الدوحة - مصر اليوم
العدّ التنازلي لانطلاق انتخابات رئاسة الجمهورية في سوريا بدأ ومعه بدأ مرشحو هذه الإنتخابات الثلاثة الرئيس الحالي بشار الأسد وحسان نوري وزير سابق ومحمد حجار عضو برلمان سابق حملاتهم الإنتخابية. إذن ثلاثة فقط من بين أربعة وعشرين مرشحا استقر عليهم المزاد السياسي أخيرا ليتنافسوا في هذه الإنتخابات وفق مقاييس النظام. الأسد دشّن حملته الإنتخابية تحت شعار "سوا" أي معاً إلى الأمام فيما ردت عليه المعارضة بشعار ساخر "سوا مكملين لورا" أي للخلف. ومن المقرر أن يجري الإقتراع على منصب الرئيس لولاية مدتها ست سنوات قادمة وفق ما أعلنه مجلس الشعب (البرلمان) للسوريين المقيمين خارج البلاد في السفارات السورية يوم الأربعاء 28 مايو الجاري، فيما يجري للمواطنين السوريين المقيمين داخل البلاد يوم الثلاثاء 3 يونيو المقبل. وكان 24 شخصاً من بينهم حجار والنوري والأسد، تقدموا بطلبات ترشحهم لانتخابات الرئاسة في الفترة ما بين 22 إبريل الماضي و1 مايو الجاري لخوض غمار هذه الإنتخابات، إلا أنّ المحكمة الدستورية العليا أعلنت الأحد الماضي، قبول طلبات حجار والنوري والأسد فقط، ورفض باقي الطلبات لأسباب قالت إنها قانونية ودستورية، قبل أن يقدم 6 ممن رفضت طلباتهم بتظلمات الأربعاء الماضي إلى المحكمة الدستورية لتبت بها الأخيرة بالرفض. المحكمة ذاتها قررت عدم أحقية أي مواطن سوري خرج من بلاده "بصفة غير مشروعة" حسب وصفها إبان سنوات القتال الثلاث الماضية الإقتراع مما يعني حرمان نحو سبعة ملايين سوري في الخارج من المشاركة فيها. المرشح حجار، هو عضو في مجلس الشعب انتخب عام 2012 ضمن قائمة الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير المعارضة "المقبولة من النظام" والممثلة في الحكومة السورية. أما النوري، فهو عضو سابق في مجلس الشعب، شغل سابقا منصب وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، ويرأس المبادرة الوطنية للإرادة والتغيير وهو تشكيل من المعارضة السورية في الداخل المقبولة من النظام. ورفضت المعارضة السورية المشاركة في الإنتخابات التي ينظّمها النظام ووصفتها ب "المهزلة"، في الوقت الذي قوبلت فيه برفض عربي ودولي واسع كونها بحسب تصريحات لمسؤولين عرب وغربيين لا تساهم في حل الأزمة في سوريا التي دخلت عامها الرابع. وتوقع المراقبون لهذه الإنتخابات أن تبقي الأسد في موقعه "رئيسا مُكَرّرا " في وقت انتقد الغرب والمعارضة السورية إجراءها معتبرين إياها "مهزلة القرن" ربطا بما اعتبروه "مأساة القرن" كناية عن الأزمة السورية. وطبقا لقانون الإنتخابات المعمول به في سوريا، فإن على الراغبين بالترشح تقديم طلب إلى المحكمة الدستورية العليا والحصول على موافقة خطية من خمسة وثلاثين عضوا في مجلس الشعب البالغ عدد أعضائه 250 نائبا كشرط لقبول الترشيح رسميا، ومع أن هذه الإنتخابات ستكون حسب الدوائر الحكومية السورية أول "انتخابات رئاسية تعددية"، إلا أن قانونها يغلق الباب عمليا على ترشح أي من المعارضين المقيمين في الخارج فيما يشترط القانون أن يكون المرشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية. أما بشأن قانونية هذه الإنتخابات من عدمها فهي في نظر النظام وأركانه قانونية وشرعية، إلا أنّ قراءة متأنية للمشهد السوري الداخلي والخارجي طبقا لآراء قانونيين دوليين تفيد بأن مثل هذه الإنتخابات وفي ظل الظروف الواقعية التي تعيشها سوريا تجعل منها عملية فاقدة للصفة القانونية والمبدئية، إذ أن أكثر من نصف الشعب السوري البالغ تعداده نحو عشرين مليون نسمة غائب عنها أو مغيب بفعل تبعات الأزمة الراهنة في بلادهم، فهم إما لاجئون خارج سوريا أو نازحون داخلها عن مناطق سكناهم الأصلية أو محاصرون من قبل قوات النظام أو غير راغبين في الإنخراط بها لسبب أو لآخر. وهنا يتساءل هؤلاء القانونيون بالقول هل سيجريها الأسد على أقل من نصف شعبه وربما على ثلث شعبه وتمارس فيها أجهزته كل أنواع الترهيب والترغيب على من تستطيع الوصول إليهم من الشعب وماذا لو فاز فيها وهو في المحصلة