القاهرة - مصر اليوم
أكد خبراء مصريون أن حالة عدم الاستقرار السياسي في أثيوبيا قد تؤثر على مسارات سد النهضة مع مصر.
وقدم رئيس الوزراء الاثيوبي هايلي ماريام ديسالين، استقالته في 15 فبراير الجاري.
وأعلن مجلس الوزراء الاثيوبي الجمعة حالة الطوارئ في البلاد، عقب مناقشات بشأن التحديات الأمنية والاضطرابات والاحتجاجات في البلاد.
وقرر السودان أمس السبت تأجيل انعقاد الاجتماع الثلاثي حول سد النهضة، الذي كان مقرراً أن تستضيفه الخرطوم في مستوييه الفني والوزاري يومي 24 و25 فبراير الجاري إلى موعد لاحق يتم التوافق عليه بين الدول الثلاث.
واوضحت الخارجية السودانية أن قرار تأجيل الاجتماعين الوزاري والفني جاء "استجابة لطلب من الجانب الإثيوبي".
وكان من المقرر عقد هذا الاجتماع برئاسة وزراء الخارجية وحضور وزراء الري ومديري أجهزة المخابرات في الدول الثلاث، بموجب ما أقرته قمة جمعت رؤساء السودان وإثيوبيا ومصر في أديس أبابا، على هامش القمة الأفريقية الأخيرة في نهاية يناير.
وأعربت مصر اليوم (الأحد) عن تفهمها للظروف التي دفعت أثيوبيا لطلب تأجيل الاجتماع الوزاري الثلاثي حول سد النهضة.
وأكد المتحدث باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد في بيان، أن بلاده تلقت بالفعل الإخطار الخاص بقرار السودان تأجيل الاجتماع الوزاري الثلاثي الخاص بسد النهضة بناء علي طلب من اثيوبيا.
وقال أبو زيد "إن وزارة الخارجية تدرك الظروف التي ربما قد دفعت إثيوبيا لطلب تأجيل الاجتماع، والتي نأمل أن تزول في أقرب فرصة".
وأضاف "إننا نتطلع لأن يتم الالتزام بالإطار الزمني الذي حدده القادة لحسم الخلافات الفنية القائمة، لاسيما وأن قضية سد النهضة تمس مصالح شعوب الدول الثلاث، وأن التنفيذ الدقيق لتكليفات القادة يقضي باعتبار مصالح شعوب الدول الثلاث مصلحة لدولة واحدة وشعب واحد، الأمر الذي يقتضي التحرك العاجل للتوصل إلي حلول تحفظ مصالح الجميع".
أوضح السفير أحمد حجاج الأمين العام المساعد الاسبق للاتحاد الأفريقي، أن ماتشهده أثيوبيا من عدم استقرار سياسي حاليا يرجع إلى أن أثيوبيا تضم قوميات متعددة وكل قومية تتحدث بلغة مختلفة.
وقال حجاج لوكالة أنباء (شينخوا) إنه من الصعب في ظل ماتشهده أثيوبيا من تنوع أن يتم حكم وادارة شئون البلاد من المركز في أديس ابابا، منوها إلى أنه كثيرا ما كانت تقع الاحتجاجات هناك نتيجة تلك الأوضاع.
واضاف أن قومية الأورومو التي تشكل نحو 40 بالمائة من السكان، يشعر مواطنوها بالتهميش خاصة في ظل عدم تمثيلهم في أجهزة الحكم، ومحاولة الحكومية الاثيوبية توسيع العاصمة اديس ابابا بالاستيلاء على أراضي قومية الأورومو الذين خرجوا في احتجاجات متعددة.
وتابع "هناك أيضا قبيلة الأمهرة والتي كانت تحكم أثيوبيا لفترة طويلة جدا، وتشكل 25 بالمائة من السكان، ولكن تم في الفترات الأخيرة اقصائها عن المشهد السياسي ما ولد لديها حالة من الغضب والسخط".
ولفت إلى أن حركة تحرير شعب تجراي التي تشكل 6 بالمائة من الشعب الأثيوبي تستأثر بالحكم لفترة طويلة قبل أن تشكل مؤخرا ائتلافا وزاريا ضم شخصيات تم انتقائهم بعناية ينتمون إلى قوميتي الأورومو والأمهرة.
وأوضح الأمين العام المساعد الاسبق للاتحاد الأفريقي، أن استقالة ديسالين ترجع لاسباب داخلية خاصة بحزب حركة تحرير شعب تجراي، لفشله في التعامل مع الأوضاع الداخلية المتأزمة.
ونوه إلى أن ديسالين سوف يستمر حتى ينتهي البرلمان الموالي بالكامل للحكومة من تشكيل وزارة جديدة.
