جمال هلال المترجم و الدبلوماسي بالبيت الأبيض

أكّد جمال هلال المترجم والدبلوماسي في البيت الأبيض، أن الإدارات الأميركية المختلفة تنظر لمصر باعتبارها مفتاحًا للسلام، وأن مصر تلعب دورًا مهمًا في توسيع قاعدة السلام بين الدول العربية وإسرائيل، كما أن الولايات المتحدة تنظر لمصر باعتبارها ركيزة للاستقرار في المنطقة.

وروي جمال هلال المترجم والدبلوماسي في البيت الأبيض على مدى خمسة رؤساء أميركيين ,بعضًا من ذكرياته ورؤيته لأهمية العلاقات المصرية - الأميركية، حيث عمل جمال هلال كمترجم ومستشار في البيت الأبيض منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق ريجان في الثمانينات، وحتى العام الأول للرئيس السابق أوباما، حيث قام بترجمة كل الاجتماعات التى تمت بين الرؤساء والزعماء العرب ورؤساء أمريكا فى تلك الفترة، كما عمل أيضا فى ملف عملية السلام والمفاوضات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي فى كامب ديفيد، كما عمل فى الملف العراقي، وأشار له الرئيس السابق بيل كلينتون فى عدة فقرات فى كتابه حياتي، وأشار مستشار وزير الخارجية أرون كيللر ١٩٧٨ - ٢٠٠٣ إلى أنه كان من القلائل الذى كان يمكنه معارضة الرئيس الأمريكي، ويستمع له الرئيس ولنصائحه، ويعمل حاليًا كمستشار لشركة إكسون موبل للنفط والغاز، واختارته إحدى المجلات الأمريكية عام ٢٠٠٨ كواحد من أكثر خمسين شخصية أمريكية مؤثرة فى القرار فى مجال السياسية الخارجية.

ويرى هلال أن الأعباء الداخلية وضعف الدور الإقليمي لمصر بعد ٢٠١١، أثر على اهتمام واشنطن بالعلاقات مع القاهرة، ولكن هناك تطلعًا أميركيًا لأن تلعب مصر دورًا أقوى فى استقرار بعض الدول فى المنطقة، مشيرًا أن مصر عليها تحديد احتياجاتها من أمريكا، وليس انتظار ما تقدمه واشنطن، وأنه من المهم التشاور المستمر مع المؤسسات الأميركية كافة، وليس البيت الأبيض فقط، لأن البعض يخطئ في تصور أن الاتفاق مع ترامب كافٍ للاتفاق مع أمريكا ككل، كما أكد أن كل ما يقال عن صفقة القرن مجرد تخمينات.

وقال عن مطالبات من الكونجرس الأميركي باستدعاء مترجم البيت الأبيض الذى قام بترجمة قمة ترامب - بوتين "لم أواجه في الحقيقة موقفًا مثل هذا، وممنوع على المترجم الإفصاح عن فحوى أي محادثات، كما أن وزارة الخارجية الأميركية تحمي المترجم، والذى عليه أن يحمى أسرار ما دار فى الاجتماعات، ولهذا فإن المترجم إذا تم سؤاله سيرد بضرورة إن توجه الأسئلة إلى الرئيس ترامب وليس إليه هو.

وتابع" يجب التفريق بين كل الإدارات التي عملت معها وبين الوضع الحالى، حيث يوجد اختلاف فى كل شيء، فالإدارة الأميركية الحالية مختلفة فى منهجها وفى نظرتها وفى تقيمها للمنطقة، وتقليديا كل الإدارات الأميركية كانت تنظر إلى مصر من منظور مصر كدولة ومصر ودورها الإقليمى، وكانت هناك نقطتان أساسيتان يعتبران من الأسس والقواعد فى التعامل مع مصر، الأولي أن مصر هي مفتاح السلام، وبالتالي فإن مصر تلعب دورًا مهمًا في توسيع قاعدة السلام بين الدول العربية وإسرائيل، والنقطة الثانية أنه كان ينظر لمصر على أنها ركيزة للاستقرار فى المنطقة، حيث كانت مصر تلعب دورًا إقليميًا يَصْب في مصلحتها لأن الاستقرار في المنطقة دائمًا من مصلحة الأمن القومي المصري، كما أنه يَصْب فى الوقت نفسه في مصلحة الولايات المتحدة أو أطراف أخرى، وظل ذلك الفكر موجودًا حتى إدارة أوباما.