ضامن لذلك، هل ستكون قانونية ودستورية وشرعية حينها، ويجيب هؤلاء قائلين إنّ كل المعطيات تبين بأن الأسد حتى لو تمكّن من إجرائها بما هو متوفر له فإنها لن تكتسب صفة القانونية والدستورية والشرعية وبالتالي لن تكون محل اعتراف وقبول لدى أي طرف سياسي أو ديمقراطي دولي عدا حلفاء الأسد. ومع ذلك يبدو أن نظام بشار الأسد عازم على المضي في استكمال مسرحية هذه الإنتخابات الرئاسية رغم أنّ الحرب الشاملة المستمرة في بلاده منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي يشنها هو نفسه بنظامه وقواته ضد غالبية السوريين، أسفرت إلى الآن عن تشريد ما يقارب نصف سكان سوريا من أماكن سكنهم، ما بين نازح ولاجئ، وعن قتل أكثر من 200 ألف سوري، إلى جانب مئات ألوف المعوقين والمشوهين والجرحى، فضلاً عن دمار أحياء المدن والبلدات والقرى. ولم يكترث النظام السوري بالمناشدات والتحذيرات الدولية من استكمال فصول تلك المسرحية التي تعني في أبسط تبعاتها إغلاق أبواب الحل السياسي ونبذ الغالبية من الشعب واستبعادهم عن تقرير مستقبل بلادهم، حيث أعلن رئيس مجلس الشعب السوري أنّ الإنتخابات الرئاسية ستجري في الثالث من يونيو المقبل. كما أن تواصل أعمال القتل والدمار لم يمنع أجهزة إعلام النظام ووسائله من الحديث عن انتخابات رئاسية ديمقراطية. وكان مجلس الشعب السوري قد أقرّ في الرابع عشر من مارس الماضي بنود قانون انتخابات رئاسية تم تفصيله حسب مواصفات رئيس النظام وأتباعه حيث أغلق الباب، عملياً، على احتمال ترشح أي من المعارضين السياسيين، وخاصة الذين أجبرهم عنف النظام وقمعه على الإقامة خارج وطنهم، إذ يشترط أن يكون المرشح إلى الإنتخابات قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية. وتشير الوقائع الميدانية على الأرض، إلى أن مسرحية الإنتخابات الرئاسية لن تجري في حال أصر النظام على إجرائها إلا على جزء محدود من سوريا، ذلك أن النظام لا يسيطر عملياً إلا على أقل من نصف المناطق والبلدات، فيما تسيطر قوات حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي على مناطق واسعة في الشمال الشرقي من سوريا، وتخضعها لإدارة ذاتية، بعد أن قسمتها إلى ثلاث مقاطعات، فيما تسيطر ما تسمى بدولة العراق والشام (داعش) على مدينة الرقة ومناطق في الشرق والشمال. وهناك مناطق كثيرة في الجنوب وفي الشمال والوسط، تسيطر عليها الفصائل الإسلامية، فضلاً عن المناطق التي يتواجد فيها الجيش السوري الحر، الذي يعترف بالحكومة السورية المؤقتة التي شكلها الإئتلاف الوطني السوري. كما أن هذا الواقع يؤكد أن الإنتخابات ستنحصر في دائرة ضيقة من الأرض السورية، حيث ستكون شكلية ومقتصرة على بعض مناطق العاصمة دمشق، والساحل السوري بشكل أساسي. وترى أوساط سياسية مراقبة للأزمة السورية أن النظام الماضي يريد من إجراء تلك الإنتخابات أن يوهم العالم أنه بصدد تجديد شرعيته الداخلية وأنه ليس قوة ارتكبت ولاتزال كل ذلك القتل والتدمير بحق غالبية السوريين وبالتالي ليس على المجتمع الدولي سوى أن يصدّق هذه المسرحية التي تدّعي الحرص على استمرارية شرعية الأسد ولو عبر "مهزلة" انتخابات رئاسية، توفر حجة قانونية وسياسية له ولحلفائه. وتؤكد هذه الأوساط السياسية السورية أن الإنتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا تهدف أيضا إلى تدمير مؤتمر جنيف نهائيا وإسقاط أي بادرة إلى عملية الإنتقال السياسي، التي نص عليها بيانه الأول، من خلال تشكيل هيئة الحكم الإنتقالي، وأن النظام يحاول استغلال الإنشغالات الدولية لا سيما أزمة أوكرانيا، التي صرفت النظر عن موضوع الأزمة السورية في المضي قدما في برنامجه السياسي الهادف إلى تنصيب نفسه من جديد على رأس الحكم في البلاد. وتتوقع الأوساط ذاتها أن يتمكن الأسد من الفوز في الإنتخابات الرئاسية التي رسمها بدقة لنفسه لكنه لن يتمكن من العودة كرئيس لكل سوريا والسوريين سيما وأن فوزه هذا سيكون على أشلاء نحو مئتي ألف قتيل من أبناء شعبه ونحو عشرة ملايين مشرد حصيلة ما يقرب من أربعة أعوام على