إسلام آباد ـ مصر اليوم
مرّ يوم الانتخابات الباكستاني بالدماء والاشتباكات والقتلى والجرحى، وسط جدل من الأحزاب المشاركة بشأن شفافية ونزاهة التصويت في عملية الاقتراع، الأكثر تعقيدا في البلاد منذ العام 1970، عندما أدى الاستحقاق إلى فصل «باكستان الشرقية»، في ما يسمى حاليا بنغلاديش، بسبب رفض الجيش وحزب الشعب الاعتراف بفوز حزب «عوامي» البنغالي، بقيادة شيخ مجيب الرحمن.
وأعربت السعودية عن إدانتها واستنكارها الشديدين للهجوم الانتحاري الذي وقع قرب أحد مراكز الاقتراع في مدينة كويتا الباكستانية، مخلفاً عشرات من القتلى والجرحى.
وجدد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية للبلاد (واس)، التأكيد على وقوف المملكة وتضامنها مع باكستان ضد الإرهاب والتطرف، معربا عن إدانة بلاده واستنكارها الشديد للهجوم الانتحاري، مقدما العزاء والمواساة لذوي الضحايا ولحكومة وشعب جمهورية باكستان الإسلامية مع التمنيات للمصابين بالشفاء العاجل.
وسبق شكاوى من حصول تجاوزات وتزوير، تفجير نفذه انتحاري من «داعش» أمام مركز اقتراع شمال مدينة كويتا في بلوشستان، بعد محاولة الأمن منعه من دخول المركز، مما أدى إلى سقوط 31 قتيلاً وعشرات الجرحى، وسارع تنظيم «ولاية خراسان» إلى تبني الهجوم باسم «داعش»، وأعلن في بيان أن زبير أحمد خراساني، أحد كوادر التنظيم هو الذي نفذ العملية.
ووقعت اشتباكات في منطقة جعفر آباد في بلوشستان، بين أنصار عمران خان ومؤيدي حزب بلوشستان القومي، مما أسفر عن إصابة خمسة عشر مواطنا، كما قتل باكستاني في منطقة صوابي جنوب شرقي بيشاور، وجرح ثلاثة آخرون في اشتباكات بين أنصار عمران خان وحزب «عوامي» البشتوني. وأدى انفجار قنبلة في مدينة لاركانا مقر قيادة حزب «الشعب» إلى جرح خمسة أشخاص.
كانت الشرطة أعلنت اعتقال شخصين في بلدة قلعة عبدالله في إقليم بلوشستان، متنكرين بزي الشرطة، تحسباً لقيامهما بعمليات تفجير أو اقتحام لمراكز انتخابية.
وأصدر الناطق باسم الجيش الباكستاني بيانا، حول كمين واجهته لجان الانتخاب بالقرب من الحدود الإيرانية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة من الجنود قرب جبال زمان، وعضو في لجنة الانتخابات، وجرح أربعة عشر شخصاً آخرين، بينهم عشرة من رجال الأمن، وأربعة مدنيين بجروح بليغة؛ لكن عملية الاقتراع لم تتأثر بحسب بيان الناطق باسم الجيش الباكستاني.
وتقدمت أحزاب «الرابطة الإسلامية» و«الشعب» و«عوامي» القومي البشتوني، بشكاوى إلى لجنة الانتخابات عن تأخير عملية التصويت في كثير من المراكز، للحيلولة دون استيعاب الناخبين الذين اصطفوا طوابير طويلة في الحر الشديد، ليدلوا بأصواتهم، وطالبت هذه الأحزاب بتمديد فترة التصويت لتمكين الناخبين من الاقتراع، لكن لجنة الانتخابات لم توافق على الطلب ثم عادت للقول إنها ستدرسه.
وأعلنت اللجنة في وقت لاحق، في بيان، أنها ستسمح فقط للناخبين الموجودين في منطقة مراكز الاقتراع حتى السادسة مساء بالاقتراع، ولن تمدد عملية التصويت لتمكين الآخرين الموجودين خارج المراكز من الإدلاء بأصواتهم.
اتهامات للجيش
وادعى أنصار «الرابطة» في منطقة رحيم يار خان، جنوب البنجاب، أن الجيش الذي يؤمن الحماية لمراكز الاقتراع كان يسمح فقط لمؤيدي عمران خان بالدخول إلى مراكز التصويت، ويمنع غيرهم من الإدلاء بأصواتهم، فيما حصل مراسل صحافي على تسجيل صوتي لمدير إحدى الدوائر الانتخابية يشتكي فيه من أن ضباط الجيش طلبوا منه التقيد بتعليماتهم وتسليمهم صناديق الاقتراع، وإدخال فقط من يسمحون له بالدخول للإدلاء بصوته في مدينة تكسيلا القريبة من إسلام آباد، والتي تعد معقلا لـ«الرابطة»؛ لكن حزب عمران خان ووزير الداخلية المنشق عن حزب نواز شريف، تشودري نثار علي خان، رشحوا أنفسهم عن المدينة.
