عمان ـ وكالات
تجددت أجواء التصدع داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، عقب تسرب وثيقة منسوبة إلى لجنة داخلية محسوبة على أحد التيارات الرئيسية فيها، تحدثت عن انقسام حاد وضعف في الأداء السياسي، واستقطاب سياسي إقليمي "أردني فلسطيني"، بالتزامن مع مساعي داخلية لإعادة تشكيل هيئات قيادية.ونفت قيادة جماعة الإخوان في الأردن رسمياً صحة الوثيقة المسربة، والتي تم الكشف عنها الأحد، كما نفت أن تكون قد تمت مناقشتها أو عرضها على أي من مؤسسات الجماعة "جملةً وتفصيلاً"، فيما لم تنف قيادات أخرى محسوبة على التيار بعض ما ورد في مضامين تلك الوثيقة، دون تبنيها بصيغة حرفية.واعتبر باحثون مختصون أن الوثيقة، وإن لم تصدر عن تيار داخلي بشكل مؤسسي وحرفي، إلا أنها تعبر عن موقف لتيار واضح في الجماعة، بما ينبئ مجدداً إلى حدوث "انفجار"، وتشكيل إطار جديد "غير مؤثر شعبياً."في الأثناء، وصف نائب المراقب العام للإخوان المسلمين بالأردن، زكي بني ارشيد، الوثيقة بـ"التسريبات الأمنية" ضمن حملة منظمة تستهدف الجماعة، فيما نفى صحة ما ورد فيها، أو عرض أي طرف داخل الإخوان لها على أي مستوى من مستويات مؤسسة الجماعة.وقلل القيادي الإخواني، في تصريحات لـCNN بالعربية، من أهمية الحديث عن حدوث انشقاق داخل الجماعة مجدداً، قائلاً إن الحركات الإسلامية على امتداد المنطقة العربية لم تشهد "حالة انقسام حقيقي واحدة."وتابع قائلاً: "دعونا نقول إن هناك وجهات نظر مختلفة.. ومتى لم تشهد جماعة الإخوان هذا الاختلاف.. فليكن.. جماعات الإخوان على امتداد المنطقة لم تشهد حالة انشقاق، وأي حالة سيكون مصيرها الفشل."جاء الكشف عن هذه الوثيقة عقب أسابيع قليلة من إعلان قيادات إخوانية محسوبة على تيارها مع مستقلين، تشكيل إطار جديد من خارج جماعة الإخوان، عرف باسم مبادرة "زمزم"، بقيادة الدكتور ارحيل غرابية، سرعان ما منعت القيادة قواعدها التعاطي معها. وتمحورت الوثيقة، ، إلى قضايا تفصيلية عديدة، من بينها الدعوة إلى إعادة بناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين "حزب جبهة العمل الإسلامي"، والحديث عن انهيار في المنظومة الأخلاقية داخل الجماعة، واتهامات باستخدام تيار القيادة المال السياسي لإنجاح مرشح التنظيم الداخلي عبر دفع اشتراكات الأعضاء بالجملة.كما تطرقت إلى استمرار وجود اصطفافات إقليمية داخلية، منقسمة بين تيار شرق أردني وآخر غرب أردني، على خلفية الارتباط السابق مع مكاتب حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إدارياً، رغم حسم القضية بقرار فصل مؤسسي لتلك المكاتب بطلب من الحركة الفلسطينية عام 2010.وتنفي قيادات معتدلة حرفية الوثيقة المنسوبة إلى لجنة الحكماء، فيما تؤكد أن بعض القضايا الواردة نصت عليها الوثيقة الأصلية، التي صادق عليها "مجلس شورى الإخوان"، وهو أعلى هيئة قيادية بالجماعة.وفي هذا الصدد، قال القيادي المخضرم في الجماعة، الدكتور عبد اللطيف عربيات، وأحد أعضاء لجنة الحكماء، إن ما يجري داخل الجماعة هو خلاف طبيعي، لكنه بحاجة إلى "توافق ومعالجة."وقال عربيات، المحسوب على تيارالمعتدلين، ، إن الحاجة باتت ملحة "لتحديث خطاب جماعة الإخوان، باعتباره أمراً دينياً"، فيما قال إن المساعي قائمة لاحتواء بعض الاختلافات.