القاهرة - مصر اليوم
صرح الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بأن خيانة الثقة أمر خطير يهدد أمن المجتمعات وأمانها، ويفقدها حيويتها وإنسانيتها , ويجعل منها مسخا لا إنسانيًّا ، صحيح أن ديننا الحنيف أمرنا بالتوثيق وكتابة الديون والمعاملات حفظًا للحقوق من الضياع , ولم يكن مصادفة أن تكون آية الدّين هي أطول آية في القرآن الكريم الذي هو تنزيل من عزيز حكيم , وإذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) لا ينطق عن الهوى , فما بالكم بكتاب " لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ" .
يقول الحق سبحانه وتعالى في آية الدَّيْن : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (البقرة : 282) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ" (صحيح البخاري) .
وأضاف جمعة في بيان له قائلا : مع ذلك فإن بعض الناس لا يزالون يعتمدون على الثقة المتبادلة , ويستحون من بعض زملائهم أو أقاربهم أو من لهم معهم سابق تجربة من أن يطالبوا بتوثيق بعض معاملاتهم , غير أن بعض الناس قد أعماهم الطمع , وغرتهم الدنيا , وغرهم بالله الغرور , فلم يعطوا الأمانة حقها ولم يقدروا للثقة قدرها , ونسوا يوم العرض على الله (عز وجل) " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء : 88 , 89) , يوم يعرض الجميع على الله لا تخفى منهم خافية , يوم يحشر الناس حفاة عراة , حيث يقول الحق سبحانه : " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ" (الأنعام : 94) , يوم أن يقال لكل إنسان : يا بن آدم جاءوا ودفنوك، وفي التراب وضعوك ، وعادوا وتركوك , ولو ظلوا معك ما نفعوك , ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت .
وأوضح وزير الأوقاف: ديننا قائم على الأمانة , يقول الحق سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (الأنفال : 27) , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ" (مسند أحمد) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" (متفق عليه) .
وتابع: الثقة أعلى درجة من الأمانة , فإذا غلبت أمانة الشخص الظاهرية وصار معروفا بها بين الناس وثقوا به واطمأنوا إليه , فأسلموا أمرهم أو أموالهم له ثقة في أمانته , فخيانة هؤلاء أشد , وتقصيرهم أفظع , لأن من خان الأمانة منهم فقد جمع إلى خيانة الأمانة صفة أشنع وأبشع , وهي المخادعة والمخاتلة , وضم إلى خيانة الأمانة خيانة الثقة , وهذا جرم لو تعلمون عظيم .
على أن خيانة الثقة لا تقف عند حدود الخيانة المادية , فالخيانة المعنوية أشد وأنكى , فما بالكم بخيانة العهود والمواثيق والأيمان , والقسم بالله وأسمائه الحسنى وصفاته العليا؟!, " وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ " (الواقعة : 76) , فما بالكم لو كان ممن يشهدون الله على ما في قلوبهم , وهم لنية الغدر مبيتون ؟! ونسوا أن من نكث فعلى نفسه , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : " فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ" (الفتح : 10) .
وقال جمعة لا شك أن جماعة الإخوان الإرهابية وقياداتها العميلة الخائنة قد خانوا ثقة من انخدعوا بهم وبمتاجرتهم بالدِّين ، وهي جرائم مركبة ما بين خيانة الثقة والمخاتلة والمخادعة والمتاجرة بالدِّين .
قد يهمك ايضا