القاهرة - مصر اليوم
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية تفاصيل جديدة فيما يتعلق بالباحث الإيطالي الذي قُتل في مصر "جوليو ريجيني" ، مؤكدة أن جامعة "كامبريدج" والأستاذة المصرية العاملة فيها "مها عبدالرحمن" يتسببان في توتر بين إنجلترا وإيطاليا، وقالت في تقريرها الذي كتبه ستيفيني كيرتشغاسنر في روما وروث مايكلسون في القاهرة: "بعد عامين من العثور على جسد ريجيني، المعذب في خندق على جانب الشارع، بالقرب من القاهرة، وقد وجهت أصابع الاتهام بقتله إلى قوى من داخل جهاز أمن الدولة المصري، فإن تردد كامبريدج في المشاركة علنيًا في التحقيق في وفاته، كان سببًا في إثارة الجدل.
وتشير الكاتبتان إلى أن المحققين الإيطاليين المحبطين من عدم التجاوب المصري عانوا من مشكلة في الحصول على أجوبة لأسئلتهم في المملكة المتحدة، مثل السؤال عما إذا كان ريجيني قد دفع أكثر من قدرته للقيام بالبحث في الحركة العمالية المصرية، وإن كان على كامبريدج القيام بالمزيد لحماية الطالب البالغ من العمر 28 عامًا.
وتكشف الصحيفة عن أنه تظهر وسط هذه الفوضى أستاذة مصرية اسمها مها عبدالرحمن، التي كانت أستاذة ريجيني، وكانت هدفًا مفضلًا للصحافة الإيطالية، حيث تم تصويرها على أنها تتعمد مقاومة الاستجابة لطلب المعلومات، ويفيد التقرير بأن الأستاذة في جامعة كامبريدج ستواجه هذا الشهر المحققين الإيطاليين، بعد أن وافقت على الإجابة عن أسئلتهم، حيث أعلن عن هذا التحرك، الذي ينظر إليه دبلوماسيًا على أنه اختراق، في كانون الأول/ ديسمبر، بعد اجتماع بين وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو ونظيره البريطاني بوريس جونسون.
وتبين الكاتبتان أن هذه القضية تسببت بوضع الدعوات للحرية الأكاديمية في مواجهة طلبات المحققين الإيطاليين، الذين يبحثون عن معلومات في قضية ريجيني، وأدت إلى حالة من تبادل الاتهامات بين واحدة من أكثر الجامعات احترامًا في العالم والمسؤولين الإيطاليين، ولفتت الصحيفة إلى أن الناس المواكبين للصخب حول هذه القضية يقولون إنها تسببت بتوتر بين والدي ريجيني وجامعة كامبريدج، بالإضافة إلى أنها رفعت من الشكوك بأن الحكومة الإيطالية تحاول نقل التركيز في القضية من مصر إلى كامبريدج لأسباب سياسية.
ووفقًا للتقرير، فإن الدبلوماسيون من كلا البلدين حاولوا تخفيف التوتر الذي ظهر بعد جنازة ريجيني في إيطاليا عام 2016 في وقت قصير، الذي يقول الناس المطلعون على القضية بأن عبد الرحمن حضرتها، مشيرًا إلى أن الشرطة الإيطالية حاولت التحدث معها بشكل غير رسمي بعد الجنازة، لكنها رفضت مقابلة كاملة، وبعد ذلك لم تجب بشكل كامل على الأسئلة الموجهة لها من خلال البريد الإلكتروني، حيث يقول المقربون من عبدالرحمن إنها صدمت جدًا بوفاة ريجيني، وكانت تخشى من أسلوب التحقيق.
وتذكر الكاتبتان أنه بعد اتهامات للجامعة بعدم تعاونها كتب نائب رئيس الجامعة وقتها، السير ليسزيك بوريسويز في شهر شباط/ فبراير العام الماضي، رسالة إلى جونسون، أعرب فيها عن انزعاج الجامعة من قلة التقدم في التحقيق الدولي، وقال في رسالته إن كامبريدج مستعدة "لمساعدة حكومة جلالتها بأي طريقة تستطيع لترى تقدمًا".
وتنوه الصحيفة إلى أن النيابة الإيطالية قدمت طلبين رسميين للمملكة المتحدة للتعاون القضائي في التحقيق، حيث وصل الطلب الأول في أيار/ مايو 2016 لوزارة الخارجية، التي حولته بدورها للشرطة في كامبريدج، التي طلبت أن تقابل النيابة الإيطالية عبدالرحمن، لكنها رفضت، لافتة إلى أن المسؤولين الإيطاليين طلبوا الحديث مع عبدالرحمن مرة ثانية في آب/ أغسطس 2017.