وأوضح أنه مع التغيرات التي حدثت في مصر عام ٢٠١١ بدأ هذا المنظور يتغير، وتعاملت إدارة أوباما مع مصر بشكل مختلف، وأعتقد أن التغير بدأ ولكن بتحفظ شديد من قبل أحداث ٢٠١١ ، فقد كان منظور إدارة أوباما فى بدايتها هو نفس المنظور للإدارات الأخرى بالنسبة لأهمية مصر إقليميًا، وقد جئت مع الرئيس أوباما عندما ألقى كلمته في جامعة القاهرة، ولكن مع التغيرات الشديدة فى مصر قبل وأثناء يناير/كانون الثاني ٢٠١١ بدأت الأمور تختلف، وأصبح هناك تقيم مختلف وقتها لمدى قدرة مصر على الاستقرار، وإمكان السيطرة على التغيرات التي تحدث ومدى قوة تيار الإخوان المسلمين تنظيميا وداخل القواعد الشعبية، واستمرت التقييمات الأميركية للأوضاع في مصر طوال حكم المجلس العسكري ثم الإخوان المسلمين ثم الانتفاضة الشعبية في ٣٠ يونيو/حزيران لرفض تغير الهوية المصرية والإطاحة بمرسي وبعدها الانتخابات التي انتخب فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وأشار عن إدارة دونالد ترامب ونظرتها لأهمية الدور المصري ,  يجب أن ينظر الرئيس ترامب إلى الأمور بمفهوم قد يبدو أكثر بساطة وبغاية الوضوح، أي ماذا ستقدمه لي وما الذى سأقدمه أنا، ودائما ما كنت أرى أنه ليس من المفروض على أي عاصمة عربية بما فيها القاهرة أن تنتظر ماذا سيقدم الأميركان لها، فهذا المنهج التفكيري خاطئ، لان الأهم هو ماذا تريد القاهرة من واشنطن وليس ماذا ستقدم لها واشنطن، لأن هذا هو المنهج الدبلوماسي الحقيقي، فيجب تحديد الاحتياجات وما الذي يمكن تقديمه نظير ما ستطلبه، خاصة أن الرئيس ترامب أوضح بشكل صريح أنه لن يعطى أى شيء بلا مقابل، والعلاقات طريق ذو اتجاهين وليس اتجاهًا واحدًا، وبالتالي فإن كثيرًا من الدول فى الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل ارتكبت خطأ بانتظار ما ستقدم أميركا لهم ثم تحديد ما الذي يمكن فعله أو قبوله، وهذا المنهج فى حد ذاته خاطئ، وبالطبع فإن العلاقات المصرية - الأميركية قديمة منذ على الأقل الاتفاق على فض الاشتباك الذي وضعه كسينجر وزير الخارجية الأميركي السابق في السبعينات ثم تطورت العلاقات مع كامب ديفيد وأصبحت العلاقات مهمة وبدأت المعونات الاقتصادية والعسكرية وكانت هناك فائدة مشتركة، ولكن القاهرة عليها الآن أن تحدد وتوضح -هذا ما أحتاجه ولهذه الأسباب

وقال إن الولايات المتحدة لا تدار فقط من قبل الرئيس فهو يمثل رئاسة السلطة التنفيذية، والتى ليست طليقة اليدين في تحديد ما تريده فهناك الكونجرس والسلطة القضائية، ولهذا تخطئ بعد الدول عندما تتصور أن مجرد الاتفاق مع  ترامب كاف للاعتقاد أنها اتفقت مع الولايات المتحدة ككل، وأخشى أن نقع مجددًا في هذا الخطأ، وبالطبع فإن الرئيس الأمريكى له صلاحيات كبرى بحكم الدستور بخاصة في مجال السياسية الخارجية، ولكن أيضًا تحكمه ضوابط وقوانين ومصالح خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخزانة وغيرها، وأعتقد أن غياب الرؤية بشأن مستقبل العلاقات أمر في منتهى الخطورة.
.
وأكّد أن الجانب الأميركي غير مهتم حاليًا بتقوية العلاقات مع مصر ,والمسألة تتوقف إلى كيف كان ينظر لمصر سابًقا وكيف ينظر لها الآن، وللأسف نتيجة الأعباء الداخلية في مصر ينظر أميركيًا على أن هناك غيابًا للدور الإقليمى المصري، وهو ما يختلف عن العقود السابقة، وهي أحد الأسباب المباشرة ربما لعدم الاهتمام الأمريكى الكبير، وهذا أمر ليس فقط على مستوى البيت الأبيض أو السلطة التنفيذية بل وحتى الكونجرس ومراكز الأبحاث والإعلام ، وهم يَرَوْن مثلما نقول بالبلدى أن - مصر فيها اللى مكفيها- و بالتالى هناك غياب للدور المصرى التقليدى الإقليمى الذي يسهم في الاستقرار ويؤثر بشكل فعال في أي اضطرابات موجودة فى المنطقة.

