الدوحة - مصر اليوم
دخلت الأزمة القطرية مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر عامها الثاني. الواقع يظهر أن الجميع قد خسر في هذه الأزمة، حتى وإن كان كل طرف يرى في الطرف الآخر الخاسر الأكبر؛ حيث بدأ الأمر كله بخبر بثته وكالة الأنباء القطرية مفاده أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قال إن إيران تمثل ثقلاً إقليمياً وإسلامياً لايمكن تجاهله، وأنه ليس من الحكمة التصعيد مع قوة كبرى تضمن استقرار المنطقة. وأطلقت فضائيات ومواقع إماراتية وسعودية هجوماً كاسحاً على قطر بعد بث الخبر بدقائق، ووجهت إلى الدوحة اتهامات بمساندة المشروع التوسعي الإيراني ودعم جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر والسعودية والإمارات والبحرين تنظيماً إرهابياً، ورغم حذف الوكالة القطرية للخبر بعد دقائق وتأكيدها التعرض لعملية قرصنة، بدأت الدول العربية الأربعة حملة حصار خانق على قطر في مثل هذا الشهر من العام الماضي، وقدمت دول الحصار 13 مطلبا رفضتها قطر معتبرة اياها تعديا على كرامتها الوطنية. في الأزمة القطرية-العربية الكل خاسر وفي مقابلة له مع DW عربية قال جابر الحرمي، المحلل السياسي ورئيس تحرير جريدة الشرق القطرية إن الكل خرج خاسراً في الأزمة الخليجية "فالأسر والعائلات تشتت شملها كما خسرنا منظومة مجلس التعاون الخليجي وخسرنا الاستقرار في المنطقة ونعيش حالة استنزاف دائم". ويضيف الحرمي أن قطر ومنذ بداية الأزمة أكدت على أنه لا حل لهذه الأزمة إلا بالجلوس إلى طاولة التفاوض والحوار المباشر وطرح كل التخوفات التي تعتري جميع الدول "لكن للأسف دول الحصار حتى الآن ترفض وتهرب من هذا الاستحقاق لأنها تعلم مدى ضعف حججها". ويتفق سليمان العقيلي الكاتب والمحلل السياسي السعودي مع الحرمي على أن الكل قد خسر بالفعل في هذه الأزمة، لكنه أضاف خلال مقابلته مع DW عربية أن أهداف المقاطعة لم تتحقق لأن "قطر لم تقدم أاي تنازلات وكان العناد هو المحرك لردود الفعل القطرية كما أن الدول الأربعة متشبثة بضرورة تنفيذ قطر للقرارات المطلوبة منها". ويقول العقيلي إن الأزمة مع قطر نشأت بسبب تضرر المصالح الاستراتيجية والأمنية والسياسية للدول الأربعة من الممارسات القطرية وأن هذه الدول تعتقد بتورط قطر في أمور تهدد أمنها الداخلي، مضيفاً أن الأزمة ذات جذور تاريخية بدأت منذ التسعينات بسبب إرث ضخم جداً من الممارسات القطرية ضد هذه الدول. أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية لم تقف الأزمة عند حد قطع الدول الأربعة لعلاقاتها السياسية مع قطر، حيث نتجت أيضاً تأثيرات اجتماعية واقتصادية عن الأزمة السياسية، وتحدثتا وكالة بلومبيرغ الأمريكية ومجلة "إيكونومست" البريطانية عن خسائر مالية جسيمة للإمارات والسعودية جراء المقاطعة، فبحسب ما نشرته الوكالة والمجلة فإن القطريين كانوا من كبار المستثمرين في العقارات بالإمارات كما أن السعودية فقدت السوق القطري كمركز لبيع منتجاتها كالأغذية ومنتجات الألبان بخلاف سوق الإعمار والبناء. كذلك فقدت مصر سوقاً هاماً لمنتجاتها الزراعية بجانب رحلات مصر للطيران التي توقفت عن نقل أكثر من 300 ألف مصري يعملون بقطر. وأعلنت شركة طيران قطر الوطنية عن تكبدها أيضا خسائر كبيرة، كما فقدت مصادر هامة للغذاء والمواد الأولية كانت تحصل عليها من دول المقاطعة. يقول المحلل السياسي القطري جابر الحرمي إن "المؤلم فعلياً هو الجانب الاجتماعي، فصلة الأرحام انقطعت ومنع القطريون من العمرة والحج"، لكن فيما يتعلق بالنواحي الأخرى أكد أن بلاده وسعت من دائرة علاقاتها السياسية والاقتصادية ونوعت مصادر الاستيراد وأنشأت المئات من المصانع ودعمت الانتاج المحلي وبدأت بتشغيل ميناء حمد الذي وصفه كأحد أكبر الموانئ البحرية في الشرق الأوسط، وأضاف: " نعم كان هناك بعض