عمالة الأطفال

تُعتبر أزمة عمالة الأطفال واحدة من أهم مشاكل العصر الحديث، قنبلة موقوتة تواجه المجتمعات النامية، فهي منتشرة بكثرة في تلك الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، ولم تعد الظاهرة جديدة في مصر لكنها تتفاقم كل يوم عن ذي قبل، فالأطفال في مصر خصوصًا هؤلاء الذين لم يحصلون على تعليم جيد ولم يجدوا أمامهم سوى العمل في مهن كثيرة، لتوفير حاجاتهم واحتياجات أسرهم.

ورغم قرار رئيس الجمهورية القاضي بالحفاظ على الأطفال، أكد الكثير من الخبراء أن تلك الأزمة هي التحدي الأكبر للنخبة الحاكمة في مصر، مؤكدين أن القانون كفل حق الطفل، لكنه يحتاج إلى تنفيذ، وأشار أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس الدكتور علي ليلة، أن عمالة الأطفال أزمة ناتجة في أغلبها من التفكك الأسري الموجود داخل المجتمع المصري وذلك بسبب سوء المعيشة وزيادة نسبة الطلاق بشكل غير طبيعي، موضحًا أن القانون ينص على أن الحضانة من حق الأم، وبالتالي الأم تكون غير قادرة على تحمل المعيشة، فتقوم بتسريح أبنائها للعمل من أجل الحصول على قوت يومها.

ويضيف أن كثيرًا من الأسر الفقيرة تفضل إرسال أطفالها لتعلم مهنة أو للعمل، بصفة عامة، عن طريق إرسال أبنائها إلى المدرسة، بدعوى أن إرسال الطفل إلى المدرسة ليتعلم يعني ضياع فرصة كسب ودخل للأسرة تكون هي في أشد الحاجة إليه، ويوضح أن مستويات التعليم منخفضة للغاية وعلى هذا بلغت نسبة تسريب الأطفال من التعليم 25% وذلك نظرًا لطبيعة المناهج التعليمية الطاردة، وكذلك ارتفاع سن القبول بالتعليم مما يضعنا جميعًا أمام تحدٍ حقيقي في العمل على تطوير العملية التعليمية، كما أن معدل القيد الصافي في المرحلة الثانوية 66% للفئة العمرية من السكان مابين عمر 16‏ـ‏18‏ عامًا، مما يعني أن نحو ‏2‏ مليون يتساقطون أو يتسربون لأسباب اقتصادية أو غير اقتصادية في الانتقال من المرحلة الإعدادية إلي مرحلة التعليم الثانوي‏.‏
ويُشير إلى أن منهم من ينضم إلي ‏‏أولاد الشوارع‏ أو ينحرف إلي مهاوي الجريمة والمخدرات والسرقات، فإن‏ 65%‏ من الأطفال تعرضوا للترهيب والضرب داخل المدارس‏، كما أن مشاجرات التلاميذ داخل المدارس أصبحت تؤدي إلي تعرضهم لإصابات بالغة، ومن جانبها تقول عضو لجنة القوى العاملة في البرلمان مايسة عطوة، إن عمالة الأطفال قنبلة موقوتة داخل المجتمع ويقوم اتحاد عمال مصر بحمايتهم، كما أن عمالة الأطفال من أهم الملفات التي نسعى إلى حلها، مشيرة إلى وجود مادة كاملة في قانون العمل للحد من عمالة الأطفال وتحديدًا في صعيد مصر.

وتتابع أنه في قانون العمل الجديد تم رفع سن العامل من أجل الخروج من نطاق الطفل، علمًا بأن هناك عمالة أطفال "تحت السلم" يصعب الوصول لهم لأن هناك جمعيات كثيرة تبحث عن الأطفال في المصانع والشركات والشارع لمحاسبة المسؤول عن عملهم وترك دراستهم، مؤكدة أن وزارة القوى العاملة بعد قانون العمل الجديد ستنتشر في جميع أنحاء الجمهورية لمحاربة هذه الظاهرة وسيكون لهم مكتب في كل محافظة، والمشروعات الصغيرة ستكون سببًا لمنع هذه الظاهرة وهي أمل الفقراء الوحيد.