وأشار أن إيران من أهم القضايا التي تشغل بال الإدارة الأميركية، وقد كان الرئيس السابق أوباما على قناعة بأنه أفضل منهج للإبطاء على الأقل من عملية بناء قدرة نووية إيرانية هو الوصول لاتفاق مع طهران، وترامب وحتى قبل ترشحه لحملته الانتخابية كان معارضًا تمامًا لهذا المنهج وهو ينظر لإيران كعنصر من عناصر عدم الاستقرار فى المنطقة، وأنه من الخطأ الفادح أن تتم مكافأتها والاتفاق معها، وعندما تولى ترامب الحكم سمح بتمديد الاتفاق النووي الإيرانى مرة واحدة فقط ثم قرر الخروج منه، لأنه يعتبره اتفاقًا فاشلاً لأنه يسمح لإيران ببناء قدرتها النووية ربما على فترة زمنية أطول كما أن الاتفاق تجاهل تمامًا الأعمال الإيرانية التى تدعو لعدم الاستقرار فى المنطقة وتدخلها في شؤون دول أخرى، .

وقال إن الانتخابات الرئاسية الأميركية لا تحددها السياسية الخارجية على الإطلاق وهي ليس لها دور كما يتوهم البعض، وقد سقط الرئيس بوش الأب في الانتخابات وهو فى أوج انتصاره بعد تحرير الكويت وتحقيق انتصار يعتبر من أبرع الانتصارات العسكرية ويتم تدريسه نظرًا للنسبة القليلة من الخسائر الأمريكية، وإعادة انتخاب ترامب أمر مربوط بالسياسة الداخلية مثل الضرائب والوضع الاقتصادي، والملف النووي الإيراني مهم للغاية للولايات المتحدة.

وكشف أن المملكة العربية السعودية هي أكثر الدول نجاحًا في التأثير على الإدارة الأميركية والكونجرس وتأتى بعدها دولة الإمارات العربية.

وتابع أعتبر نفسي محظوظا على المستوى الشخصي لأن علاقتي بالرؤساء الأميركيين جميعًا كانت رائعة بدءً من الرئيس ريجان ومرورا ببوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما، وهى علاقة كانت مبنية على الثقة ولم أر من أي منهم أى شيء سلبي، وبالطبع كان هناك اختلاف بينهم فى التعامل وأسلوب التفكير، وهناك رئيس يؤمن بفكرة إعطاء الصلاحيات للوزراء والمؤسسات للعمل بحرية بناءً على رؤيته التي وضعها مثل الرؤساء ريجان وبوش الابن وهناك رئيس يفضّل التركيز والسيطرة إلى حد ما على التفاصيل، مثل الرئيس بيل كلينتون الذى كان يهتم بالتفاصيل وكنت أحد أعضاء فريقه فى ملف عملية السلام وكنّا نتشاور معه فى التفاصيل، أما الرئيس أوباما فكان خليطا بين الاثنين ولكن كان لديه عقيدة أيديولوجية أقوى ويؤمن بأفكاره الخاصة التى لا يريد تغيرها ولكنه يستمع للجميع، أما بوش الأب فكان بمثابة الرئيس التقليدي فكان يعطى كل الصلاحيات فى مجال السياسة الخارجية لوزير خارجيته وصديقه جيمس بيكر، وأتصور أن وزارة الخارجية تكون فعالة عندما تكون العلاقة الشخصية بين الرئيس ووزير خارجيته علاقة صداقة قوية، وعندما لا يتوافر ذلك يكون هناك دور أكبر لمجلس الأمن القومي.

وتابع كنت المصري الوحيد في البيت الأبيض لفترة، وكانت أيضًا دينا باول رئيسة هيئة الموظفين، وهى من أصول مصرية.

و تركت مصر من أربعين عامًا؛ حيث درست في أميركا دراسات عليا ماجستير فى الدراسات الدولية من جامعة فيرمونت بشأن التفاعل والتواصل بين الثقافات المختلفة، وبدأت عملي كمترجم في البيت الأبيض مع الرئيس ريحان عام ١٩٨٨ وخدمت مع الرئيس بوش الأب ومع الرئيس بيل كلينتون ثم الرئيس بوش الابن وأخيرًا خدمت مع الرئيس أوباما لمدة عام، ثم تقاعدت، والوظائف في الولايات المتحدة يتم الحصول عليها بالامتحانات، ليست هناك مجاملات، لأنه في أميركا فرق كبير بين الحصول على الوظيفة والاستمرار فيها، فإذا لم أكن جيدًا طوال فترة عملى كان يمكن ومن حق أي رئيس عملت معه أن ينهى خدماتي بالبيت الأبيض وأنتظر كموظف بالخارجية لانتخاب رئيس جديد وربما العودة مجددًا ولكني والحمد لله استمرت في عملي سواء مع رؤساء جمهوريين أو ديمقراطيين