ويورد التقرير أن قرار الموافقة على مقابلة جاء الآن، بعد أن وافق قاض بريطاني على مذكرة تحقيق أوروبية، بحسب ألفانو، مشيرًا إلى أن عبدالرحمن أخذت إجازة من التدريس بعد وفاة ريجيني، وبدأت الصحف الإيطالية بالترويج لنظريات مؤامرة، بما في ذلك اتهامات لا دليل عليها بأن عبدالرحمن تؤيد الإخوان المسلمين، وأن ذلك قد يكون أثار شكوك السلطات المصرية.
وتذكر الكاتبتان أن تقريرًا في صحيفة "لاريببليكا" استشهد بـ"حديث سري" بين ريجيني وصديق له، رفضت الصحيفة الإدلاء باسمه، يشير إلى أن ريجيني وعبدالرحمن اختلفا بشأن اقتراحها أن يشاركها مدرس أخر في القاهرة، حيث قال ريجيني لصديقه إنه يخشى أن يكون ناشطًا جدًا في السياسة، وقد يسلط ذلك عليه الأضواء.
وتلفت الصحيفة إلى أن ريجيني قدم لعدة برامج دكتوراه أخرى، بما في ذلك في "لندن سكول أوف إيكونوميكس"، حيث اقترح دراسة مشابهة على الحركات الاجتماعية، لكنه لم يحصل على تمويل، ما دفعه إلى كامبريدج، مشيرة إلى أن الجامعة رفضت الرد على طلبات التعليق بهذا الشأن، وأصرت على أنها كانت مستعدة للتعاون، لكن فقط من خلال القنوات الرسمية والقانونية، وليس من خلال الطلبات غير الرسمية للمعلومات.
وينقل التقرير عن أصدقاء ريجيني وزملائه السابقين، قولهم بأن بحثه لم يتم بناء على طلب من الجامعة، وأنه كان هناك ما يدفعه للبحث في موضوع حساس سياسي، كموضوع النقابات، بغض النظر عن الجامعة.
وتنوه الكاتبتان إلى أن أستاذ التاريخ والسياسة في الشرق الأوسط في "لندن سكول أوف إيكونوميكس" جي تي تشالكرافت، ربط توقيت تركيز إيطاليا على مسؤولية جامعة كامبريدج مع المصالح الاقتصادية المتزايدة لإيطاليا مع مصر، وقال تشالكرافت: "أود لفت الانتباه إلى حقيقة أن وزير الخارجية الإيطالي أعلن للبرلمان الإيطالي في 4 أيلول/ سبتمبر 2017، بأن الإيطاليين سيعيدون العلاقات كما كانت عليه مع الحكومة التي قتلت أحد مواطنيهم، في الوقت ذاته الذي ذكر فيه التحقيق في المؤسسة البريطانية".
وتنقل الصحيفة عن عمرو علي، وهو صديق لعبد الرحمن، وأستاذ درس في أكثر من مؤسسة، بما في ذلك الجامعة الأمريكية في القاهرة، التي ارتبط ريجيني بها، قوله: "بحسب علمي، قامت الدكتورة عبد الرحمن بكل شيء بشكل صحيح".
ويجد التقرير أنه مع ذلك، فإن الأبحاث التي اعتبرت مثيرة للخلاف تسببت باستهداف الباحثين في الماضي، ففي عام 2015 تم تسفير باحثة علم اجتماع فرنسية من مصر؛ بعد قيامها بإجراء دراسة حول حركة 6 أبريل المحظورة في منطقة دلتا النيل، وقالت بعد ذلك بأنها كانت تعرف أنها مراقبة وتتم ملاحقتها قبل أن يتم تسفيرها.
وتقول الكاتبتان إن الباحثين والمؤسسات العلمية يضعون في حساباتهم خطر التسفير والمضايقة، لكن قضية وفاة ريجيني صدمت المجتمع الأكاديمي، حيث يقول علي: "إن قضية ريجيني خارجة عن المألوف.. لكنه نبهنا لواقع جديد، حيث هناك رأي بأن الأكاديميين أقل عرضة للتهديد من الصحافيين، إلا أن هناك طريقة أخرى للنظر إلى الموضوع، يمكن التعرف على الصحافيين بسهولة، وليس الأمر كذلك بالنسبة للأكاديميين، وحتى لو اختلف جهاز أمني مع الصحافي فإنهم يعرفون ما هو الصحافي".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول أحد باحثي الدكتوراه، وطلب عدم ذكر اسمه؛ حماية للمؤسسات التي درس فيها: "إن شخصًا في سن 28 عامًا شخص بالغ، وكان ريجيني شخصًا ذا خبرة جيدة، وقضى وقتًا طويلًا ليس في مصر فحسب، بل في دمشق أيضًا، وعاش في ظل أنظمة ديكتاتورية لفترة ليست بالقصيرة.. لا أظن أن أحدا كان بإمكانه التنبؤ بما حدث له، ولا أظن أنه كان بإمكان جامعة كامبريدج أن تفعل شيئًا لمنع وقوعه".