وفي سياق متصل يشير الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إلى أن الدولة لا تستطيع منع عمالة الأطفال لصعوبة الظروف الاقتصادية للأسر الفقيرة التي يتجه أبناءها للعمل لسد احتياجتهم، ويتابع أن قانون العمل والطفل يحتوي على البنود نفسها من جهة تأهيل وتدريب الطفل لسوق العمل بداية من 13 عامًا ليبدأ بالعمل في سن 15 عامًا. 

ويضيف أن قوانين حماية الطفل تم تفعيلها موخرًا والجميع يعلم أن ملف عمالة الأطفال من الأشياء المهمة لدى رئيس الجمهورية، ووجود مفتش من وزارة القوى العاملة في كل محافظة ليقوم بالمرور على ورش المهن الحرفية للتأكد من عدم وجود أطفال تعمل تحت السن القانوني ورصد من يخالف ذلك إن وجد، ويطالب نوار رئيس الجمهورية، بوضع لجنة مراقبة على الجنة التي تخص وزارة القوي العاملة من أجل الحافظ على أدائهم.

ويقول رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان محمود البدوي أنه تم تعديل القانون الخاص بالطفل عام 2008 لكي يتواكب مع الاتفاقية الدولية للطفل التي وقعتها مصر عام 1989، وتضمن التعديل الجديد تشكيل لجان مركزية في كل محافظة وفرعية داخل المركز للاهتمام بالطفل وضمان حقوقه داخل المجتمع، ويضيف أن اللائحة التنفيذية للقانون صدرت للبدء في تنفيذه تزامنًا مع أحداث ثورة 25 يناير/كانون ثان، وتم وقف تنفيذه بسبب حالة عدم الاستقرار التى تعيشها البلاد في الفترة الحالية، مؤكدًا أن منظمات المجتمع المدني سعت مرارًا لتنفيذه، ويتابع أن تطبيق هذا القانون سيساهم في حل جزء كبير من عمالة الأطفال، إذ يقوم بتوفير التعليم والعلاج والكثير من متطلبات الحياة الضرورية لهم.

وطالب الدولة بصرف معاشات استثنائية للأطفال اللذين هم بحاجة للعمل لتخفيف العبء على كاهلهم، ومن جانب المواطنين يقول محمد إبراهيم إنه يعمل منذ كان عمره 10 أعوام بسبب انفصال والديه، ويضيف أنه عمل في جمع القمامة، ثم أصبح عامل نظافة في أحد النوادي، والآن يعمل "ديليفري" في أحد المطاعم حتى يستطيع مساعدة أمه في التغلب على المعيشة. 

ويقول عُمر السيد أحمد "عمره 12 عامًا" أنه يعمل في ورشة تصليح موتوسيكلات، وهو من اختار ترك المدرسة والعمل في هذه الورشة لأنه في النهاية بعد مشوار كبير مع التعليم سيلجأ إلى العمل، ويتابع هشام هويدي "عمره 10 أعوام" ويدرس في المعهد الأزهري، أنه يعمل بعد فترة الدوام مع تاجر خضار من أجل الحصول على مصروفات المعهد لأن أهله ليس لديهم القدرة المالية على استكمال دراستة هو وإخوته.

ويضيف أحمد فؤاد "عمره 13 عامًا" ويعمل سواق "توكتوك" وترك الدراسة من أجل احتياج أهله للمال، لأن والده مريض ويحتاج مصروفات للعلاج ولديه ثلاثة أخوات ينتسبون إلى صفوف مختلفة في الدراسة، ولأنه الأخ الأكبر كان عليه أن يضحي بترك دراستة من أجل ضمان حياة كريمة لباقي الأسرة.