القاهرة - سهام أحمد
أعلنت نيفين القباج ، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي ، قبل أيام ، بأن الوزارة استبعدت 32 ألف شخص من معاش الضمان الاجتماعي من بين مليون و700 ألف شخص مستفيد من المعاش ، في إطار خطة الوزارة لتنقية الحالات التي لم تعد في حاجة إليه، مؤكدة أن المستبعَدين تحسنت حالتهم المادية ، وأصبح لديهم مصدر دخل ثابت ، في إشارة غير مباشرة من جانب "التضامن" إلى أن نوايا غير جيدة في الطريق إلى بقية أصحاب المعاشات، فى ظل ارتفاع نسبة الفقر في مصر إلـى نحو 45% بعد قرار تعويم الجنيه.
وكشفت آخِر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صدرت يوليو/تموز 2016 قبل قرار تعويم الجنيه عن ارتفاع نسبة الفقراء في مصر إلى 27.8%، قائلة إن هذه الشريحة لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم من الغذاء على الأقل، منهم 57% من سكان ريف الوجه القبلي، و19.7% من ريف الوجه البحري، وأن أعلى نسبة للفقراء في مصر في محافظتي أسيوط وسوهاج بنسبة 66%، يليها قنا بنسبة 58%، وأن أقلَّ محافظة بها فقراء هى محافظة بورسعيد بنسبة 6.7%، ثم الإسكندرية بنسبة 11.6%، وأن 18% من سكان القاهرة فقراء.
وأشار التقرير إلى أن 11.8 مليون مواطن يعيشون في أدنى فئة إنفاق في مصر، حيث ينفق الفرد 4 آلاف جنيه سنويًا بما يُقدَّر بـ333 جنيهًا شهريًا، في حين أن 14.7% من المواطنين يعيشون في أغنى فئة حيث ينفقون أكثر من 12 ألف جنيه سنويًا، وأن 27.9% من الأُسر لا يعملون، وأن 17.7% من عائلي الأُسر نساء ، وأن 2.3% من الأُسر ما زالت تَستخدم التليفزيون الأبيض والأسود، وأن متوسط الاستهلاك السنوي للأسرة على الطعام والشراب خلال عام 2015 وصل إلى 12.6 ألف جنيه.
وقال أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي والمصرفي، إن القضية تكمن في أن الوزراء الحاليين يتعاملون مع المشاكل من ناحية العَرَض وليس المرض، مشيرًا إلى أنه من المفترض أن نزيد من المشاريع والقوانين التي بها تكافل وحماية اجتماعية للفقراء ونزيد من عدد المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعي لا أن نقلل منهم ، لأنه بعد تحرير سعر الصرف فقدت العملة قيمتها بنسبة أكبر من 60%، فأصبح الجنيه قيمته 40 قرشًا ، حتى إن الطبقات المتوسطة أصبحت فقراء.
وأضاف خزيم أن الحكومة ليس لديها قاعدة بيانات سليمة وصحيحة ، حتى تبني عليها دخول المواطنين؛ حتى لا تظلم فئات من معاش الضمان الاجتماعي، إضافة إلى أنه كلما قلّت القوة الشرائية تؤدي إلى ركود في الأسواق فتدخل الأسواق الدائرة الجهنمية فيؤدي لتقليل معدل النمو ثم فقدان في العمالة ثم قلة إنتاج ، موضحًا أنه لن تندفع السوق إلى الدوران إلا بالطلب الفعّال، ولن يكون هناك طلب إلا إذا كانت هناك استثمارات وقوة شرائية قادرة على الشراء ، والحكومة تحاول سد العجز في الموازنة حيث وصل حجم فوائد خدمة الدين بموازنة 2017- 2018 إلى 400 مليار جنيه، والعجز يتجاوز الـ500 مليار جنيه، في وقت لا يتجاوز فيه الإيراد العام للدولة الـ650 مليار جنيه.
وتابع خزيم أنه طبقًا لتصريحات وزير التنمية المحلية الجديد التي قال فيها إن 40% تحت خط الفقر، فعند إفقار الطبقة المتوسطة سيصل الفقراء إلى الفقر المُدقع، وعلى الحكومة أن تتجه إلى تحرير وتبسيط الإجراءات، فالحكومة لن تقترب إلى أصل الموضوع، وهي التشريعات التي تحسن الاستثمار كقانون الاستثمار وقانون العمل وقانون تحديد المنافسة الاحتكارية وقانون هامش الربح وقانون الإفلاس.
