المهاجرين غير الشرعيين

كشفت تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، أن 40 % من المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة, والمقدر عددهم بنحو 6 ملايين مهاجر، مولودون في أميركا الوسطى أو دول البحر الكاريبي, ومن المتوقع أن يزيد عدد القادمين من خارج أميركا الوسطى واللاتينية، من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، للهجرة إلى الولايات المتحدة، بمقدار 10 أمثال خلال العامين المقبلين.

ويعيش في الولايات المتحدة نحو 8.‏2 مليون سلفادوري أرسلوا خلال العام الماضي تحويلات مالية بلغت 4.‏16 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للسلفادور, كما يعيش 2.‏1 مليون مهاجر هندوراسي في أميركا تمثل تحويلاتهم ما يعادل 20 % من إجمالي الناتج المحلي لهندوراس، وتمثل تحويلات مواطني غواتيمالا في أميركا نحو 18 % من إجمالي الناتج المحلي لغواتيمالا خلال العام الأخير من حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

 ووافق الكونغرس على تقديم 750 مليون دولار لحكومات دول "المثلث الملعون" "السلفادور وغواتيمالا وهندوراس" من أجل محاربة الهجرة غير المشروعة, وفي أحدث تقاريرها وصفت منظمة العفو الدولية هذا المثلث بأنه "واحد من أكثر الأماكن عنفًا في العالم, حيث يزيد عدد من يلقون حتفهم فيه نتيجة أعمال العنف على عدد الذين يموتون في مناطق الصراع في العالم فالحياة اليومية للكثيرين من الناس في هذا المثلث تمضي تحت رحمة عصابات الجريمة المنظمة" وهو ما يجعله "مثلثًا معلونًا" بالنسبة لمئات الآلاف من الضحايا.

ويعبر مئات الآلاف من البشر أراضي أميركا الوسطى كل عام على أمل دخول الولايات المتحدة، كما جاء في تحقيق للوكالة الألمانية، تم بالتعاون مع الوكالة الإسبانية, وأغلب هؤلاء مهاجرون غير شرعيين فارون من العنف والفقر، قبل أن ينضم إليهم القادمون من مناطق الصراع والقارات الأخرى مثل سورية وإريتريا, وفي حين تمثل دول البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأميركا الشمالية نحو 2.‏7 % فقط من سكان العالم، فإنها تضم نحو 25 % من المهاجرين، كما أنها تواجه تجربة فريدة في حركة المهاجرين بحسب المنظمة الدولية للهجرة.

 ووصل إلى الدول الثلاث الصغيرة المعروفة باسم المثلث الشمالي نحو ستة ملايين شخص, ووفق تقرير منظمة العفو الدولية، فإن أنشطة العصابات "زادت مع وصول أعداد من أفراد العصابات المطرودين من الولايات المتحدة وتنامي نفوذ عصابات تهريب المواد المخدرة في المنطقة", ووفقًا لتقديرات منظمة "القوة الهندورانية الوطنية لمناهضة الابتزاز" التي تعمل في المنطقة، فإن إجمالي ما يدفعه مواطنو السلفادور نتيجة ابتزاز العصابات الإجرامية لهم يصل إلى 390 مليون دولار وفي هندوراس 200 مليون دولار وفي غواتيمالا 61 مليون دولار سنويًا .

ويؤكد برتراند بروسيه رئيس بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في المكسيك أثناء نشر تقرير الشهر الماضي للمنظمة تحت عنوان "الفرار الإجباري من المثلث الشمالي لأميركا الشمالية: أزمة إنسانية منسية"، أن القتل والخطف والتهديد والتجنيد لصالح جماعات مسلحة غير حكومية والابتزاز والعنف الجنسي والاختفاء القسري، هي كلها حقائق يعيشها سكان هذه المنطقة من أميركا الوسطى.

وأضاف "أن هذا العنف الذي لا يتوقف والمعاناة العاطفية التي تعاني منها أعداد كبيرة من مواطني هذه الدول الثلاث وتدفعهم إلى الرحيل منها لا تختلف عن تلك التي تعانيها شعوب مناطق الصراع التي عملت فيها عشرات السنين رحلة محفوفة بالمخاطر"، ويقول ماريو مادرازو رئيس إدارة "توثيق ورقابة المهاجرين" في المعهد الوطني للهجرة في المكسيك إنه "لا شك في تزايد الظروف التي تدفع المزيد من الناس في أميركا الوسطى إلى الهجرة نحو المكسيك أغلبهم يرتبطون ببعض المهربين".