كان بعض مراكز الاقتراع تأخر في فتح أبوابه للناخبين بأمر من القوات العسكرية التي تحرسها، رغم اصطفاف الناخبين من ساعات الصباح الأولى، كما منع الصحافيون من الدخول إلى كثير من مراكز التصويت في مناطق مختلفة من باكستان. ومنع كذلك ممثلو المرشحين من دخول مراكز الاقتراع لمراقبة عملية التصويت في كثير من المراكز، مما عزز من اعتقاد أنصار الأحزاب المعارضة لعمران خان بأن عملية تزوير واسعة قد تحدث في النتائج لصالح عمران خان والذين سيتحالفون معه.
وأمرت لجنة الانتخابات العامة بوقف التصويت والاقتراع في مدينة كوجرانوالة الصناعية قرب لاهور، بسبب غزارة الأمطار الموسمية وتأثر حركة الناخبين والسير في المدينة، لإغلاق كثير من الطرق بسبب الأمطار.
مشاركة نسائية غير مسبوقة
وفي منطقة دير العليا شمال غربي بيشاور، شاركت النساء لأول مرة منذ عام 1977 في عملية التصويت؛ حيث كن ممنوعات من قبل رجال المنطقة من المشاركة في الاستحقاق، بسبب الطبيعة المحافظة والمتشددة لسكان المنطقة القريبة من ولاية كونار شرق أفغانستان. كما منعت النساء من المشاركة في الاقتراع في منطقة أتشني القريبة من بيشاور، وطالب رجال المنطقة النساء بالبقاء في منازلهن. وسمح السكان المحليون في منطقة خوشاب الريفية شمال شرقي البنجاب للنساء بالإدلاء بأصواتهن، لأول مرة منذ الاستقلال عام 1947.
ووجهت لجنة الانتخابات العامة لفت نظر إلى كل من عمران خان وبيلاول زرداري وشهباز شريف، لما أدلوا به من تصريحات بعد قيامهم بالاقتراع، وهو مناقض لقوانين الانتخابات في باكستان. ووجهت لجنة الانتخابات تحذيراً شديد اللهجة إلى القنوات التلفزيونية، بعدم استضافة أي من الساسة المرشحين للانتخابات في برامجها قبل انتهاء عملية التصويت، حتى لا تكون فيما يقولونه دعاية انتخابية لأحزابهم.
وأعلن في إقليم بلوشستان أن سردار يعقوب مرشح حزب «الرابطة - فرع نواز شريف» هو أول فائز بمقعد في البرلمان، بعد تخلي منافسه عن الترشح عشية الاقتراع، ما زاد من حدة التنافس في الإقليم بين أنصار نواز شريف وأنصار عمران خان في مناطق أخرى.
نجل بي نظير بوتو
أما بيلاول آصف زرداري، نجل الزعيمة الراحلة بي نظير بوتو، وهو الرئيس المشارك في قيادة حزب «الشعب»، فوجه رسالة إلى عمران خان خاطبه فيها قائلاً: «العم عمران، هذه أول انتخابات أشارك فيها أنا؛ لكنها آخر انتخابات تشارك فيها أنت»!
كانت لجنة الانتخابات أعلنت أن عدد الباكستانيين الذين يحق لهم الاقتراع، قد وصل إلى مائة وستة ملايين ناخب، منهم ثلاثة ملايين وثلاثون ألفا من غير المسلمين، بعد أن كان عددهم مليونين وثمانمائة ألف ناخب في عام 2013. وبلغ عدد الناخبين الإجمالي مائة وخمسة ملايين وتسعمائة وستين ألفا، منهم تسعة وخمسون مليونا ومائتا ألف من الذكور، وستة وأربعون مليونا وسبعمائة ألف من النساء.
وشهدت الانتخابات الحالية السماح لأول مرة لـ«الجنس الثالث» في باكستان بالاقتراع، والترشح للمجالس النيابية الوطنية وفي الأقاليم. وتقدم 18 مرشحاً من الجنس الثالث للترشح؛ لكن عملية الاقتراع تلك جوبهت بمصاعب في مدينة بيشاور وإقليم خيبر بختون خوا. ويتنافس الجميع على مائتين واثنين وسبعين مقعدا نيابيا في الجمعية الوطنية، إضافة إلى برلمانات الأقاليم الأربعة.