القاهر_ مصر اليوم
على الرغم من مسيرة الدم والنار التي شكلت ملامح تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها في عام 1928، إلا أن علاقات الجماعة بأجهزة الاستخبارات الدولية كانت عائقا ضد تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي.لكن لجوء الإخوان والجماعات المرتبطة بها للعنف والإرهاب الصريح بعد أن لفظها الشعب المصري خلال سنوات ما بعد 30 يونيو 2013 كانت كفيلة بتغيير سياسات العديد من الدول الغربية تجاه الإخوان وبدأت في اتخاذ إجراءات وخطوات لحظر التنظيم وتضييق الخناق على نشاطاته ضمن عدة إجراءات استهدفت جماعات إرهابية أخرى في ألمانيا والنمسا تحديدا.
وعلى مدار عقود استخدمت الدول الأوروبية وأمريكا ذريعة حقوق الإنسان لرفض تسليم عناصر الإخوان الهاربين وفي مقدمتهم المسئولين عن تمويل والتخطيط للعنف والإرهاب، ووفقا لآراء العديد من الباحثين فإن حرص أجهزة استخبارات تلك الدول على استخدام العناصر الإخوانية ضد الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط ولاسيما مصر كان السبب الرئيس في احتضان العواصم الغربية للعناصر التكفيرية.وبعد ثورة "30 يونيو"، انتهجت جماعة الإخوان العنف سبيلا لمقاومة الإرادة الشعبية التي تظاهرت بالملايين للمطالبة بإسقاط حكم الجماعة التي اعتبرت الديمقراطية وسيلة تستخدم لمرة واحدة حتى يتمكنوا من الحكم.
العنف والدم وسائل الإخوان التي عملوا بها لإسقاط مؤسسات الدولة المصرية التي ساندت إرادة الشعب في إسقاط حكمهم حملته الدولة المصرية للعالم للمطالبة بتصنيف تلك الجماعة على أنها تنظيم إرهابي، ولم تجد دعوات مصر آذانا صاغية بل كان الرد على تلك الدعاوى تحول عدد من العواصم الغربية لمأوى لعناصر الإخوان الذين استغلوا إقامتهم في الخارج لإحاكة المؤامرات ضد الدولة المصرية وقياداتها ومؤسساتها.ونتيجة لانتشار الفكر التكفيري في أوروبا بفضل حرية حركة عناصر تنظيم الإخوان والجماعات المرتبطة بها فكريا، عرفت أوربا ما أصطلح عليه "بالذئاب المنفردة"، وهي العناصر التي شنت سلسلة من العمليات الإرهابية مستهدفة فرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية.
وعلى خلفية تلك العمليات شرعت عدد من الدول الأوربية في التحقيق حول علاقة جماعة الإخوان والمراكز الإسلامية التي يسيطرون عليها بالذئاب المنفردة.وخلال الفترة القليلة الماضية بدأت ألمانيا والنمسا في اتخاذ سلسلة من الإجراءات ضد الانتشار الإخوان وسيطرتهم على المراكز الإسلامية هناك لتأمين شعوبها وللحد من تأثيراتها في المجتمعات الغربية.الخطوة الألمانية النمساوية جاءت بعد خطوة فرنسية مشابهة حاولت فيها باريس الوقوف على أنماط التعليم الذي تقدمه المدارس التي يتعلم فيها أبناء الجالية الإسلامية بالإضافة إلى معرفة محتوى الخطاب الديني الذي يتم تقديمه في المساجد التي يسيطر عليها الإخوان.وفي هذا السياق ثمن إيهاب يوسف الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي الخطوات الأوربية مؤكدا أنها خطوات غير كافية.
وأوضح يوسف، أنه على تلك الدول التعاطي مع الطرح المصري الذي قدمه الرئيس عبدالفتاح السيسي في الأمم المتحدة حول ضرورة بلورة قانون دولي لمحاربة الإرهاب والدول الراعية له والكيانات والدول الممولة له أيضا.ولفت يوسف إلى أن اكتفاء تلك الدول بالعمل على اتخاذ إجراءات جزئية كما حدث خلال الفترة الأخيرة غير كافي وسيعود بالسلب على تلك الدول مستقبلا، مشيرا إلى أن تجاهل الطرح المصري دفعت أوربا ثمنه غاليا بعمليات إرهابية على أراضيها وضد مواطنيها.وكان تقرير لمؤسسة ماعت قد كشف أن التحركات الأوروبية أوقفت الكثير من الأنشطة الإخوانية، من خلال غلق الكثير من الجمعيات التي تديرها الجماعة الإرهابية في أوروبا، إضافة إلى تجميد كل الأنشطة الأخرى التابعة لجماعات الإرهاب، وتحجيم كل الأنشطة التابعة لهم.
