب عزوف المانحين عن تقديم دعم مادي لشراء أدوية السرطان، خاصة من خارج القائمة الأساسية الموصوفة من قبل الأطباء حسب بروتوكولات العلاج". ولفت مطر إلى أن "الوضع الاقتصادي المتردي في قطاع غزة يؤثر سلبياً على مرضى السرطان، حيث لا يتمكن بعضهم من تأمين النفقات المرتبطة بالعلاج، كالمواصلات وغيرها لمن يقطنون في مناطق بعيدة عن المستشفيات". وأضاف "هناك بعض المرضى يستوجب علاجهم السفر خارج غزة، لكن ذلك غير ممكن بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتكلفة المرتفعة لنفقات سفر المريض ومرافقيه". وأشار مطر إلى أن "إسرائيل – في بعض الأحيان- تحول دون وصول مرضى السرطان للمستشفيات الإسرائيلية للحصول على العلاج المناسب". وفي السياق، طالب مطر المجتمع الدولي بـ"تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والتحرك فوراً لضمان تمتع سكان القطاع بحقوقهم الصحية، والتحرك الفاعل لضمان وقف العقوبات الجماعية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على غزة". إيمان شنن، مديرة برنامج الأمل والعون لرعاية مرضى السرطان، قالت بدورها "يسجل من أغسطس الماضي وحتى الآن، 4 إصابات يومياً بمرض سرطان الثدي"، مشددة على "ضرورة التوجيه والإرشاد لوقاية النساء الغزيات من مرض سرطان الثدي". وأضافت شنن لمراسلة الأناضول "الواقع صعب للغاية بالنسبة للنساء المصابات بسرطان الثدي، اللواتي يحرمن من أبسط حقوقهن الصحية والإنسانية، فالمرأة الغزية المصابة بمرض سرطان الثدي تعاني مرتين، الأولى من المرض والثانية لهجرهن-في بعض الأحيان- من قبل أزواجهن بسبب استئصالهن أثدائهن". وذكرت أن "المرأة الغزية المصابة بالمرض تعاني من مرض نفسي بسبب تغير وضعها الجسدي، وبالتالي فهي بحاجةٍ إلى الدعم النفسي من الأسرة والمجتمع حتّى تتخطى هذه الأزمة بسلام". من جانبٍ آخر، ذكرت المصابة بمرض سرطان الثدي فرحة الفيومي (48 عاماً) أنها أصيبت في المرض عام 2008، وقامت باكتشافه مبكراً، مستدركة "ولكن للأسف العلاج الأول الذي خضعت له الفيومي هو عملية استئصال الثدي". ونوهت الفيومي في حوار مع مراسلة الأناضول إلى أنها لازالت حتى الآن خاضعة لعلاجات هرمونية، تطلب منها السفر لمصر كل فترة، وفق قولها. وأوضحت أنها تلقت الدعم النفسي من أفراد أسرتها وزوجها، بحيث أدرك الجميع أثر وقع هذا المرض على نفسية المرأة وحياتها، قائلةً "بالدعم النفسي تشعر المرأة بأنها عادت للحياة من جديد". أما المصابة حياة السوافيري (65 عاماً)، فقد قالت للأناضول إنها اكتشفت المرض بعد سنةٍ من الإصابة به، وتعرضت لعملية استئصال للثدي، مما أثر على نفسيتها موضحة "قضيت أيامٍ طوال في البكاء، والانطواء على الذات".