الارتباك في بداية الأزمة لأن الأمر كان بمثابة طعنة غادرة لكن تم استعادة التوازن بسرعة". وقال الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي إنه بلغة الأرقام فهناك خسائر بالفعل لكنها أضعاف مضاعفة في الجانب القطري لأن الاقتصاديات الخليجية ليست معتمدة على السوق القطري كما أن قطر ليس بها موانئ استراتيجية هامة للملكة العربية السعودية والصادرات السعودية لقطر لا تمثل رقماً ضخماً في الاقتصاد السعودي "لذا فالتأثير صغير جداً"، أما فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية والعائلة فاتفق مع المحلل السياسي القطري في الأضرار الاجتماعية الناجمة عن الأزمة، لكنه أكد أن الحكومة السعودية تحاول التقليل من تأثير الأزمة على هذا الجانب بتوفير وسائل للقاء العائلات أو استقبال الحجاج والمعتمرين القطريين على خطوط طيران دول أخرى. الدول الغربية.. محاولات للمصالحة أم استثمار في الأزمة؟ وعلى الرغم من ارتباط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا بعلاقات جيدة مع أطراف الأزمة، لكن يبدو أن عمق هذه العلاقات لم يكن مما يعول عليه في حل الأزمة. يقول جابر الحرمي المحلل السياسي القطري في مقابلته مع DW عربية إن أمريكا وترامب تحديداً أعطى الضوء الأخضر للحصار من خلال تغريداته، مضيفاً أنه فيما بعد كانت هناك تصريحات تفيد بأن مستشاري ترامب كانوا بالفعل يعلمون بخطط دول الحصار تجاه قطر وأن الأمر بحسب ما وصل للإدارة الأمريكية لم يكن ليستغرق أكثر من عدة أيام ليتم حل الأزمة والسيطرة على قطر وقرارها السيادي "لذلك دخلت أمريكا الأزمة بمعلومات مضللة"، مشيراً إلى أن أمريكا كانت المستفيد الأكبر من الأزمة بعقود تسليح بالمليارات، التي حصلت عليها من الدول الأربعة. ويتابع الحرمي قائلاً إن الاتحاد الأوروبي لم يكن مسانداً للحصار لأنه لم يقتنع بما قدمته الدول من مزاعم وكانت ألمانيا وفرنسا الأكثر وضوحاً ولم تستسلم لادعاءات دول الحصار ودعت إلى حوار مباشر لحل الأزمة، ويعتبر أن الأزمة فتحت أبواب الخليج أمام روسيا، كما أعادت تركيا للمنطقة وبقوة بعد خروجها منها قبل 100 عام. ويرى الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي أن "الولايات المتحدة حاولت حلحلة الأزمة ولم تنجح لأنها لم تمارس ما يكفي من الضغط على قطر"، أما القوى الأخرى "فقد حاولت استثمار الأزمة عبر صفقات وعقود لكن هذه الأزمة لم توفر ذرائع ضخمة أو وسائل للكسب الاقتصادي للقوى الكبرى لأنه كانت هناك اتفاقات للتسليح سابقة للأزمة". ويعتقد العقيلي أن التأثير الروسي في الخليج ضعيف وأن موسكو لم تحاول كثيراً أن تتدخل، رغم محاولاتها الاستثمار الاقتصادي في الأزمة عبر صفقة اس-400 مع قطر والتي لم تلق ترحيباً من العواصم الأربعة. ويرى العقيلي أن تركيا هي الخاسر الأكبر في الأزمة بانحيازها للدوحة، ما أثر في علاقاتها مع دول الخليج بخلاف سوء علاقاتها قبل ذلك مع مصر. قطر ودول المقاطعة يمارسون سيادتهمم ويرى الكاتب الصحفي القطري جابر الحرمي أن المطالب الثلاثة عشر التي طالبت دول المقاطعة قطر بتنفيذها، تمس سيادتها الوطنية وقرارها السياسي وأنه لا توجد دولة في العالم يمكنها القبول بأمور كالتي طُلبت من قطر. ويؤكد على الجانب الآخر المحلل السياسي السعودي سيلمان العقيل أن الدول الأربعة بمقاطعتها لقطر تمارس هي أيضاً سيادتها الوطنية مشيراً إلى أن "حق السيادة هنا حق أُريد به باطل وأن السيادة مسألة نسبية في العلاقات الدولية وأن المصالح المشتركة بين الدول متداخلة والدول ذات المصالح المشتركة والاستراتيجية المتناسقة تتنازل فيما بينها عن سيادتها لصالح الجماعة لأن في ذلك تحقيقاً لأمن الجميع،. ويشدد العقيل على أنه "إذا كانت قطر تعتبر أن التحريض على هذه الدول هو حق سيادي فإن مقاطعة هذه الدول لقطر أيضاً حق سيادي".