ثمة اعتقاد بان الجبال النائية الواقعة في صحراء شمالي مالي اصبحت ملاذا للفارين من المتمردين الاسلاميين في اعقاب العمليات العسكرية التي تقودها فرنسا، وذلك بعد طردهم من البلدات الرئيسية هناك، ويعتقد بأنهم أخذوا معهم عددا من الرهائن الفرنسيين.في وسط منطقة جبال تغارغار الوعرة في اقصى شمال شرقي مالي، توجد منطقة اسيل التي تحيطها الصخور على مساحة شاسعة، كما يوجد مبنى من خمس طوابق وعشر حافلات بطابقين على حافة منطقة للكهوف الوعرة.كانت هذه الكهوف خلال عصور ما قبل التاريخ مأوى للسكان الذين يعيشون على ما يجمعونه من الصيد، والآن اصبحت ملجأ يؤوي المسلحين الاسلاميين الفارين من هجوم القوات الفرنسية وحلفائها من دول افريقيا.واستطاعت بي بي سي زيارة منطقة اسيل قبل سنوات مع احد المغنيين البارزين يدعى ابراهيم في فرقة "تيناروين" التي تضم مجموعة من عازفي القيثارة والشعراء الطوارق.وكان المكان بالنسبة لابراهيم والعديد من الطوارق مبعث احترام ومكان للتأمل كما هو الحال بالنسبة لمنطقة ايريس روك في استراليا او غراند كانيون في الولايات المتحدة.وشاءت الأقدار أن تصبح هذه المنطقة على خط المواجهة الأمامي خلال عملية "سيرفال" العسكرية الفرنسية التي لا تزال جارية للتخلص من الجماعات الاسلامية المسلحة في شمالي مالي.تقع بلدة كيدال القريبة، اكبر البلدات في المنطقة، على بعد 1400 كيلومتر من العاصمة المالية باماكو.وكانت كيدال مركزا لجميع اعمال التمرد التي شنها الطوارق ضد الحكومة المركزية منذ عام 1962.وتعاني المنطقة المحيطة بكيدال من الجفاف الشديد والوعورة، وتنتشر فيها مجموعة من الصخور السوداء تحت شمس حارقة.ولسوء الطالع فإن جبال "تغارغار" والمنطقة المحيطة بها لم تكن بالنسبة للفرنسيين سوى مكان أمثل لجيش عصابات.وتملأ الامطار السنوية البحيرات بمياه الشرب التي تستفيد منها الحيوانات في البادية والمتمردون، كما تتيح الكهوف العديدة مأوى من العواصف الرملية وغارات المقاتلات.من جهة أخرى، تقع الحدود الجزائرية على مقربة من المنطقة وهي مليئة بالثغرات بصورة كافية تسمح بالتسلل وتوفير ما يكفي من الغذاء والسولار والذخيرة طالما باتت الرشوة سلاحا يدفع المسؤولين المحليين الفاسدين لغض الطرف عن هذه الممارسات.وقصفت القوات الجوية الفرنسية مواقع للمسلحين ومستودعات الذخيرة على الحافة الشمالية لجبال تغارغار حول قرية تيساليت، وهي واحة صغيرة جميلة الى جانب نهر تفيض منه المياه خلال شهري يونيو/تموز ويوليو/حزيران في ظل هطول مستمر للامطار.تضع فرنسا نصب أعينها على قاعدة جوية عسكرية قريبة تمثل مكانا ستراتيجيا للغاية بني في خمسينيات القرن الماضي، لكن من غير الواضح ما هي الاسباب التي حالت دون استيلاء هذه القوات على هذه القاعدة.وانطلاقا من هذه القاعدة، يمكن للقوات الفرنسية الانتشار والقيام بدوريات جوية.أي قافلة برية يزيد عددها عن ثلاث سيارات رباعية الدفع من المحتمل استهدافها الا اذا أصبح من الممكن تحديد هوية أصحابها.يعرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحلفاؤه المنطقة جيدا، اذ عمدوا في البداية الى انشاء قاعدة هناك عام 2003 بالاستعانة بجبال "تغارغار" والصحراء الممتدة إلى شمال غربي البلاد كملجأ مثالي للاختباء واحتجاز الرهائن الاجانب وتدريب المنضمين حديثا إلى التنظيم.وباستثناء مناوشة وقعت عام 2009، ترك الجيش المالي المكان، ودفعت مالي ثمن سياسية عدم التدخل.ويتمثل الهدف الذي تتبناه مالي وفرنسا والمجتمع الدولي، الى جانب الهدف من عمليات "سيرفال" والحرب الشاملة على "الارهاب"، في استعادة قدر من السلام والسحر الى هذه المنطقة.والعمليات العسكرية لا تهدف فقط إلى التخلص من المسلحين الاسلاميين فحسب، بل لايجاد حلول للمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه شمالي مالي.وحتى الان تعتبر هذه المشكلات هائلة وغير قابلة للحل.