اتحاد قبائل سيناء

يهتم شباب شمال سيناء، هذه الأيام، في الانخراط اللافت للقبائل في ملاحقة مسلّحي تنظيم "داعش" في مناطقهم، بالتزامن مع تدشين "اتحاد قبائل سيناء" الذّي نال صدى قويًا منذ أكثر من شهر مع إعلانه رسميًا عن مشاركته في المواجهات الدائرة في سيناء، وإصدار بيانات عن نشاطاته ونتائج ملاحقاته، بل وصور لمسلّحين من شباب القبائل يُنفّذون مداهمات أو ينصبون كمائن أمنية أو يحتجزون أشخاصًا قيل بأنّهم إنهم "متطرّفون"، حيث أعلن اتحاد القبائل في آخر بيان له أنّ "اتحاد القبائل وقوات الصاعقة (التابعة للجيش) يحكّمون السيطرة تمامًا على المنطقة من وادي العمرو والبرث والعجراء حتى نجع شيبانة شمال سيناء"، مضيفًا أن "الشيخ موسى أبو حسين المنيعي أكّد أنّ طلائع من شباب قبيلة السواركة يعسكرون في قرية المهدية (في مدينة الشيخ زويد) التّي كانت معقل لتنظيم أنصار بيت المقدس بعد تطهيرها من الدواعش"، كما نشر الاتحاد صورًا لأوراق تضم أسماء جمعيات خيرية، قال إنها "جمعيات مشبوهة كانت من ضمن سبل تمويل الدواعش"، إذ "تم العثور عليها في مداهمات لأوكار المتشدّدين"، كما نشر صورًا لسيارات تمّ حرقها في دروب صحراوية بعد ساعات من تحذير أبناء القبائل من السير عبر الدروب، والطلب منهم أن يسلكوا الطرق الرئيسية.

وتكرّر سقوط قتلى من أبناء قبائل سيناء خلال مشاركتهم إلى جانب قوات الجيش في مداهمات لبؤر التطرّف في سيناء، إذ ظلّ للقبائل دور في تعقّب المسلّحين، إما بالإبلاغ عن تلك التحرّكات أو مرافقة قوات الأمن في المداهمات في المناطق الجبلية كأدلّاء، وفي بعض الأحيان المشاركة في تأمين مناطقهم ومنع دخول أيّ مسلحين إليها، لكن بقي هذا الدور بعيدًا عن الإعلان لفترة طويلة، ليُطرح السؤال عن الأسباب التّي دعت إلى الإفصاح عن تلك المشاركة بكل هذا الوضوح، حيث روى أحد شيوخ سيناء أسباب خروج تلك المواجهة بين أبناء القبائل ومسلحي "داعش" إلى النور، مصرّحًا إلى "الحياة"  بأنّ الوضع تفجّر في نهاية شهر آذار\مارس الماضي، بعد أن أقدم مسلحو "داعش" على أفعال لا يمكن أن تتقبّلها الطبيعة السيناوية، لافتًا إلى أنّهم أقدموا على خطف امرأة من منزلها، بعد دهمه، وهو أمر لا يمكن قبوله، وقتلوها، ما أثار حفيظة أبناء القبائل، كما خطف مسلحو "داعش"، بعد فترة، شيخًا من قبيلة "الترابين"، وهذا أمر جلل في عرف القبائل، فردّت الترابين بخطف عدد من مسلحي التنظيم، وبعد أن بدأت الأمور تخرج عن السيطرة دعت الترابين بطونها إلى اجتماع عقد في ديوان القبيلة، وشارك فيه عدد كبير من أبناء وقيادات القبيلة، وكان التحدّي الذي أعلنه تنظيم "داعش" أن استهدف الاجتماع بسيارة مفخّخة، قتلت نحو 6 من أبناء القبيلة، فردّت القبيلة بنصب مكمن لمسلّحي "داعش" وقتلت 8 منهم، ثمّ تطوّرت تلك الحرب إلى الحدّ الذي لم يكن ممكنًا معه أن تتوارى، وكان لزامًا على بقية القبائل الانضمام إليها، وأوضح الشيخ، الذّي فضّل عدم ذكر أسمه، أنّ عائلات أو فروعًا في بعض قبائل سيناء رفضت الانضمام إلى تلك المواجهة، لأن الشباب المؤثرين في صناعة القرار فيها هم أصلًا من مؤيدي تلك التنظيمات المتطرّفة، أو حتى أعضاء فيها، لافتًا إلى أنّ تلك العائلات معروفة بالاسم بين الأهالي ولدى أجهزة الأمن أيضًا، وهم من يقدّمون الدعم إلى المسلحين ويمنحونهم قوة دفع ذاتي إلى الآن، لكن "اتحاد القبائل" يُضيّق عليهم إلى درجة كبيرة في محاولة لإنهاء دورهم.

