القاهرة - مصر اليوم
تعد الزيادة السكانية من المشكلات التى تعانى منها مصر باستمرار، وهى تؤثر على الموارد وتمنع من الشعور بثمار التنمية المتحققة.ترتبط الزيادة السكانية بسوء فهم لبعض النصوص الشرعية ومنها: "تناكحوا تناسلوا تكثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة"، وبعض الأقاويل المتعارف عليها ومنها "أن كل عيل بييجى ومعاه رزقه".. العلماء يؤكدون أن تنظيم النسل جائز لأسباب مختلفة وأن الصحابة طبقوه.
ؤكد الدكتور على جمعة، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، عضو هيئة كبار العلماء، أن دولا مثل انجلترا وألمانيا وأمريكا كلها ثابتة فى عدد السكان، واليابان مثلا كانت 140 مليونا وأصبحت 120 مليونا، أن مصر الرقم القياسى لها فى عدد السكان والذى تتحمله موارد الدولة هو 40 مليونا، ويوضح أننا الآن أكثر من الضعف وتعتبر هذه الكثرة مذمومة.. وأكد أن الشرع الشريف لما جاء بين لنا أن هناك كثرة محمودة وأخرى مذمومة، فيقول النبى لما سئل: "أمن قلة نحن يا رسول الله، فيقول: أنتم يومئذ كثر ولكن كغثاء السيل"، فالنبى علمنا أن نتكاثر إلى حد معين، نعيش فيه بقوة، فالمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف. تنظيم النسل أمر جائز فى الشريعة الإسلامية.
ولأن الذين يرفضون تنظيم النسل يستندون لأحاديث نبوية فى الترويج لآرائهم كان لابد من الرجوع لرأى الدكتور عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر لتوضيح القضية حيث يقول: منذ عقود مضت تتعالى دعوات تنظيم النسل فى مصر، لاسيما فى ظل المشكلة الاقتصادية التى يعانى منها المواطن المصرى، وهذه الدعوات لها من يؤمن بها ويؤيدها، وهناك من يتبرم بها ويناهضها اعتمادا على بعض النصوص الشرعية التى لا تنتج الدعوة التى يبنى عليها وجهة نظره، فنرى بعض أولئك ينكر على المجتمع هذه الدعوة مستدلا بقول النبى عليه الصلاة والسلام: "تناكحوا تناسلوا تكثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة" ومنها قوله: "تزوجوا الولود الودود" وغير ذلك من الأحاديث الداعمة لفكرة زيادة النسل، وربما عضدوا قولهم ببعض النصوص الخارجة عن محل النزاع كقول الله تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا".
ويضيف: إن هذه المناهضة لا تنهض على ساق واحدة، ولا يؤيدها فهم رشيد، ولا فقه للواقع، ولا سبر لعلل النصوص وتحقيق مناطها، لاسيما وأن الفقه الإسلامى يعنى بواقع الأمة، وتحقيق مصالح الناس، مع ضرورة الأخذ بالأسباب والمسببات، فى تناغم تام بين نصوص الشرع، ومقاصده، ومراعاة مقتضى حال المكلفين، إن الدعوة إلى زيادة النسل الواردة فى هذا الحديث السابق والتى قصد توجيه الأمة إليها هى زيادة من نوع خاص، زيادة تستقوى بها الأمة، وليست زيادة تعيش عالة على غيرها، زيادة منتجة عاملة، متعلمة، قادرة على الابتكار، والتحليق بالوطن فى آفاق بعيدة من التقدم، وليست زيادة جاهلة متخلفة تعيش فى الشوارع، وتأكل من القمامة، أو تعيش على المعونات من هنا أو من هناك، ومن ثم قد يقع كثير من الناس فى حيرة هل ما ينادى به المجتمع من تنظيم النسل بما يتفق وقدرات المواطن أمر يتفق مع الشرع، أم ينافيه، أم إن الإكثار من النسل فى ضوء أى مستوى معيشى وتعليمى يتفق ومقاصد الشرع ؟.. وجوابا على ذلك أقول: إن الإسلام يعنى بالكيف لا بالكم، وإن كان يدعو إلى كثرة كما فى بعض الأحاديث فإن الأمر معلل بكون هذه الكثرة قادرة على التعليم والتعلم، والعمل والإنتاج، والإنفاق على نفسها، فإذا كانت بخلاف ذلك فقدت قيمتها، وتخلفت العلة التى من أجلها دعا النبى عليه الصلاة والسلام إلى هذه الزيادة. والقاعدة: أنه إذا تخلفت العلة تخلف معها المعلول، إذ أنها تدور معه وجودا وعدما.
ويوضح: لذلك نجد النبى عليه الصلاة والسلام يوضح للأمة هذا المفهوم الخاطئ المتعلق بالزيادة السكانية، فى الحديث الذى رواه ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثر، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله فى قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت"، ففى هذا الحديث يبين النبى أن الزيادة السكانية التى لا فائدة منها، ولا تقدر على حماية نفسها، ولا أرضها، وعرضها، ولا مقدراتها، لا تساوى شيئا، وهى مثل زبد السيل الذى لا قيمة له.
ويشدد على أن صاحب الشريعة وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام لما سئل عن استخدام بعض الوسائل التى تمنع الحمل كالعزل ونحوه، لم ينه الناس عن ذلك، ففى حديث جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل، فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا" الأمر الذى يؤكد مشروعية تنظيم النسل وفقا لطبيعة المجتمع، وظروفه، وقدرته على العمل والإنتاج، وتحقيق معانى الكفاية اللازمة له ولأبنائه.
يؤكد هذا المعنى أن النبى عليه الصلاة والسلام فى حديثه إلى الشباب قائلا: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" فإذا كان الزواج ليس مطلوبا بالكلية لغير القادر عليه، فإن ما ينتج عنه وهو التناسل والتوالد ليس مطلوبا أيضا، وإذا كان المرء قادرا على الإنفاق على عدد معين فإنه ممنوع من إنجاب ما لا يقدر على تربيته وتعليمه، وجعله مواطنا صالحا، قادرا على حمل معانى الخلافة عن الله، فضلا عن حمل أمانة التكليف.ويؤكد: إننا بحاجة إلى فقه جديد بالنصوص وعلل الأحكام، وسبر أغوارها، وفهمهما فى ضوء مقاصد الشرع، ومصالح الخلق، حتى يكون الخطاب الدينى بعد ذلك إلى العامة خطابا صحيحا يتناغم وظروف الزمان والمكان والعصر والمصر.
قد يهمك أيضا :