ورأى حجاج أن الاستقالة لن يكون لها تأثير كبير على مفاوضات سد النهضة القائمة بين مصر وأثيوبيا والسودان.
واستطرد قائلا "ولكن ربما تؤدي إلى تأخير المفاوضات، وبالفعل قد تم ارجاء الاجتماع الوزاري الثلاثي والاجتماع الفني اللذان كان من المقرر عقدهما بالعاصمة السودانية الخرطوم".
وأشار إلى أن الاجتماع الرئاسي الثلاثي الذي عقد مؤخرا على هامش اجتماعات الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا بين ديسالين والسيسي والرئيس السوداني عمر البشير قد طالب اللجنة الفنية بتقديم رؤيتها خلال شهر واحد.
وانتهت جولة مفاوضات بين السودان ومصر وإثيوبيا حول سد النهضة في نوفمبر الماضي بدون التوصل لاتفاق حول تقرير فني أعده مكتب استشاري فرنسي حول السد، الذي تبنيه أديس أبابا على مجرى النيل الأزرق.
وأعدت التقرير الشركتان الفرنسيتان ((بى آر إل)) و((أرتيليا)) المكلفتان من قبل الدول الثلاث بتنفيذ دراسات تأثيرات سد النهضة.
واقترحت مصر في أواخر ديسمبر 2017 على الجانب الأثيوبي إشراك البنك الدولي كطرف محايد في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية الخاصة بسد النهضة، لكن أديس أبابا رفضت المقترح المصري.
من جانبها، أكدت الدكتورة أماني الطويل رئيس وحدة الدراسات الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن تأثير الوضع في أثيوبيا على مفاوضات سد النهضة يتوقف على درجة الاستقرار السياسي هناك.
وقالت الطويل لوكالة أنباء (شينخوا)، "طالما كانت الدولة قادرة على السيطرة، واستمرار الأوضاع في نطاق الاحتجاجات فقط حتى ولو استمرت لفترة طويلة، في ظل تماسك مفاصل الدولة ستظل الاحتجاجات غير مؤثرة عليها، وسيبقى الموقف كما هو".
وأضافت "أما اذا اتسعت الاحتجاجات وانتشرت واستطاعت أن تشل أديس ابابا على الاقل فإن ذلك سيؤثر سلبا على الحكومة الأثيوبية وسيؤدي إلى إرباك الدولة، وعندها يمكن أن تتراجع معدلات بناء السد".
وأوضحت أن "تأثير الأوضاع الحالية في أثيوبيا على أزمة سد النهضة رهن التفاعلات ومدى اتساع الاحتجاجات فقط لاغير".
وحول مستقبل العلاقات المصرية - الأثيوبية، وتأثير أزمة سد النهضة عليها، قالت الطويل "منذ تولي الرئيس السيسي السلطة تم التراجع عن المنهج العدواني الذي أظهره الرئيس الاسبق محمد مرسي".
وأردفت أن "مصر أكدت على مناهج تعاونية من خلال طرح معادلات الكل فائز، وهو ما وضح خلال زيارة ديسالين الأخيرة تم طرح مشروعات مصرية وتم عقد اجتماع للجنة العليا بين البلدين، وبالتالي لا نستطيع أن نقول أن علاقات الدولتين متوترة".
وتابعت "صحيح أن هناك فتورا في العلاقات فقط نتيجة سد النهضة، ولكن هناك توجه مصري بعدم تأثير الأزمة على مجمل علاقاتها مع أثيوبيا، رغم أن الخطاب الأثيوبي حولها غامض ويعتمد على أسلوب عاطفي لايملك إجراءات محددة لا في إطار سد النهضة ولا حتى في مجال العلاقات الثنائية.
ونوهت إلى أن الموقف الأثيوبي يعتمد فقط على طمأنة مصر والمصريين من عدم الاضرار ولا يتجاوز هذه المرحلة مع المراوغة المستمرة من تنفيذ الاستحقاقات والاجراءات المطلوبة.
وتتخوف مصر من تأثير السد على حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
بينما يؤكد الجانب الإثيوبي أن سد النهضة سيمثل نفعا في مجال توليد الطاقة ولن يمثل ضررا على السودان ومصر.
ويقع السد في منطقة بني شانغول، وهي منطقة شديدة الانحدار على مقربة من الحدود السودانية، وتبعد نحو 900 كيلو متر شمالي غرب أديس أبابا.
ويكلف المشروع نحو 4.7 مليار دولار تمول أغلبه الحكومة الإثيوبية، وسيبلغ ارتفاع السد 170 مترا ليصبح بذلك أكبر سد للطاقة الكهرومائية في قارة أفريقيا.