ووفق بعض البيانات فإنه منذ 2006 اختفى أكثر من 120 ألف مهاجر في المكسيك أثناء عبورهم إلى الولايات المتحدة، كما أن نحو 80 % من النساء والفتيات المهاجرات يتعرضن للاغتصاب أثناء الرحلة، وفق مقال بعنوان "أخبرونا كيف انتهى الأمر" للكاتبة المكسيكية "فاليريا لويزلي", ووفق "مهرب بشر" سلفادوري التقت به وكالة الأنباء الإسبانية "إفي"، فإن تكلفة تهريب أي مهاجر إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك تتراوح بين 6 آلاف و20 ألف دولار.

 وتشمل التكلفة القصوى، الأموال التي يتم دفعها "للمتعاونين الضروريين" مع ضمان تكرار المحاولة 3 مرات للوصول إلى الولايات المتحدة في حالة فشل المحاولة الأولى, ويضطر المهاجرون إلى دفع مقابل الحماية من عصابات الجريمة أثناء رحلة الهجرة، وأحيانًا يكون المقابل هو المشاركة في بعض الجرائم، ومنها حمل كمية من المواد المخدرة, لتوصيلها إلى الولايات المتحدة أو المكسيك,  مأساة الترحيل بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، فإن قمة المأساة تأتي بعد الوصول إلى الولايات المتحدة عندما يتم القبض عليهم وإجبارهم على العودة إلى بلادهم.

وقامت الولايات المتحدة في عام 2016 بترحيل نحو 5.‏78 ألف مهاجر غير شرعي إلى دول المثلث الشمالي، وفقًا للبيانات الرسمية, ويزداد هذا الرقم عندما يتم إضافة مهاجري أميركا الوسطى الذين رحلتهم المكسيك التي تعتبر طريق المرور إلى "الحلم الأميركي"، وفي العام الماضي رحلت المكسيك 31 ألف سلفادوري، مقابل 21 ألف سلفادوري رحلتهم الولايات المتحدة خلال العام نفسه.

وسجلت منظمة العفو الدولية التي تقدر عدد المهاجرين غير الشرعيين عبر المكسيك بأكثر من 400 ألف مهاجر سنويًا، زيادة غير مسبوقة في عدد طلبات اللجوء التي تلقتها المكسيك خلال العام الماضي, ليصل إلى 6898 طلبًا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي 93 % منهم من المثلث الشمالي، حيث تم منح 2612 حالة حق اللجوء, المهاجرون الدوليون تعد منطقة أميركا الوسطى والبحر الكاريبي مصدرًا ونقطة عبور للهجرة غير الشرعية.

وتعد بنما بوابة العبور لهذه المنطقة, حيث اعترضت خلال العام الماضي 25438 مهاجرًا غير شرعي على حدودها مع كولومبيا، حيث قال 11 ألف شخص إنهم من الكونغو، رغم أن التقديرات تقول إنهم من هايتي وإنهم يدعون أنهم كونغوليون لتجنب الترحيل، حيث يصعب ترحيلهم إلى الكونغو, ويقول فرع أميركا الوسطى والبحر الكاريبي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المواد المخدرة والجريمة والموجود مقره في بنما، إن عصابات التهريب تأخذ المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط الذين يريدون دخول الولايات المتحدة، من خلال شبكة عالية التنسيق، تشمل رحلات جوية عبر شركات الطيران الرسمية والمرور من نقاط الحدود "العمياء" البرية والبحرية والتي تغيب عنها الرقابة الحكومية اللازمة.

ويتابع أماندو فيليب دي أندريس ممثل مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المواد المخدرة والجريمة في أميركا الوسطى والبحر الكاريبي لوكالة الأنباء الإسبانية, أن شبكات تهريب المهاجرين تمول نفسها ذاتيًا من خلال تهريب الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى أوروبا, ويستهدف أغلب المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أميركا الوسطى الوصول إلى الولايات المتحدة وكندا.

ويحصل المهربون من هؤلاء المهاجرين على نحو 17 ألف دولار "كتكلفة شاملة"، تشمل جواز سفر حقيقي لكنه يحمل بيانات مزيفة تم الحصول عليها بالرشوة من إدارات الجوازات في دول مثل السنغال، إلى جانب تذاكر الطيران والإعاشة لمدة أسبوعين في دولة الوصول في أميركا الوسطى، قبل التسلل إلى الولايات المتحدة, وتضم قائمة الجنسيات الأكثر رغبة في الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة حاليًا الألبان والسوريين والأتراك وبعض العراقيين، وقد انضم إليهم الإريتريون والصوماليون ومواطنو غرب أفريقيا, ويذكر أحد الدبلوماسيين أن ملف الهجرة غير الشرعية في أميركا الوسطى "يجب أن يكون أولوية لأنه سيكون قنبلة موقوتة".