الحرب في بلاده. وترى هذه الأوساط، أن الأسد يستطيع اختيار ناخبيه في انتخابات يغيب عنها ملايين الناخبين ويتعين فيها على المرشحين إثبات إقامة في سوريا لا تقل عن عشر سنوات متصلة وتجميع تواقيع خمسة وثلاثين عضوا من أعضاء البرلمان مما يعني استبعاد ترشح أي ثائر أو معارض أو منشق عن النظام مدنيا كان أم عسكريا. أما المعارضة سواء السياسية منها أو العسكرية التي تقاتل النظام وحتى المعارضة الداخلية التي تصف نفسها بالمعتدلة والتي لاتزال تقيم في كنف النظام فتستبعد تماما نجاح مثل هذه الإنتخابات وإن كانت تعتقد بأن نظام الأسد قادر على إخراج مسرحيتها بالطريقة التي تخدمه. وفي هذا الصدد يقول كبير المفاوضين في الإئتلاف الوطني السوري المعارض هادي البحرة "إن أكثر من نصف دول العالم نزعت منذ سنوات الشرعية عن نظام الأسد وبالتالي فإن عدم شرعيته دوليا ستفقد انتخاباته شرعيتها". وأشار البحرة أيضاً إلى عدم اعتراف الإئتلاف والمعارضة السورية بكل أطيافها بهذا النظام وبالتالي فإن ترشح الأسد للإنتخابات غير معترف به. وما دام نظام الأسد بالأساس غير شرعي في نظر المعارضة فإن كل ما ينتج عنه من إجراءات تعتبر غير شرعية، غير أن البحرة أوضح بأن ما حدث من ترتيبات بشأن إعلان هذه الإنتخابات والإستعداد لها من قبل النظام وأركانه ليس بجديد أو مستغرب عن هذا النظام. وألقى البحرة بجزء كبير من مسؤولية استمرار الأسد في تحديه لكل الأعراف والقوانين الدولية على عاتق المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن النظام في سوريا لايؤمن بأي حل سياسي للأزمة حيث يقول الأسد إن ترشحه للإنتخابات خارج إطار التفاوض السياسي بينه وبين المعارضة وهذا الأمر بحد ذاته مخالف لبيان مؤتمر جنيف الأول الذي يقوم على عملية سياسية تؤمن الإنتقال السياسي للسلطة وتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، معربا عن استغرابه إزاء صمت رعاة مؤتمر جنيف "الولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي" حيال مسلكية النظام السوري السياسية خارج إطار الشرعية الدولية. من جهتها، تساءلت قيادات فصائل المعارضة السورية العسكرية وبينها قيادات الجيش الحر عن الكيفية التي ستجري فيها انتخابات رئاسية كهذه وفق أهداف النظام في مناطق تقع تحت سيطرة هذه المعارضة حيث لا يستطيع النظام وأدواته دخولها. حتى المعارضة في الداخل وهي المعارضة المُدجّنة المقبولة لدى النظام أعربت على لسان إحدى فصائلها السياسية الكبرى وهي هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي عن رفضها لهذه الإنتخابات، مشيرة إلى أن إجراء هذه الإنتخابات في مثل الظروف الراهنة التي تمر بها سوريا مسألة غير مقبولة، وأوضحت في بيان لها قائلة: "إن النظام يريد أن يقول لنا إنه موجود وما عليكم سوى المشاركة في الإنتخابات مقابل حصانة لكم وكم وزارة في الحكومة المقبلة،إلا أننا نقول له بأننا نحتاج إلى تغيير وطني شامل يستطيع فيه الشعب أن يمارس حريته في الإقتراع لانتخابات تتوفر فيها معايير الشفافية والنزاهة والديمقراطية. ونحن نريد تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها كل أطياف المعارضة والنظام. أما أن يقول النظام أنه قام بإصلاحات وتغيير دستور وانتخابات مجلس شعب وما عليكم سوى الدخول في انتخابات رئاسية فذلك أمر مرفوض حيث يبقى النظام كما هو دون تغيير أو تعديل". بيد أن جماعات وأطرافا سياسية وحزبية مؤيدة لأجراء انتخابات رئاسية في سوريا في موعدها في الثالث من يونيو المقبل اعتبرت هذه الإنتخابات بمثابة الفرصة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. كما أنها تفسح المجال أمام السوريين لخوض انتخابات تنافسية للمرة الأولى منذ خمسين عاما، وتقول هذه الجماعات والأحزاب "بالرغم من أن هذه الإنتخابات لن تتم بالشكل الذي يتطلع إليه السوريون من حيث المشاركة الشاملة والوضع الأمني المستقر إلا أن مجرد إجرائها سيجنب البلاد فراغاً دستورياً رئاسياً يهدد وحدتها الكيانية والشعبية. (تقرير الأبحاث والدراسات) قنا