من جانبه قال سامح عيد، الباحث في شئون تيارات الإسلام السياسي، إن الإجراءات الأوربية بالسعي للحد من تأثير الإخوان في القارة العجوز إجراءات جزئية لحماية مواطني تلك الدول.وأشار إلى أن الغرب الأمريكي والأوربي يوجهه الإرهاب ولا يواجهه، موضحا أن الأجهزة الاستخبراتية الدولية تريد الإبقاء على الأصولية الإسلامية لاستغلالها ضد الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية والإسلامية واستغلالها ضد أعداء الغرب.ولفت عيد إلى أن الولايات المتحدة هي من أنشأت تنظيم القاعدة وسياساتها هي من صنعت تنظيم "داعش"، الإرهابي في سوريا والعراق وذلك بغرض محاربة الاتحاد السوفيتي على يد تنظيم القاعدة وبهدف إسقاط دول الهلال الخصيب في المنطقة العربية.
ونوه عيد إلى أن هناك بعض المراكز البحثية في الولايات المتحدة وفي أوربا تبحث إمكانية توجيه الأصولية الإسلامية لمحاربة الصين باعتبارها العدو الأكثر خطرا على الغرب الأمريكي والأوربي.بدوره أكد إيهاب يوسف أن المساعي الغربية لإعادة إنتاج الأصولية الإسلامية وتوجيها لمحاربة أعداء الغرب الأمريكي والأوروبي سيكون بمثابة كارثة على من سيعمل على صناعته وتوجيهه.وأضاف أن على الولايات المتحدة أن تدرك نتيجة خطؤها التاريخي بدعم تنظيم القاعدة وحركة طلبان والذي تم استخدامها في الحرب على الشيوعية الممثلة في الاتحاد السوفيتي"، موضحا أن القاعدة هو من قام بعمليات 11 سبتمبر وطلبان هي من تسعى الآن لإسقاط حكومة كابول وإقامة دولة إسلامية في أفغانستان سوف تمثل لاحقا مأوى ومركز تدريب لجميع العناصر التكفيرية والإرهابية.
واتفق يوسف وعيد على أن الإدارة الغربية لملف العناصر التكفيرية والتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تسيطر عليه المنهج النفعي والهادف لاستغلال تلك التنظيمات لحساب الغرب، مشيرين إلى التجربة البريطانية عندما طالب عدد من النواب بتصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي وبعد مرور عام ونصف انتهت المشاورات والمداولات والتحقيقات إلى أن الإخوان تورطوا في الإرهاب ولكن بشكل جزئي ولا يمكن تصنيف الجماعة بأكملها كتنظيم إرهابي.
اللواء إيهاب يوسف أكد أن المواجهة الأوربية والأمريكية مع الإرهاب الإخواني قائم على الازدواجية بمعنى أنه عندما توجه تلك الجماعات إرهابها للشرق تغمض عينها وتصم آذنها، مشيرا إلى أن علاقات الإخوان بأجهزة الاستخبارات الدولية الأمريكية والأوربية كانت السبب في احتضان عواصم تلك الدول لعناصر الإخوان وإعطائهم المجال والحرية الكاملة للتحرك ضد النظام المصري وتشويه صورته والتخطيط لإسقاطه سواء عبر حروب الجيل الرابع بحشد الرأي العام في تلك الدول ضد حكامها أو عبر شن سلسلة من العمليات الإرهابية ضد مؤسساتها وأجهزتها الأمنية لإضعافها والإجهاز عليها.
وأوضح يوسف أن العديد من العواصم الغربية ولاسيما الأوربية والأمريكية رفضت تسليم العديد من المتهمين والمدانين في قضايا إرهابية لمصر وغيرها من الدول العربية بحجة عدم توفر أدلة كافية تدين تلك العناصر، مشيرا إلى أن تلك العواصم كانت حريصة على توجيه العناصر التكفيرية ضد أنظمتها الحاكمة كي يسهل على تلك الدول ابتزاز مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية.وفي هذا السياق قال سامح عيد، إنه من المؤكد أن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ليست لديهم الرغبة في سن تشريع دولي أو التوافق على رؤية لمواجهة الإرهاب، مؤكدا أن ذلك مرده أن الغرب حريص على الإبقاء على تلك العناصر كي يستخدمها كرأس حربة في أية مواجهة مع الأنظمة الحاكمة بمنطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها مصر.
وأوضح عيد أن الدول الغربية لديها تفاصيل ومعلومات متكاملة حول العناصر التكفيرية التي يحتضنها على أراضيه، مشيرا إلى أن الدليل على ذلك أنه مع تزايد خطورة أي عنصر من تلك العناصر يتم ترحيله ومنعه من الدخول لأراضي تلك الدول.وأضاف: "كانت الولايات المتحدة توفر الحماية لعمر عبد الرحمن على أراضيها رغم أنه كان أحد الذين شجعوا على قتل الرئيس الراحل أنور السادات ولم تقترب منه حتى شروعه في توجيه بعض العناصر في الولايات المتحدة ضد أمريكا نفسها وحينها تم إلقاء القبض عليه وعرضت الولايات المتحدة على نظام مبارك تسليمه ولكن نظام مبارك هو من رفض ذلك".
قد يهمك أيضا:
تحرك برلماني بشأن عزل أساتذة الجامعات المنتمين لجماعة الإخوان
تقييد "الإعلام الإخواني" في إسطنبول يدفعه للبحث عن مأوى جديد