وصرّح أحد القيادات الشعبية في مدينة العريش إلى "الحياة" أنّ "السلاح يجب أن يكون حصريًا في يد الدولة وممثليها ومؤسساتها، لكن أن يحمل شباب القبائل سلاحًا فهذا أمر مُقلق، حيث أنّ الكثير من أهالي العريش لا ينتمون إلى قبائل سيناوية، هم من أهالي سيناء لكنهم ليسوا من أبناء القبائل، والأعراف القبلية ستحكم العلاقة بين الشباب الذّين يحملون السلاح، أمّا بالنسبة إلينا فكيف سيكون الوضع؟ هل سنتحوّل نهبًا للمسلحين من أبناء القبائل، خصوصًا أنهم متحالفون مع الدولة"، وأكمل متسائلًا "في حال تعرضتُ أو أحد من أهلي لاعتداء من شاب من أبناء القبائل المنخرطين في الحرب ضدّ المسلّحين، هل لو لجأت إلىأجهزة الأمن سأحصل على حقّي".

وظهر جليًا أنّ مؤسسات الدولة المعنية بالحرب على التطرّف راضية، بل ومُشجعة للدور الذي تمارسه القبائل في مواجهة مسلحي "داعش" في سيناء، إذ نال دور القبائل إطراء وثناء من مسؤولين عسكريين وأمنيين بعد إطلاق تلك المواجهة بين المسلّحين والقبائل، حيث أفاد مسؤول مطّلع على ملف الحرب على الإرهاب في سيناء بأنّ هناك "تضخيمًا" للدور الذّي تمارسه القبائل في الحرب ضد المسلّحين في سيناء، مضيفًا بقوله بأنّ "للقبائل دور مقدّر ومهم بطبيعة الحال، لكّنه يظل في إطار الدعم اللوجستي أو المعلوماتي للقوات المكلفة مواجهة النشاط المتطرّف في شمال سيناء"، موضحاً أنّ "جبال سيناء مُقسّمة بين قبائلها، فكل قبيلة تسيطر على منطقة أو تسكنها ويكون لها اليد الطولى في تلك المنطقة، وأعاربها هم الأدرى بدروبها وممرّاتها، ودور القبائل في الحرب على التطرّف يتمثّل في التأكد من عدم وجود مسلّحين أو بؤر لتكفيريين في نطاق سيطرة كل قبيلة، وفي حال رصد مسلّحين يتم إبلاغ قوات الأمن لمداهمة المكان بوجود أدلّاء من أبناء القبائل، لكن في بعض الحالات قد يقتضي الأمر سرعة في التصدّي للمسلحين، خصوصًا في الدروب الجبلية التّي يصعب أن تتمركز فيها مكامن أمنية أو عسكرية، ولو طلبنا من أبناء القبائل التصدّي للمسلحين في حال استوجب الأمر سرعة التصدّي، بات لزاماً السماح لهم بحمل السلاح"، مشيرًا إلى أنّ "الانخراط القوي" للقبائل في تلك الحرب يساعد قطعًا على حسمها سريعًا، لأن أبناء القبائل لديهم دراية واسعة جداً بتضاريس جبالهم، مشدّدًا على أنّ السماح لعدد من أبناء القبائل بحمل السلاح في شمال سيناء فرضه الظرف الاستثنائي لتلك المنطقة التّي تواجه تنظيمًا متطرّفًا شرسًا، يتلقى دعمًا وتمويلًا من أجهزة استخبارات ودول، لكن هذا الأمر لا يعني إطلاقًا أنّ الدولة سمحت أو ستسمح بتشكيل ميليشيات أو قوى مسلّحة خارج الإطار الرسمي، وختم بقوله "الأمر مدروس ومحسوب بدقة وأيّ سلاح في سيناء ليس خارج الإطار الرسمي للدولة".