القاهرة ـ مصر اليوم
يستحوذ جسدها الهزيل طويل القامة على مساحة ضئيلة في سرير المرضى، تستلقي عليه الطفلة "راوية"، إحدى ضحايا حادث محط مصر، باستكانة واستسلام دون حَول منها، غير مدركة بما يدور في العالم الخارجي، المزدحم بالأطباء والممرضات الفاحصين لها، والمتسائلين عن هويتها وذويها المجهولين منذ وصولها مستشفى معهد ناصر.
وقفت سحر محمد عليوة، سيدة في منتصف عقدها الخامس، وعينيها دموع تحجرت بعد وصلة بكاء طويلة على حفيدتها "راوية" الملقاة على أحد أسرّة الغرفة بالداخل تتلقى العلاج، انشغل قلب "سحر" بالطفلة، بينما انشغل عقلها بشقيقتها (جدة راوية لأمها)، التي كانت تشاركها رحلتها إلا أنهم لم يستدلوا عليها رغم مرور يوم كامل على الحادث الذي تحكي "سحر" تفاصيله قائلة: "أنا أخت سامية جدة راوية وهم كانوا عندي في بشتيل بيعزوني في جوزي اللي لسه ميت، ولما عرفنا اللي حصل اتصدمنا كلنا".
تأخرت "راوية" وجدتها التي تبلغ من العمر 55 عامًا، عن موعد انطلاق قطارهما المتجه من محطة مصر إلى محافظة الشرقية، ما أجبرهما على انتظار قطار آخر سيقوم في الثانية عشرة من اليوم نفسه، حسب رواية "سحر"، التي تفاجأت باتصال هاتفي من خال "راوية" من محافظة الشرقية يخبرها بوقوع انفجار في محطة مصر وأنه لم يتمكن من الوصول إلى والدته بعد أن أغلق
هاتفها المحمول، لتحاول هي الوصول إليها من خلال رحلة بحث في المستشفيات: "اتصلت عليها برضه لقيت التليفون مقفول، فنزلنا جري ولفينا المستشفيات كلها وبعد كده عرفنا إن راوية في معهد ناصر ولسه بندور على سامية"، وبعد 8 ساعات من وقوع الحادث وتنقل الطفلة التي لم تتجاوز الـ6 سنوات بين غرف متباينة في المستشفى، ظهر رجل شاحب الوجه،
يبدو عليه الإنهاك من البحث والتنقل عن نجلته، وتظهر على نبرة صوته وتعبيراته الغضب والفزع والترقب لسماع نبأ جيد يطمئن قلبه على نجلته "راوية"، رحلة شاقة من البحث خاضها "السيد أحمد" والد الطفلة، بين المستشفيات وأسماء المتوفين في مشرحة زينهم، يرويها لـ"الوطن" قائلا: "فوجئت بنشر صورة بنتي على "فيسبوك" بين المفقودين في الحادثة"، لم يكن يعلم بتواجد ابنته في محطة مصر يوم الحريق، بعد أن انقطعت أخبارها عنه ولم يرها منذ وقت بعيد، عقب انفصاله عن والدتها منذ 5 أعوام.
صوت عال لنحيب وبكاء سيدة متشحة بالسوداء، يخبر بهويتها كوالدة للطفلة قبل تأكيدها على ذلك، تحاول تمالك أعصابها بعد رؤيتها جسد ابنتها المنتفخ المشوه بالجروح والحريق داخل الرعاية المركزة للأطفال، تهرول مسرعة اتجاه الأطباء المتابعين لحالة راوية، طامحة في طمأنتها وتهدئة خوفها، تترجاهم بالاعتناء بابنتها، إلا أنهم لا يملكون سوى أخبارها بحقيقة حالة راوية الحرجة وغير المستقرة، المؤدية إلى وضعها على جهاز تنفس صناعي، نتيجة إصابتها بحروق من الدرجة الثانية.
بدأ اليأس في التسلل لشاهيناز صبحي والدة راوية، فاقدة الأمل في شفائها ورؤية ضحكتها المبهجة من جديد، مرددة جملة "بنتي حالتها مش مستقرة" مرات عدة، كأنها تحاول إدخال المعلومة لعقلها غير المدرك لهول الفاجعة.
قد يهمك أيضًا :
السفارة الأميركية في القاهرة تُقلّل منشوراتها احترامًا لضحايا حادث محطة مصر