وقال الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التنمية والتخطيط في جامعة الفيوم، ورئيس الاتحاد المصري لسياسات التنمية ، إن هناك معاشات ضمان اجتماعي لبعض المواطنين تُقدر بـ52 جنيهًا ، مضيفًا "أننا ليس لدينا معايير واضحة لتحديد درجة الاستحقاق المادي للمواطنين، ومن ثم فمن الصعب جدًا التمييز بين مَن يستحق المعاش ومن لا يستحق، إضافة إلى أن الدولة هنا تناقض نفسها فكيف لوزارة التضامن الاجتماعي تقوم بعمل تكافل وكرامة وهو دعم نقدي، وفى الوقت نفسه تقوم بتنقية غير المستحقين، خاصة أنها تجد مشاكل كبيرة جدًا في تحديد المستحقين في الدعم النقدي حتى اليوم، حسب تصريحات البنك الدولي، وهذا أدى للتلاعب في مشروع الدعم النقدي ووصل لغير المستحقين، وهناك الكثير من الحالات على ذلك التي أكدتها دراسات أُجريت على هذا الأمر".
وأشار هاشم إلى أن الرئيس طالب الحكومة بزيادة شبكة الحماية الاجتماعية بزيادة عدد الفئات المستفيدة من مليون ونصف مليون مستفيد، إلى 2.5 مليون في 2017 ، وهو ما يجعل الوزارة تُناقض وتخالف توجيهات الرئيس ، فمن المفترض أن تزيد من المستفيدين بدلًا من تقليل العدد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد وزيادة نسبة الفقراء التي زادت إلى الضِّعف تقريبًا، متوقعًا زيادة نسبة الفقر في مصر من 27.8% إلى 45% على الأقل بسبب تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار، متسائلًا عن المعايير التي استندت إليها وزارة التضامن في تخفيض عدد مستحقي الدعم، في ظل الأسعار غير الثابتة وعدم ثباتها، ولا يمكن قياس القدرة المادية ومؤشر الاستحقاق لفئة معينة.
وكشف محمد أبو الفتوح نعمة الله، الخبير الاقتصادي، أن الحكومة تلجأ للحلول الأسهل ، وهناك سوابق كثيرة للتضحية بمصالح الطبقات الأفقر والأضعف لصالح أصحاب الصوت العالي والنفوذ ، لنجد الحكومة تضحي بمصالح قطاعات عريضة من المصريين وتحرِّر سعر الصرف دون توافر أدنى شروط نجاحه ودون توافر ضمانات فعلية لضمان عدم تأثر الفئات الأفقر، كذلك نجد محاباة للمستثمرين ورجال الأعمال فى الشروط البيئية وانبعاث الملوثات وغياب الرقابة على الأسواق فى مقابل تدهور صحة المصريين، كذلك نجد محاباة لمصالح المنتجين وتقنين وفرض احتكارات في الكثير من الأسواق على حساب جمهور المستهلكين الذين يمثلون النسبة الكبرى من المصريين والذين يجب مراعاة مصالحهم بدرجة أكبر، وخصوصًا مع زيادة معدلات الفقر والبطالة وتدهور قيمة العملة بما يؤثر على المدخرات والثروات ويخفِّض القيمة الحقيقية للأجور دون وجود أي محاولات فعالة للسيطرة على الأسعار.
وتابع "لدينا ضمانات دستورية تضمن الحق في العيش الكريم والمعاش والعلاج والسكن والعمل وغيرها ، إلا أن الواقع يقول شيئًا آخر، كذلك معاشات الضمان الاجتماعى ومظلة الجمعيات الخيرية نسمع لها ضجيجًا بغير طحن، ودولة مثل مصر تعاني نصف قوتها العاملة من بطالة سافرة وبها معدلات مرتفعة للفقر والتشرد وأطفال الشوارع لا يمكن أن نتحدث عن معاشات ضمان لمليون ونصف المليون فقط، بل تسعى الدولة لتخفيضها في الوقت الذي نسمع تقارير إعلامية وشكاوي كثيرة في تطبيق مشروع تكافل وكرامة الذى يختلف تمامًا عما يروجه الإعلام ، إضافة إلى ووجود إهمال وضعف فاضح فى المنظومة الرقابية ومراقبة فعالية الإنفاق الحكومي رغم أن ذلك سيحقق نتائج وسيخفض حجم الفساد والبيروقراطية التي صارت كابوسًا يطارد المصريين يوميًا وفي كل مكان، ولا توجد أي تنظيمات أهلية للدفاع عن حقوق الفئات الأفقر والأكثر فقرًا في ضوء تحجيم دور النقابات والقطاع التعاوني طوال عقود وغياب البرلمان عن ممارسة الدور المنوط به طوال عقود في الدفاع عن مصالح الطبقات المهمشة في المجتمع".