وأضاف: "هناك عدم ارتياح لواقع معين داخل الجماعة، ونعمل للتوافق على حل المشكلات.. لابد من تعديل النظام الأساسي للجماعة، وإحداث التوافق.. الخطأ هو عدم التوافق." وتركزت الخلافات الداخلية للجماعة منذ مطلع العام، بسبب سيطرة تيار التشدد على المواقع القيادية في الجماعة، عقب خسارة مرشح الاعتدال في انتخابات منصب المراقب العام، حيث تجري مساعي لإشراك التيار المنافس في الهيئات القيادية دون تحقيق تقدم داخلي.وتشير معلومات مسربة من مصادر إخوانية، ، إلى أن حالة من الإحباط تسود بين تيار القيادات التقليدي، على وقع الخلافات الداخلية، فيما يدفع تيار شبابي جديد نحو تفعيل الأطر خارج الجماعة، والسعي لتشكيل مبادرات أخرى، رداً على تجاهل مطالبهم الداخلية، على غرار مبادرة "زمزم."وتحفظت بعض القيادات التقليدية المعروفة عن الإدلاء بأية تصريحات متعلقة بالأزمة الداخلية خلال الأيام القليلة الماضية.وأجمعت تحليلات مراقبين على أن التسريبات وحالة الشد الإعلامي، أخذت طابعاً جديداً ومختلفاً على مدار العام الماضي، مع تكرار طرح الحديث عن بدائل لجماعة الإخوان.ويرجح باحثون متخصصون في شؤون الحركة الإسلامية استمرار حالة الاستقطاب الداخلي داخل جماعة الإخوان المسلمين، وحدوث انشقاق هزيل، قد تشكل مبادرة زمزم عنواناً له.وقال الباحث في شؤون الجماعة، الدكتور محمد أبو رمان،، إن حالة الاستقطاب بلغت ذروتها تحت عناوين عديدة، أبرزها "التفاف القيادة الحالية على احتواء الخلافات الداخلية، وإعادة تشكيل الهيئات القيادية."وأضاف: "السيناريو سيذهب إلى الانفجار، وزمزم أحد الاحتمالات.. وبسبب الحالة الأردنية السياسية لا تملك أي جماعة، قد تنفصل، قواعد شعبية كبيرة، ولن تكون مؤثرة سياسياً."لكن أبو رمان قلل من أهمية ما ورد في الوثيقة المسربة، وتضارب مضامينها مع توجه تيار المعتدلين التاريخي ومواقفه داخل الجماعة.وأشار إلى أن حالة التناقض ظهرت عند بعض القيادات المعارضة للقيادة الحالية، بشأن رفض المشاركة في العملية السياسية للدولة في مناسبات مختلفة ومطالبات بالملكية الدستورية، فيما جاءت اليوم لتطرح عبر مبادرة "زمزم" دعوة مشاركة في مؤسسات الدولة والتدرج في الإصلاح.وعن مزاعم وجود انقسام "إقليمي" حاد داخل الإخوان، على خلفية التداخل السابق للتنظيم الأردني مع حماس، وهاجس الثنائية الديموغرافية في المجتمع الأردني، اعتبر أبو رمان أن تلك قضية خلافية قديمة متجددة، ليست محسومة لا شعبياً ولا رسمياً أردنياً، وأنها أقل حدة داخل الإخوان.لكن أبو رمان أعرب عن خشيته من الذهاب إلى الانشقاق، والتوجه نحو تدشين تجربة جديدة، قد يعتقد أنها ستحاكي النموذجين التركي أو المصري.وقال: "أخشى أن أي انشقاق لن يفضي إلى محاكاة نموذج رجب طيب أردوغان في تركيا، أو عبد المنعم أبو الفتوح في مصر.. فليس ثمة قواعد شعبية قد تحظى بها أي حركة منشقة ولا ظروف موضوعية لديها لإتمام ذلك."وبشأن الاتهامات المتعلقة بإهمال مطلب الإصلاح السياسي في البلاد، قال أبو رمان: "هناك توافق داخلي داخل جميع أطياف الجماعة على أولوية الإصلاح.. بل إن هناك صدام تقوده الجماعة مع النظام السياسي من أجل ذلك."وجاءت التسريبات تزامناً مع إصدار جماعة الإخوان المسلمين تعميماً داخلياً لقواعدها، بالتأكيد على مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، وحث الناخبين على المقاطعة، بل والتأكيد على محاسبة من يخالف قرار الجماعة، بحسب مصادر إخوانية.